اقتصاد وأعمال

اتجاه لإنشاء بورصة عالمية في الخرطوم الصمغ العربي.. تحول جديد في الموقف السوداني


احتفظ السودان، وللمرة الثانية بمنصب النائب الأول لرئيس المنظمة الدولية للأصماغ الطبيعية، فى فعاليات الاجتماع السنوي للمنظمة بمدينة فرانكفورت الألمانية بحضور خمسة وثلاثين عضواً يمثلون الأقطار الأفريقية المنتجة للأصماغ بجانب ممثلي الدول المستوردة، هذا الأمر جعلنا نغوص بالبحث عن مستقبل سلعة الصمغ في السودان بعد الثقة الكبيرة التي أولاها المؤتمرون للسودان باعتباره أحد أهم البلاد إنتاجاً وتصديراً له لأهميته الطبية والعلمية، خاصة وأن هنالك اتجاهاً إلى إنشاء مركز إقليمي للصمغ العربي وبورصة عالمية في الخرطوم، ومعهد متخصص في دراسات وبحوث القطاع، فضلاً عن قيام معمل يُعنى بضبط الجودة واستخدام التكنولوجيا الحديثة في المجال، سعياً لاستضافة الخرطوم للمؤتمر العالمي للصمغ العربي فبراير المقبل مع أهمية قيام اتحاد أفريقي للدول المنتجة للصمغ لوضع الضوابط والمعايير المتعلقة بالجودة وكميات الإنتاج وتحديد الأسعار في ظل استخدام السلعة في صناعات الدواء والسلاح والحلوى.

1

التسويق الدولي.. سعي سوداني لتسجيل نوعيات وخصائص

شارك السودان في فعاليات معرض الصحة والغذاء الدولي بمدينة فرانكفورت الألمانية، وقدم الأمين العام لمجلس الصمغ العربي عبد الماجد عبد القادر ورقة عمل وتقرير الدول الأفريقية المنتجة، مؤكداً على أهمية الصمغ العربي، وقال إنه يُعد أهم مدخلات الأغذية والأدوية مشيرًا إلى مشروعات تطوير حزام الصمغ في السودان وما يرجوه من المجتمع الدولي لزيادة إنتاج السلعة وأهمية بعدها العالمي والاستراتيجي، وقال إن المجموعة السودانية أعلنت عن التوجه الرامي لبناء المخزون الاستراتيجي من الصمغ والمقدر بحوالي 25 ألف طن، وشاركت في المعرض أكثر من ثلاثة آلاف شركة متخصصة في صناعة المأكولات والمشروبات والأغذية الحيوية والعقاقير الطبية، ويدخل الصمغ العربي الذي ينتج السودان “85%” من إجمالي إنتاجه العالمي في عدة صناعات. وتستعد الجهات المختصة فى السودان لوضع إجراءات وترتيبات لتسجيل نوعيات وخصائص الصمغ العربي المنتجة من مختلف الولايات بمنظمة الملكية الفكرية العالمية والمؤسسات الإقليمية ذات الصلة.

ويعتبر السودان أكبر البلدان من حيث الإنتاج العالمي بنحو 85 بالمئة، وأن الصمغ يوجود في 12 ولاية سودانية من أصل 18 ولاية، داعياً إلى ضرورة التعامل مع الصمغ كمورد استراتيجي والحفاظ عليه من التهريب للخارج.

2

الإيرادات.. (60) مليون دولار في النصف الأول

في وقت سابق، أعلنت هيئة الجمارك أن عائدات صادرات الصمغ العربي بلغت نحو 60.6 مليون دولار خلال النصف الأول من العام الحالي، وأشارت الهيئة إلى أن الكميات المصدرة من صمغ الهشاب خلال سبعة أشهر بلغت 13.228 طناً بقيمة 33 مليون دولار، وصمغ الطلح نحو 25 مليون دولار. إلا أن عدداً من المصدرين شككوا في صحة الأرقام الواردة في تقرير الجمارك، وقالوا إن قيمة صادرات الصمغ العربي غير حقيقية، لأنها مبنية على الأسعار العالمية للصمغ العربي، وهي أقل من الأسعار التي تضعها وزارة التجارة، كسعر تركيز لصادرات الصمغ العربي.

ويصدر السودان صمغاً عربياً يصل حجمه الإجمالي إلى أكثر من مائة وعشرة آلاف طن سنوياً منها 65 ألف طن بالطرق الرسمية والمشروعة بينما تجد 50 ألف طن طريقها إلى التسريب والتهريب عبر الحدود لدول الجوار، ولذلك فإن هنالك دعوات لحصر صادرات الصمغ العربي في النوع المصنع لتحقيق أعلى معدلات الربحية إضافة إلى مكافحة التهريب بجانب حصر مجال صادرات الصمغ العربي في الجهات المعنية والمهتمة وإبعاد عنصر المضاربات والتجارة العشوائية ومضاربات العملة في قطاع الصمغ العربي.

3

التغطية… الصمغ يحتل ثلث مساحة السودان

ينتج الصمغ في حزام طويل يمتد في أفريقيا من الشرق إلى الغرب من مدينة داكار غرباً إلي جيبوتي شرقاً وينحصر بين خطي عرض 10-14 شمالاً وهذه منطقة تعرف بالسافنا الفقيرة في تعريف المناخات. وبالنسبة للسودان يتمدد حزام الصمغ العربي في 12 ولاية من حدود السودان المتاخمة مع أثيوبيا وإرتيريا شرقاً إلى حدود السودان من دولة تشاد وأفريقيا الوسطى غرباً. وتشكل مساحة الصمغ العربي 500 ألف كيلو متر مربع والتي تكاد أن تصل إلى ثلث مساحة السودان، بينما يسكن في هذه المنطقة أكثر من 14 مليون مواطن، يشكلون أيضاً أكثر من ثلث السكان. أما حزام الصمغ العربي فيمثل القاعدة المناخية الأساسية لنزول الأمطار حيث أن الأمطار التي تنزل في حزام الصمغ العربي تقوم بتغذية نهري النيل الأزرق والأبيض ونهر النيل الرئيسي والفروع. ويستحوذ الحزام على تربية أكثر 130 مليون رأس من الحيوانات الأليفة، والتي تمد البلاد أيضاً بحاجتها من اللحوم بجانب تغطية حاجة الصادر من اللحوم الحية والمذبوحة.

ويضم حزام الصمغ العربي أكثر من 30 نوعاً من الأشجار الشوكية المنتجة للأصماغ وأشهرها شجرتا “الشهاب والطلح” والتي يطلق عليهما بالصمغ العربي علي حسب تفسير دستور الغذاء العالمي.

4

الاستخدامات.. استخدام غذائي ودوائي

عرف الصمغ العربي منذ آلاف السنين كمادة غذائية ودوائية، إلا أنه اشتهر مع ثورة صناعة الأغذية والمشروبات في القرن التاسع عشر، ودخل في صناعة جميع أنواع المشروبات وحفظ المواد الغذائية وتجانس الأغذية وصناعة الدواء، ما جعل الصمغ العربي يحتل الصدارة في هذه الصناعات. وبات السودان بمساحته وجودة نوعية أصماغه ومعرفة المنتجين بطقوس الإنتاج الرائد في مجال الإنتاج والتصدير وحتى ما تقوم بتصديره كثير من دول الجوار ما هو إلا تسريب أو تهريب من داخل السودان يجد طريقه إما بسبب ضعف السياسات والتمويل أو أسباب متعلقة بفجوة الأسعار بين دول الجوار والسودان.

فالسودان بموارده الحالية يستطيع إنتاج أكثر من 500 ألف طن سنوياً، لكنه ظل لفترات طويلة محاصرًا في إنتاجية لا تتعدى 100 ألف طن نتيجة لصغر موسم الحصاد الذي لا يتجاوز شهرين وشح العمالة، إضافة إلى أن معظم المنتجين من كبار السن فضلاً عن وجود أنشطة منافسة مثل تعدين الذهب وحصاد المحاصيل الأخرى التي تتزامن مع إنتاج الصمغ العربي. فإنتاج السودان حالياً يأتي فقط من حوالي 20% من المساحة الشجرية التي تملكها البلاد وتظل 80% عاطلة عن الإنتاج تحتاج إلى نظرة قومية لتحريك هذه الموارد.

5

أميركا وأوربا الغربية… منافسة للمنتج السوداني

الولايات المتحدة الأمريكية وأروبا الغربية، ظلتا السوق التقليدي للصمغ العربي، حيث يقوم السودان بتصدير أكثر من 80% من إنتاجه إلى أوروبا وأمريكا، وهذا امتد منذ القرن الماضي، واستمر حتى الآن. وعلى الرغم من تعرض السودان للحظر التجاري المفروض من الولايات المتحدة، إلا أن السودان ظل يرفد الولايات المتحدة بالسلعة، إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عبر السوق الأوربي باحتياجاتها من الصمغ العربي. أما الولايات المتحدة الأمريكية فتستورد ما لا يقل عن 40 ألف طن سنوياً تتراوح قيمتها ما بين 120 إلى 200 مليون دولار حسب الموسم ودرجة التصنيع والنقاوة. وأطلق نشطاء وخبراء اقتصاد دعوات إبان فترة الحظر الأمريكي الاقتصادي على السودان بأن يتم استخدام سلعة الصمغ العربي كرت ضغط على واشنطون، لأنها استثنت السلعة من العقوبات، إلا أنها لم تجد حظها آنذاك لجهة أن كثيرين يرون أن اميركا يمكنها أن تحصل على السلعة دون الحاجة إلى التطبيع مع الخرطوم باعتبار أنها تهرب كميات مقدرة منها إلى دول الجوار وتباع في بلادها خاصة الدول غير المنتجة للصمغ .

6

السوق العربي… فتح نوافذ بديلة

الوطن العربي لم يكن يعرف الصمغ العربي على الرغم من وجود كلمة “العربي” في المنتج، حيث ظلت الشركات العربية تعيد استيراد الصمغ من أوروبا وأمريكا والذي تصدره البلدان الأوربية تحت اسم آخر أقرب إلى المادة الكيميائية ويستعمل في الأغذية والأدوية. وبالتالي لا تدرك الشركات أن هذا هو الصمغ العربي الذي يوجد على مرمى حجر منها، وبأسعار أرخص بكثير. ومؤخرا وتحت ظروف الحصار الاقتصادي نشأت أسواق عربية ومن خلال المعارض العربية بدأ الصمغ العربي يعرف في هذه الأوساطـ حيث برزت إمارة دبي كأحد مراكز الترانزيت لتجارة الصمغ العربي في العالم. حالياً توجد سوق رائدة ومجموعة من المؤسسات التي تتعامل في الصمغ العربي في المنطقة الحرة في دبي. وهذا التحول لم يمنع السودان من طرق نوافذ دول شرق أسيا لتسويق الصمغ العربي حيث تم فتح مجالات للتعاون مع اليابان وكوريا والصين والهند.

7

تحديات القطاع… مطالبات بتوفير التمويل وتحريك العمالة

بعض المشكلات تواجه القطاع الذي يوصف بأنه ضخم ويشكل اقتصاديات دولة من بينها قصر موسم الحصاد الذي لا يتعدي الشهور الثلاثة، وفيها يكون مطلوب تحريك العمالة وتوفير التمويل، إضافة إلى صعوبة العمل في القطاع نفسه وعدم توفر التمويل الكافي لقطاع ضخم واستحالة توفير التمويل لجميع المنتجين الذين يصل عددهم إلى 5 ملايين منتج، كما أن اعتماد السودان على السوق الأوربي والأمريكي كمنفذ للشراء يجعله رهيناً للأسعار التي تقدمها هذه الأسواق، كما ظلت معظم البنوك تحجم عن تمويل قطاع المنتجين لفقدانهم الضمانات المقابلة للقروض حيث إن الصمغ العربي منتج طبيعي وبيئي يحتاج حصاده إلى الآلات المتطورة، ولكنه ظل يعتمد على آلات قديمة ضعيفة الإنتاجية التي استعملت منذ آلاف السنين(الفارة–الفرار- الفأس) ما يدعو إلى التحديث لتغطية مساحات أكبر في أقل زمن ممكن مع ضرورة لفت نظر القطاع الخاص الذي أحجم عن الاستثمار في مجال استزراع الغابات. كما أن حزام الصمغ العربي يقع في المناطق الجافة ما يتسبب في معاناة للمنتجين لعدم وجود عائد مجزٍ مع أن التهريب لدول الجوار والاحتكار أثرا سلباً.

8

التجفيف الرذاذي.. عقبات في الطريق

مصنع التجفيف الرذاذي للصمغ العربي الذي دشنته رئاسة الجمهورية كأكبر وأول مصنع من نوعه في البلاد يهدف إلى الوصول لطاقته الإنتاجية القصوى في مجال تجفيف الصمغ العربي تبلغ سعة المصنع 5.500 طن من الصمغ العربي المجفف رذاذياً بقيمة تبلغ 37 مليون دولار، ويسهم في تقليل استنزاف العملات الصعبة من ناحية ويستجلبها من الخارج عبر التصدير من ناحية أخرى، ويشتمل المصنع على وحدة إذابة وتعقيم الصمغ العربي وعمود التجفيف الرذاذي.

مراقبون اعتبروا الخطوة بداية لإيقاف تصدير الصمغ العربي خاماً وتصنيعه محلياً في ظل وجود اتفاق بين اتحاد أصحاب العمل السوداني ووزارة التجارة بشأن تحقيق القيمة المضافة عبر تصنيع المنتجات الزراعية وتصديرها في حال وجود إصحاح لبيئة التنمية والإنتاج في السودان مما يستقطب جزءاً كبيراً من العمالة وتخفيض مستوى الفقر وبالتالي تحسين الميزان الخارجي للاقتصاد.

ضعف التمويل المتوسط وطويل الأجل، يزيد من المعاناة، ويبدو أن هذا الاتجاه يصطدم بعقبات أساسية متمثلة في معاناة المصانع الأمرين من عدم التمويل المتوسط وطويل الأجل، وارتفاع تكلفته وعدم اكتمال البنية التحتية بالنسبة للصناعة من طرق وكهرباء ومجارٍ ومياه، إضافة إلى مواجهة المصانع مشكلات كبيرة جدًا مع المحليات من ضرائب مقننة وغير مقننة والتي أرهقت المصانع وخروج 70% من المصانع من دائرة الإنتاج إضافة إلى عدم استقرار سعر الصرف الذي قلل من التنمية وأثر على المستثمرين الأجانب وأدى إلى عدم الثقة في الاقتصاد وقيمة الجنية السوداني. ودافع مجلس الصمغ العربي عن قرار تصدير سلعة الصمغ العربي مصنعة عوضاً عن تصديره في شكله الخام والذي يفقد البلاد عائدات كثيرة تصل إلى عشرين مليون دولار في العام، باعتبار أن مصانع الصمغ العربي في البلاد تبلغ 23 مصنعاً منها خمسة عشر مصنعاً ناشطاً جميعها تعمل بطاقة لا تتجاوز20% من طاقتها القصوى عدا مصنع واحد، كما أن جميع المصانع الموجودة بالبلاد تعمل على تصنيع الصمغ في شكل حبيبات وبلورات وبدرة ميكانيكية بدرجات نعومة تتراوح بين 1 ملي و6 ملي للبلورات و120 مايكرون للبدرة الميكانيكية، كما توجد بالبلاد طاقة كافية لإنتاج البدرة الرذاذية حيث يوجد مصنعان أحدهما لإنتاج 5 آلاف طن، والآخر ينتج 2 ألف طن.

9

التصدير الخام… إهدار موارد الدولة

الخبير الاقتصادي دكتور عبد الله الرمادي، قال إن استمرار البلاد في تصدير الصمغ العربي بشكله الخام خطأ كبير وفيه إهدار كبير لموارد البلاد، وزاد “كان ينبغي أن يحدث ذلك منذ أواخر القرن الماضي، لكن تأخر السودان كثيرًا وحالياً اتجه إلى تصنيع الصمغ العربي قبل تصديره، يعتبر محمدة وأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي”، مؤكداً أنها خطوة واجبة ولازمة، وليس هنالك سبب يؤخرها، مبيناً أن قوة الاقتصاد فيما يصدره تنعكس إيجاباً على حصلية البلاد من العملات الأجنبية مما ينعكس إيجاباً على قوة العملة الوطنية وبالتالي تراجع سعر الدولار إلى مستوى متدنّ وعلى سعر السلع عامة، وبالتالي تحسين مستوى المعيشة للشعب، واعتبر إنشاء بورصة للصمغ العربي في أديس أبابا وهي غير منتجة الصمغ بالعيب الكبير على السودان في وقت يهرب فيه الصمغ العربي بسبب عدم إحكام التشريعات وعدم إحسان قفل المنافذ، مطالباً بإعطاء منتج الصمغ العربي الدخل المجزي الذي يعادل جهده وتشجيعه للمزيد من الإنتاج بجانب أن تعمل الدولة على زيادة الإنتاج خاصة أن السودان ينتج نسبة 80% من الصمغ العربي من الإنتاج الكلي في العالم، داعياً الى تعميم الفكرة على جميع المنتجات الأخرى، وناشد المسؤولين بتشجيع تصنيع كافة السلع السودانية.