الزواج الصوري للإقامة في أوروبا حيث تختلط المشاعر بالمصالح
يتجدد الجدل في ألمانيا حول مسألة زواج مواطنين من مهاجرين لمنحهم حق الإقامة، فيما يعرف بـ”الزواج الصوري”، خاصة بعد تغريدة من منظمة لإنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط “شجعت فيها الزواج من شخص ليس لديه حق الإقامة”.
“أنا تونسي وأريد الهجرة إلى ألمانيا، لكنني أعرف أنني لن أحصل على الإقامة إلا عن طريق الزواج، المشكلة أنني متزوج، فكيف يمكنني الزواج من ألمانية للهجرة إلى ألمانيا؟”، يتساءل محمد ت. في رسالة أرسلها لمهاجرنيوز.
وليس محمد فحسب، بل إن عدة أشخاص آخرين يبدون في رسائلهم رغبتهم بالهجرة إلى ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى عن طريق الزواج من مواطنات أوروبيات، حتى وإن كانوا لا يعرفونهنّ، وهذا ما يعرف بـ”الزواج الصوري”.
وقد أثارت تغريدة لمنظمة إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط “لايف لاين” جدلاً واسعاً في ألمانيا حول مسألة “الزواج الصوري”، حيث كتبت المنظمة الألمانية الأسبوع الماضي في تغريدة على تويتر: “لستم متزوّجين بعد؟ ربما تُغرمون بشخص ليس لديه حق الإقامة. قد يحدث هذا، ما رأيكم؟ كونوا منفتحين!”
استياء كبير والمنظمة تنفي الاتهامات
وعبّر العديد من المعلقين على التغريدة عن استيائهم، متّهمين المنظمة بأنها “تعمل على تهريب المهاجرين”، هذا ما عدا تعرضها للشتائم والتهديدات من قبل معلقين آخرين.
وعبّر سياسيون ألمان أيضاً عن امتعاضهم من تغريدة المنظمة، وقال وكيل وزارة الداخلية الألمانية شتيفان ماير إن عقد الزواج فقط من أجل الحصول الإقامة يتعارض مع القانون الألماني، مضيفاً لصحيفة بيلد: “من وجهة نظري لا يتوافق هذا الشيء مع فكرة الإنقاذ الإنساني”.
من جانبه قال وزير داخلية ولاية بافاريا الألمانية يواخيم هرمان إنه لا يجب السماح بإساءة استخدام الزواج، وقال للصحيفة: “من يريد أن يؤمّن لنفسه حق إقامة في بلادنا بهذه الطريقة (الزواج الصوري)، لن يلقَ القبول من قبل الناس المحليين”.
ونفت المنظمة بعد صدور ردود الأفعال من السياسيين أن تكون تغريدتها “ترويجاً للزواج الصوري”، مضيفة أنها كانت تقصد “الحب وليس الزواج”، مشيرة إلى أنها كانت تريد أن تذكّر الناس بأن مسألة إغاثة المهاجرين في البحر تتعلق بالحياة والمشاعر.
المهاجر العازب قد يستفيد من الزواج الأبيض، أما المتزوج فلا
ويعتبر الزواج الصوري غير قانونيّ، لأن القانون الألماني يشترط على المتزوّجين “العيش المشترك الحقيقي” وتحمل المسؤولية الاجتماعية للزواج، بحسب المادة § 1353 من القانون المدني في ألمانيا.
وفي حال عدم توفر هذا الشرط فإنه يمكن للسلطات أن تلغي الزواج، بحسب الفقرة 2 رقم.5 من المادة § 1314 من القانون المدني.
زواج صوري مقابل آلاف اليوروهات
واعتبر رئيس هيئة الرقابة في البرلمان الألماني أرمين شوستر أن منظمة الإغاثة “تسيء استخدام” حق مساعدة اللاجئين عن طريق هذه الدعوات، مضيفاً أن “الزواج الصوري وسيلة مجرّبة لمهربي البشر ليحصلوا على إقامات عن طريق الاحتيال”.
وقد سلّطت حملتان قامت بهما الشرطة ضد الزواج الصوري العام الماضي الضوء على هذه الظاهرة مجدداً، حيث قامت الشرطة نهاية عام 2018 بحملة تفتيش في العاصمة برلين لإلقاء القبض على متهمين بترتيب عقود زواج صورية. ويقول الإدعاء العام إن أربعة أشخاص، أحدهم محامٍ، رتّبوا عقود زواج صورية في ألمانيا والدنمارك بين مهاجرين ومواطنين من شرق أوروبا، مقابل مبالغ تتروح بين 6 آلاف و16 ألف يورو لكل عقد.
وفي منتصف العام الماضي شنت الشرطة الاتحادية الألمانية وقوات أمن دنماركية حملة مداهمات في 12 موقعاً في شمال ألمانيا وجزيرة دنماركية ضد “عصابات الزواج الصوري”.
وبحسب صحيفة بيلد الألمانية فإن من بين المتهمين رجل وزوجته، كانوا قد أسسوا شركة يقومون من خلالها بعقد زيجات وهمية بين مهاجرين ومواطنين أوروبيين من أجل تأمين إقامة لهم، وذلك مقابل 15 ألف يورو لكل زيجة. وقالت الصحيفة إن التحقيقات تشير إلى أن الشركة عقدت حوالي ألف عقد زواج صوري.
كيف يتم اكتشاف حالات الزواج الصوري؟
عندما يقدّم مهاجر تأشيرة للدخول إلى ألمانيا بغرض الزواج في إحدى البعثات الألمانية في الخارج، تقوم السلطات الألمانية بالتحقق من أن الزواج ليس صورياً، وذلك من خلال عدة مؤشرات، منها أن تتحقق مما إذا كان طرف الزواج الألماني قد سبق له أن تزوج مهاجراً وجلبه إلى ألمانيا أم لا، أو أن ترى الفرق في السن بين الطرفين.
وبحسب المحامي الألماني كلاوس فيله المختص بحقوق الأسرة فإن مؤشرات أخرى أيضاً قد تزيد من احتمالية أن يكون الزواج صورياً، مثلاً عندما لا يتكلم أحد الزوجين لغة يفهمها الاثنان، أو عند إثبات أن الطرفين لم يلتقيا أبداً قبل الزواج.
وتوجد العديد من الصفحات والمجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تروّج للزواج الصوري من أجل الهجرة إلى أوروبا. وتدّعي إحدى الصفحات مثلاً أن “السويديات يعانين من قلة الرجال، ولذلك قمن بإنشاء موقع للزواج من الشباب العرب”!
وفي الرابط المرفق بالخبر يمكن رؤية عشرات التعليقات لأشخاص يبدون رغبتهم بالهجرة عن طريق الزواج الصوري.
وقد لا يدرك الكثير من الأشخاص الذين يرغبون بالهجرة إلى ألمانيا عن طريق الزواج الصوري، التبعات القانونية لذلك، فالأشخاص الذين يتزوجون بغاية الحصول على الإقامة فقط معرّضون لإلغاء زواجهم وسحب تراخيص إقاماتهم من قبل السلطات المسؤولة، بالإضافة إلى عقوبة دفع غرامة مالية أو السجن، بحسب المحامي الألماني كلاوس فيله.
وبعد شرح عواقب الزواج الصوري في ألمانيا للتونسي محمد ت.، قال محمد إنه غيّر رأيه وسيحاول الهجرة إلى ألمانيا عن طريق العمل، آملاً بأن يقدم قانون الهجرة الجديد في البلاد التسهيلات اللازمة لذلك.
محيي الدين حسين
DW