“باب الرحمة” بالمسجد الأقصى .. لماذا يسعى اليهود إليه؟
بعد 16 عامًا من إغلاقه بقرار من سلطات الاحتلال الاسرائيلي، استطاع الفلسطينيون أمس فتح “باب الرحمة” الذي يعد من أقدم أبواب المسجد الأقصى المبارك، وهو باب له أهمية تاريخية ودينية، ليس فقط عند المسلمين، ولكن كذلك عن اليهود والمسيحيين، ولذلك ظل محل نزاع مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
فما هو باب الرحمة؟ ولماذا كان محل نزاع، وما هي الأسباب التي دعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي لغلقه؟!، هذا ما ما يجيب عنه مصراوي في التقرير التالي.
تشير المصادر التاريخية إلى أن باب الرحمة له مكانة تاريخية قديمه، فقد دخل منه هرقل الروم بعد انتصاره على الفرس عام 628م، ويعتقد أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر باغلاقه حتى لا يكون مدخلًا للمعتدين، ولكن البناء الموجود حاليًا يعود إلى العصر الأموي، حيث أمر الخليفة مروان بن عبد الملك ببنائه، ثم تم تجديده في عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي.
ومن المكانة التاريخية لباب الرحمة في المسجد الأقصى أنه كان يستخدم قاعة للصلاة والذكر، حتى إن حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي كان يعتكف فيه، وصنف هناك أعظم مصنفاته، وهو كتاب “إحياء علوم الدين” في زوايته التي توجد أعلى باب الرحمة، فضلًا عن مجالس العلم التي كان يعقدها هناك.
وذكر ابن سعد في كتابه “الطبقات” وابن عساكر في كتابه “تاريخ دمشق” وغيرهما عن أبي العوام مؤذن بيت المقدس قال: سمعت عبدالله بن عمرو بن العاص يقول: إنه السور الذي ذكره الله في القرآن (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ). هو السور الشرقي؛ باطنه المسجد وظاهره وادي جهنم.
وقد وصف ابن فضل الله العمري (743هـ) في كتابه هذا الباب، وذكر أنه “كان يقوم فوقه مسجد يدعى باب الرحمة حيث كان يصلي فيه إمام مفرد. كما ذكر فوقه زاوية أقام بها الإمام الغزالي حينما نزل القدس. ويتميز هذا الباب بالقوسين اللتين تعلوه، ما يضفي عليه جمالاً ورونقاً. كما أنه يؤدي إلى باحة مسقوفة بعقود ترتكز على أقواس قائمة فوق أعمدة ضخمه ذات تيجان على شكل أوراق نباتية تعرف بالطراز الكورنثي”.
وهناك أيضًا يوجد بالقرب من الباب وداخل مقبرة باب الرحمة قبرا الصحابيين الجليلين عبادة بن الصامت الذي تولى قضاء فلسطين والقدس، وشداد إبن أوس الذي كان مجاهدًا عابدًا- رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة والعلماء الكرام.
أما في العقيدة المسيحية فيعتقد أن السيد المسيح عيسى ابن مريم عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام قد دخل منه في أحد الشعانين، وأن السيد المسيح عليه السلام هو الذي سيفتحه في المستقبل، لذلك يسمى “الباب الذهبي”، كما أن هرقل ملك الروم دخل المدينة من هذا الباب عندما استرد القدس من الفرس.
أما اليهود فيعتقدون أن باب الرحمة من بناه هو سيدنا سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، لذا فهو مقدس عندهم ويعتبرونه أحد بوابات الهيكل المزعوم، لذلك سعوا إلى إقامة كنيس يهودي هناك، وبالفعل قاموا ببعض الحفريات هناك واستخرجوا أتربة يعتقدون أنها مقدسة كونها تعود إلى العهد القديم، وتم ضبط أفراد الجماعات المتطرفة وهم يتمرغون بها ويتمددون فوقها.
وكانت للمستوطنين اليهود محاولات كثيرة للسيطرة عليه ففي حرب عام 1967م حاول وزير الحرب الصهيوني “موشيه ديان” فتح الباب إلا أنه فشل، وجرت محاولة لاقتحامه تم إحباطها في عام 2002م عندما حاول صهيوني فتح قبر ملاصق للباب من الخارج، وحفر نفقاً تحته ينفذ منه إلى داخل المسجد الأقصى.
وتجددت الأحداث قبل أيام بعد أن دعت القوى الوطنية في القدس المحتلة، قبل أيام، إلى النفير العام دفاعا عن باب الرحمة الذي يهدف الاحتلال الإسرائيلي لإقامة كنيس يهودي داخل قاعاته، ودعت القوى الفلسطينية إلى آداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، والإعتصام عند باب الرحمة.
وبالفعل تم ذلك بالأمس، وتمكن المقدسيون من فتح باب الرحمة وأدوا صلاة الجمعة هناك لأول مرة منذ 16 عامًا بعد أن أغلقته سلطات الاحتلال الفلسطيني عام 2003، بدعوى أنه توجد هناك مؤسسة غير قانونية، وظلت سلطات الاحتلال تجدد أمر الإغلاق سنويًا منذ ذلك الحين، إلا أنها أثارت غضب الفلسطينيين مؤخرا بإغلاق بوابة حديدية مؤدية إلى المصلى.
مصراوي