تحقيقات وتقارير

تغيير العملة .. هل تفعلها الحكومة؟


تسري هذه الأيام أنباء حول اتجاه الحكومة لتغيير العملة لم تؤكدها أو تنفها أي جهة رسمية معلومة سواء بنك السودان المركزي أو وزارة المالية. وقد أشارت الأنباء بحسب الزميلة (الصيحة) لتشكيل وزارة المالية للجنة رفيعة المستوى لمعالجة شح السيولة ودراسة (3) خيارات لها من ضمنها تغيير العملة.

وفي الوقت الذي توافقت فيه رؤى برلمانية مع هذا التوجه بمطالبة رئيس لجنة الصناعة والتجارة بالبرلمان عبد الله علي مسار، بسحب العملة القديمة واعتبارها غير مبرئة للذمة لإجبار الرأسمالية على إعادة كتلة الأوراق النقدية للبنوك، مشيراً في حديثه لـ(السوداني) إلى أن ما يتم تداوله من النقود بالبنوك يمثل 4% فقط بينما توجد 96% منها خارج النظام المصرفي.

وقال مسار إن المواطن العادي لا يحتكم إلى نقود كثيرة وأن الكميات الأكبر من النقود موجودة لدى الرأسمالية ورجال الأعمال، مشدداً على ضرورة استغلال طرح عملات نقدية من فئات جديدة لسحب الفئات القديمة حتى يضطر من يمتلكون نقوداً لإرجاعها إلى البنوك.

في الوقت الذي استبعدت فيه مصادر مصرفية واقتصادية تحدثت لـ(السوداني) الخطوة لارتفاع تكلفة إعادة تغيير العملة الحالية ولتسببها في خسائر كبرى جانبية سببها لجوء الحكومة مؤخراً لطباعة عملات نقدية من فئات كبيرة (100 ــ 200 ــ 500) جنيه كلفت الخزانة العامة مبالغ مالية طائلة ولم تفرغ بعد من طرح الفئة النقدية الأخيرة الـ(500) جنيه المقرر طرحها في الأسبوع الثالث من مارس الحالي.

ورسمت المصادر بعض السيناريوهات حول التسريبات بتوجه الحكومة لتغيير العملة، منها أن الحكومة اتخذت هذه التسريبات طُعماً لإجبار من يحتكرون العملات النقدية (الكاش) ويرفضون توريدها للنظام المصرفي بسبب أزمة السيولة الراهنة، على إعادة توريدها قبل الشروع في عملية التغيير، والسيناريو الثاني هو توجه الحكومة فعلياً في تغييرها لإعادة الكتلة النقدية التي يوجد (95)% منها خارج النظام المصرفي إليه وإعادة توظيفها في القطاعات الإنتاجية واستعادة ثقة المواطنين في التعامل مع المصارف مرة أخرى.

وقلل مصدر مصرفي عليم لـ(السوداني) مما يُثار حول تغيير العملة وقال: (two late) لقد تأخرت الحكومة وبنك السودان في إنفاذ هذه الخطوة التي كان من المفترض أن تنفذ قبل شروعها في طباعة الفئات الكبيرة التي قارب طرحها على الانتهاء، وهذا التباطؤ سببه تخوف الحكومة من التكلفة العالية لإعادة تغيير العملة حينها، فكيف تعلن عن تسريب هذا التوجه بعد تصاعد تكلفة الاستبدال لأضعاف مضاعفة بالنقد الأجنبي من ورق وأحبار وعلامات تأمينية وتأمين وترحيل للعملة من الدولة التي تمت الطباعة فيها إلى السودان.

وأشار إلى أن الحكومة تهدف من كل ذلك إعادة النقود إلى المصارف مرة أخرى، ولكن جل الفئات النقدية الكبرى التي تم طرحها لم ترجع إليها، وهي الآن بحوزة المواطنين، وقال: حتى ولو تم تغيير العملة فأتوقع أن تتعرض للسحب فوراً من قبل المواطنين حال طرحها للمصارف والصرافات الآلية، وعدم عودتها للنظام المصرفي مرة أخرى الأمر الذي يتطلب إعادة الثقة في النظام المصرفي.

وألمح المصدر إلى احتمال أن يكون تغيير العملة (مجرد كلام واتساب لا أساس له من الصحة).

وأقر محافظ بنك السودان المركزي السابق د.محمد خير الزبير في وقت سابق بحدوث نقص كبير وندرة في الأوراق النقدية وأن السياسات الجديدة هدفت لمعالجة هذا الأمر الطارئ، لافتاً إلى إسهام التدهور السريع في سعر الصرف والتضخم في زيادة المشكلة والطلب على النقود وقال حينها: إنهم شرعوا في طباعة فئات نقدية كبرى بالخارج بتكلفة (200) مليون دولار ووعد بحل مشكلة ندرة النقود نهائياً عند استلام الفئات الجديدة وإدخالها للبنوك.

وقال المحلل المصرفي عثمان التوم لـ(السوداني)، إن تغيير العملة بأخرى يحل مشكلة السيولة مؤقتاً، لأنني أتوقع أن يحتفظ بها المواطنون خارج المصارف كما يحدث الآن.

وأشار إلى أن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو إقناع المواطنين بشكل جماعي على إعادة الإيداع لأموالهم بالمصارف حرصاً على الاقتصاد الوطني.

ويشهد (الجنيه) تدنياً كبيراً في قيمته مقابل الدولار، الذي وصل سعر صرفه لأكثر من (70) جنيهاً بفعل مضاربات سماسرة العملات الأجنبية بالسوق الموازي والطلب غير الحقيقي على الدولار ودخول الحكومة كأكبر مشتر له في السوق.

ودعا المحلل الاقتصادي د.بابكر محمد توم لاهتمام الحكومة وبنك السودان بتحقيق الشمول المالي وتطوير نظم الدفع الإلكتروني، باعتبارها الحل الأمثل في هذا التوقيت، مؤكداً عدم مساندته لخيار إعادة تغيير واستبدال العملة بأخرى باعتباره مكلفاً جداً ويزيد من عدم ثقة المواطنين في النظام المصرفي، لافتاً لاستمرار معاناة المواطنين من أثر أول طباعة نفذها وزير المالية الأسبق حمدي.

واستبعد التوم أن تكون تسريبات تغيير العملة طعم لإرغام المواطنين على توريد أموالهم بالمصارف، وشدد على أهمية عدم تحميل أجهزة الدولة لمشكلاتها للمواطنين.

وقال المحلل الاقتصادي د.هيثم فتحي لـ(السوداني) إن الوضع عموماً يتطلب مثل تلك القرارات لأن هناك تدهور مربع حدث للاقتصاد الوطني بالجنيه السوداني فقد حوالي 95% من قيمته خلال سنة واحدة.

وقال: “يمكن أن تكون خطوة التخلص من الاقتصاد الأسود”، وهو وصف يستخدم على نطاق واسع لوصف التعاملات التي تحدث خارج القنوات الرسمية والقضاء على الأوراق النقدية المزورة وجلب المليارات من الكتلة النقدية والثروات غير المعلن عنها وضخها في التيار الرئيسي لاقتصاد البلاد.

وأشار إلى أن هناك نسبة كبيرة من اقتصاد البلاد تعتمد على الشركات المتوسطة والصغيرة والتي تستند إلى حد كبير إلى المعاملات النقدية.

ومن شأن الخطوة أن ترجع بنتيجة ثانوية إيجابية، مشيراً إلى أن كثيراً من الأفراد والأسر ليس لديها حساب مصرفي والتي تحتفظ بجميع أموالها نقداً في البيوت سوف تضطر الآن إلى فتح الحسابات المصرفية لإيداع الأموال فيها مما يجعل الإدماج المالي أمراً لا مفر منه ولكن بصورة غير مباشرة.

وقال إن أثر عملية تغيير العملة على الاقتصاد يتمثل في عودة الكتلة النقدية بشكل كبير إلى الجهاز المصرفي حيث ستتيح للبنوك موارد جيدة تمكنها من تمويل القطاعات الحيوية في الاقتصاد، لكن يجب أن تكون مصحوبة بإجراءات أخرى خاصة بتحفيز العملاء لزيادة حجم الإيداعات وإبقاء الأموال داخل المصارف وعدم خروجها مرة أخرى، وأعتقد أن هذا هو الهدف الأساسي والرئيسي من تلك الإجراءات.

ويأتي آخر تبديل للعملة في يوليو 2011 بطباعة عملات ورقية من فئة العشرين والعشرة والخمسة جنيهات والجنيهين والجنيه والذي تحول لاحقاً من فئة ورقية لمعدنية والتي تم طرحها من قبل الحكومة بعد أسبوعين على الإعلان الرسمي لاستقلال جنوب السودان لتتطور طباعة العملة أخيراً بتوجه البنك المركزي لطباعة وطرح فئات أكبر (100 ـ 200 ـ 500) للتداول تدريجياً.

تقرير : هالة حمزة
الخرطوم (صحيفة السوداني)


‫3 تعليقات

  1. بسم الله
    اولا تغير العملة لا يفيد بشئ الحل الوحيد هو النظام الاكتروني لان التغير الورقي سوف يتم بسقف معين من البنك والسقف المعين ده انا كراسمالي نوزع النقد الموجود لجميع افراد الاسرة والاصدقاء والمعارف ليعود مرة اخرى في خزينتي ونكون ما عملنا شي تكون ساقية جحا تشيل من البحر وتكب في البحر

  2. وماذا لو طبعت هذه الدولة نفس هذه المبالغ وادخلتها الى السودان بنفس ارقام التسلسل الاصلية ؟

  3. تجربة الهند الحالية والغاء العملة من التداول دروس مستفادة.

    تجاوزت الهند هذا العام الصين كأسرع الأسواق الرئيسية نموًا، حيث يبلغ عدد سكانها نحو مليار وربع نسمة ويعتمد الهنود بشكل شديد على السيولة النقدية، إذ تتم 90% من الصفقات نقدًا، وتعتبر العملات الورقية فئة 500 وألف روبية الأكثر تداولا حيث تمثل نسبة 86% من السيولة النقدية المتداولة.

    في 9 نوفمبر من هذا العام أصدر رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” قرارًا مفاجئًا وبدون سابق إنذار يقضي بإلغاء أكبر فئتين من النقود المتداولة في الأسواق المحلية وهما 500 والألف روبية الموجود في الأسواق لتصبح العملتان فاقدتين لقيمتيهما الشرعية، وقد لجأت الحكومة لهذا الإجراء بدواعي مكافحة التهرب الضريبي (يطلق عليها الأموال السوداء) والتزوير وتطهير الاقتصاد الذي يعاني من فساد كبير يتمثل بإخفاء أموال سائلة تقدر بالمليارات او ما يعادل بربع الإنتاج المحلي الإجمالي بعيدًا عن الإدارة والرقابة الرسمية، حيث ستتعرض تلك الأموال لفقدان القيمة في حال لم يتقدم أصحابها لاستبدالها بالعملة الجديدة من المؤسسات التي فتحتها الحكومة للمواطنين وهي البنوك ومكاتب البريد حتى 30 من ديسمبر لهذا العام وتم تحديد جدول قياسي قصير لتوديع واستبدال العملة.
    قبل هذا القرار المفاجئ اتخذت الحكومة بعض الاجراءات ومنها:

    • اصدار الهوية الوطنية (الرقم الوطني) الزاما لكل مواطن
    • فتح حسابات مصرفية للجميع
    • ربط رقم الحساب المصرفي بالرقم الوطني
    • انشاء شركات للنهوض بالدفع الالكتروني ومنها المحفظة الالكترونية وبطاقات الائتمان وغيرها من وسائل الدفع الالكتروني
    • الهدف هو إنشاء سوق غير نقدية Cashless Market or Country
    • جذب الناس لتوديع أموالهم في المصارف

    وفي نفس السياق تم تغيير التصاميم والألوان للعملة الجديدة وطرحها في السوق مباشرة قبل الإعلان عن تغيير العملة القديمة، وفي صباح يوم 9 نوفمبر أعلن الرئيس بإلغاء العملة المتداولة، وأمهل المواطنين 50 يوما لتوديع أموالهم في حساباتهم المصرفية. طبعا الرقابة اتخذت من هذه الفرصة لتحدد حجم الدخل الحقيقي للأشخاص والشركات الذي تم التلاعب به عن الضرائب وبدا مشوار الغرامات المالية الكبيرة للمتهربين يأخذ مجراه وباستطاعتكم تخيل حجم الغرامات.

    الان تم إقرار الذمة المالية الصحيحة للمواطنين والشركات ومنها ستأخذ الحكومة نسبة 50٪ كضريبة ومخالفة من الاموال التي لم يتم التبليغ عنها والتي تمم ايداعها هذه الفترة فقط وتجميد نسبة 25٪ من الباقي لمدة خمسة سنوات أي لا يستطيع المواطن سحبها من حسابه الخاص الا بعد مرور 5 سنوات

    إذا لم تبلغ عن اموالك او تودعها في الحساب بعد الفترة المعلنة سيتم خصم نسبة 90٪ منها للحكومة حيث لن تستطيع ايداعها الا في المصرف المركزي ويستمر هذا التمديد لمدة تسعين يوم بعد الإعلان الاول، وبعد التسعين يوم إذا تم كشف أي عملة قديمة لديك ستقوم السلطات بإيداعك في السجن.

    لقى هذا القرار معارضة قوية من الحزب المعارض للحكومة ومن دواعش المال في الهند اذ يعتبر الحكوميين والبرلمانيين في الهند من اكبر مرتشي الدولة ونسبة الفساد في الدوائر الحكومية تعتبر الأكثر في العالم.

    وتم تعديل القرار يوم 22 ديسمبر حتى اخر الشهر كالاتي:

    توديع مبلغ من 5،000 الى 50،000 روبية من الفئة القديمة يكون إيداع غير قابل للسحب ويتم التحقيق مسجلا مع المودع بحضور اثنان من موظفي المصرف لمعرفة لماذا لم يتم توديعها سابقا ووضع علامة حمراء على اسم المودع لهيئة الضرائب

    يقبل من الأجانب توديع مبلغ لا يتجاوز 5،000 روبية في الأسبوع الى يوم 15 ديسمبر
    السحب الاسبوعى لا يتجاوز 20،000 روبية للأشخاص و50،000 للشركات
    السحب الالي يكون بقيمة 2،500 يوميا من الات السحب

    المزارعين المسجلون الذين يتقاضون صكوك لمنتجاتهم يسمح لهم بسحب 50،000 أسبوعيا
    وكذلك لأصحاب الأعراس 2،500 لأهل العروس والعريس خارج السحب الشخصي وهكذا للمدارس وغيرها.