اقتصاد وأعمال

السيولة النقدية.. أزمة على طاولة التشريح

خبراء اقتصاديون وأكادميون وناشطون اجتمعوا لمناقشة الأوضاع الاقتصادية والأزمة النقدية التي تمر بها البلاد بدار الشرطة أمس الأول. القضية التي أثرت على مرافق الحياة وأثارت ضجر المواطنين خضعت للتشريح. فماذا دار في الندوة؟

ضربة البداية
ابتدر النقاش رئيس اتحاد المصارف السابق مساعد محمد أحمد، منوها إلى معايشتهم القضية منذ فترة وتحديدا بداية 2018م، لتدخل كل بيت متسببة في أضرار بالقطاع المصرفي والمواطنين كعملاء. مشيرا إلى الحاجة لطرح الأفكار والرؤى والمقترحات لحل الأزمة والخروج منها.
من جانبه أوضح الخبير الاقتصادي الأكاديمي د.محمد الناير، أن أسباب الأزمة تكمن في تطبيق الدولة لتحجيم السيولة النقدية لتقليل المضاربة على الدولار، مشيرا إلى احتكار بنك السودان للذهب ومنح 4 شركات حق امتياز شراء الذهب، مما ساعد على تهريب نسبة كبيرة إلى الخارج لتصل إلى عشرات الأطنان، ووصل معدل التضخم إلى 72% في 2018 مما أدى إلى زيادة الأسعار بنسبة 200% واستدانة الدولة بطريقة غير صحيحة وطباعة العملات باستمرار من غير تغطية.
واقترح الناير لحل المشكلة أن تعمل الحكومة في البحث عن مصادر القروض والمنح، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، وشراء الذهب بسعر عادل، فضلا عن ضمان تحويلات المغتربين وإعطائهم الحوافز المشجعة.
وكشف أن الظواهر السالبة السائدة حاليا تتمثل في وجود سعرين بالسوق الموازي بالكاش والشيك، معتبرا ذلك ربا، فضلا عن عدم تغذية الصرفات الآلية، بالإضافة إلى أن المصارف السودانية تحتاج إلى ضخ سيولة من بنك السودان المركزي، وأضاف أن حجم الكتلة المتداولة 113.9 مليار جنيه والموجود بالبنوك حوالي 112.9 مليار جنيه.
وقطع بأن الحل يكمن في اتخاذ قرارات عاجلة لإيقاف تحويل الرصيد وبدراسة أن التحويل يصل إلى نسبة 65%، وتحفيز المغتربين، بالإضافة إلى جعل قانون الطوارئ عاملا مكملا وليس أساسيا.

عرض وطلب
من جانبه لخص الخبير الاقتصادي عمر عمرابي، مشكلة السيولة في عرض وطلب الشراء للمواطن في الحياة اليومية ومعاش الناس، منوها إلى أن السياسات النقدية التي تم إصدارها من البنك المركزي خلقت تضخم، فضلا عن أن الدفع الإلكتروني هو تبادل القيمة من غير كاش، وأضاف: وهذا صعب لأنه لا توجد بنية تحتية لدينا بشهادة جهات على مستوى الإقليم. مشيرا إلى أن من أكبر إشكالات الدولة أن كل المؤسسات بالدولة تهتم بمصالحها ومن أسباب تأخر المصفوفة المتابعة والرقابة. مطالبا بأن تلتزم الدولة بالدفع الإلكتروني في المؤسسات الخدمية مثل مجمعات الشرطة لخدمات الجمهور، واستدرك: من أسوأ الجهات هي الجامعات بالإضافة إلى القضائية ومصلحة الأراضي. مشددا على أن أهمية تبني الدولة لعملية الدفع الإلكتروني من المستوردين إلى تجار الجملة والقطاعي، منوها إلى أن 90% من المصانع لم يتعرفوا على الدفع الإلكتروني ويعملوا به.

الكتلة النقدية
من جهته أكد د.طه حسين أن الكتلة النقدية وصلت إلى 119.49 مليار في 31/1/2019م، موضحاً أن سعر الصرف بدأ الحركة منذ عام 2010م كسيولة نقدية لدى الجمهور وودائع، وأوضح أن البنك المركزي لا يتمتع باي استقلالية، واستخدم سياسة تحديد سعر الصرف ووصل الآن إلى 72 جنيه والمشكلة ليست في المحافظ، ولكن المؤثر هو السياسة وحتى لو وضعنا 70 محافظا لن يحلوا المشكلة. مشيراً إلى أن الموازنة التي يتم تقييمها بالدولار ليست حقيقية، قاطعا بأن التدخل السياسي هو المشكلة في الاقتصاد وسياسات السوق المفتوحة وزيادة التضخم بطريقة مستمرة والتجار في غنى والمواطن يزداد فقرا.
ونوه حسين إلى أهمية مراجعة الآليات، فالبنك المركزي استخدمها كلها وسببت مشكلات، مشيراً إلى وجود أزمة تخزين للذهب وليس تهريب. مطالبا بإعادة ثقة البنوك التجارية للعملاء والشمول المصرفي.

جدوى الدفع الإلكتروني
الاقتصادي د.عثمان الأغا، تساءل هل موضوع الدفع الإلكتروني له جدوى أم قصة تقنية الكترونية رقمية فقط؟ ولماذا خروج الكتلة النقدية؟ ولماذا تسبب إنتاج البترول وفقده في كل ذلك الدمار وهو ليس المؤشر في الاقتصاد وتنمية الدولة؟ وهل يساهم موضوع الدفع الإلكتروني في عودة الأموال وهناك دول في وضع مشابه كالهند حيث كان هناك فساد مالي وإداري وتم اتخاذ قرارات صارمة؟ داعياً إلى إصدار قرار في السودان في الوقت القريب والعاجل لمعالجة المشكلة والأوضاع.
من جانبه لخص بروفيسور حسين أبوصالح المشكلة كلها في الإدارة وعدم الإرادة والفساد الموجود الآن وعدم محاربته وإيقافه، وقال إنه يجب علينا أن نستغل مواردنا وإعطاء الفرصة للخبرات والكفاءات.
بينما يرى رجل الأعمال مالك مدارس نور الإيمان صلاح شبو، أن الدولة التي لا تحترم التعليم والأساتذة لا تتقدم ولا تتطور أبدا وأن التعليم هو أساس كل شيء وعماد الدولة وبناء الكوادر المؤهلة في الداخل والخارج. مشيرا إلى أنه وبسبب فقد الجنيه السوداني لقيمته فقد الإنسان السوداني قيمته ومكانته في الخارج والمهجر وأصبحت النظرة له دونية جدا وفي السابق كان محل تقدير واحترام وهيبة من الدول والجاليات.
أبو صالح أشار إلى معاناة الأساتذة من أزمة السيولة في البنوك والصرافات الآلية لصرف المعلمين لمرتباتهم، حد انتظارهم لأسبوعين من المعاناة والانتظار أمام الصرافات مما انعكس على نفسياتهم وعدم رغبتهم في الاستمرار في مجال التدريس، وهذا مؤشر خطير جدا يواجه الدولة.

الخرطوم: علي آدم
صحيفة السوداني