أبرز العناوينتحقيقات وتقارير

بعد ان وصلت بابه.. كيف ستستجيب القوات المسلحة للاحتجاجات؟

مع وصول التظاهرات لبوابة القيادة العامة في السادس من ابريل، تتويجا لحراك استمر لاكثر من اربعة اشهر مع بروز دعوات متعددة من القوى العارضة للتدخل لصالح الحراك اسوة بما حدث في ابريل 1985م، يبرز تساؤل حول موقفه سيما ان دور الجيش في أية ثورة أو عملية تغير سياسي يمثل عاملا حاسما سواء بالانحياز للمحتجين او التزام جانب النظام وهو ما يثبت اركانه ويعجل بحسم الاوضاع واعادة الامور لنصابها.

الموقف العسكري
في نهاية يناير اعلنت القوات المسلحة السودانية التمسك والالتفاف حول قيادتها ممثلة في الرئيس عمر البشير لتفويت الفرصة على من وصفتهم بـ”المتربصين”، وقطعت بأنها لن تسلم البلاد الى “شذاذ الآفاق”.
وعقد وزير الدفاع عوض بن عوف ورئيس هيئة الأركان المشتركة كمال عبد المعروف لقاءا تنويريا مع الضباط برتبتي العميد والعقيد بأكاديمية نميري العسكرية العليا.
حيث أكد كمال عبد المعروف أن القوات المسلحة لن تسمح بسقوط الدولة السودانية أو انزلاقها نحو المجهول، مضيفا ” إن الذين يتصدرون المشهد في المظاهرات هي ذات الوجوه التي ظلت تعادي السودان وتشوه صورته امام العالم، وتؤلب عليه المنظمات وتوفر الدعم للحركات المتمردة التي ظلت تقاتل القوات المسلحة على مدى السنوات الماضية، ثم تأتي اليوم لتشكك في مواقفها الوطنية والإساءة إليها”.
وتوعد عبد المعروف من أسماهم ” الألسن والأصوات المشروخة والاقلام المأجورة ” التي أساءت للقوات المسلحة بالملاحقة القضائية جازما بأن القوات المسلحة “لن تسلم البلاد إلى شذاذ الآفاق من قيادات التمرد المندحرة ووكلاء المنظمات المشبوهة بالخارج”.
من جهته قال وزير الدفاع عوض بن عوف إن القوات المسلحة” تعي تماماً كل المخططات والسناريوهات التي تم إعدادها لاستغلال الظروف الاقتصادية الراهنة ضد أمن البلاد عبر ما يسمى بالانتفاضة المحمية وسعي البعض لاستفزاز القوات المسلحة وسوقها نحو سلوك غير منطقي ولا يليق بمكانتها وتاريخها”.
وأضاف” هذه الأزمة العارضة ميزت الخبيث من الطيب، وأظهرت معدن رجال القوات المسلحة، وأنهم لن يفرطوا في أمن البلد ولا في قيادتها”.
مثلت تلك التصريحات تغيرا في موقف قيادة الجيش لتؤكد بوضوح انحيازها ودعمها للرئيس البشير، وهو ما ممثل تغيرا عما حدث من قبل بعد اندلاع الاحتجاجات في عطبرة باربعة ايام حينما اصدرت القوات المسلحة تصريحا مقتضبا في اعقاب الاجتماع الدوري لقادة القوات المسلحة الذي أنعقد بوزارة الدفاع لم يتجاوز الـ90 كلمة مفاده تاكيدها:”التفافها حول قيادتها وحرصها على مكتسبات الشعب، وأمن وسلامة المواطن، دمه وعرضه وماله”، كما أكدت عملها ضمن منظومة أمنية واحدة ومتجانسة مع القوات الاخرى.

وتعالت دعوات من قوى معارضة وواجهات مدنية مع بدء احتجاجات شعبية ضد البشير تحث الجيش السوداني على الانحياز لخيار الشعب الراغب في الإطاحة بالنظام الحاكم، وفي الاول من يناير ظهرت تحول ما كان سرا الى مطلب علني بدعو صريحة لتدخل الجيش لصالح الاحتجاجات عبر مذكرة (الجبهة الوطنية للتغيير) التي ثمنت خروج القوات المسلحة لحماية المنشأت العامة وطالبت بأن يمتد موقفها ليشمل (تأمين التظاهرات السلمية المشروعة ممن لا يتورعون في إراقة الدماء وقتل الأبرياء)، ورغم أن رئيس حزب الامة مبارك الفاضل كان مباشراً خلال حديثه في المؤتمر الصحفي بدعوته القوات المسلحة للإنحياز للشعب والإستجابة لمطالبه وتحقيق التحول السلمي.

الحزب الحاكم رد سريعا على هذه المواقف واعلن في مؤتمر صحفي في اليوم التالي عبر رئيس القطاع السياسي عبد الرحمن الخضر رفضهم لهذه المطالب مشيرا الى ان الدعوة لاستعداء القوات المسلحة على الحوار والدستور ودعوتها للانقلاب بصورة واضحة وهو أمر مرفرض.
في الثامن من يناير قال الرئيس عمر البشير انه لا يمانع في تسليم السلطة للجيش، مضيفا في فعالية عسكرية للرماية بولاية نهر النيل :”ان بعض الخونة والمندسين سعوا لتخريب البلاد بدلا من بنائها مشيرا الى انهم طالبوا باستلام الجيش للسلطة”.واشار البشير الى انه لا يمانع في ذلك لان “الجيش لا يتحرك من فراغ او لدعم العملاء انما يتحرك دعما للوطن وعندها “كل فأر سيدخل جحره”.

اشارات البشير كانت تحمل تحذيرات للفرقاء السياسين –بمن فيهم الاسلاميين- بتدخل الجيش وحسم اي مظهر من مظاهر الفوضى عبر سيطرة العسكريين.
في اليوم التالي ظهر القيادي بالوطني علي عثمان في برنامج (حال البلد) على فضائية سودانية 24 وهاجم الداعين لتدخل الجيش في السلطة ووصفهم بأنهم (عاجزين) و(مفلسين) فكرياً، وقال :”إن مهمة الجيش هي تأمين الحدود والدستور مؤكدا أن الجيش أوعى بكثير من التورط في الصراع السياسي”.
الخبير العسكري اللواء يونس محمود يرى ان رهان الواجهات اليسارية على انحياز القوات المسلحة للاحتجاجات خاسر لانه مبني على حيثيات غير واقعية تتصل بحيثيات التدخل على ارض الواقع وضرورة تدخل الجيش لصالح طرف لحسم الصراع.

ويقول محمود ان الشيوعيين كشفوا عن وجههم قبل ان تتسع الاحتجاجات وقطعوا الطريق على تدخل الجيش او انحياز قطاعات اوسع من المجتمع بعد تصريحاتهم ومواقفهم المعادية من خلال واجههتهم (تجمع المهنيين) التي لم تجد دعم سوى من قوى يسارية وتحول الباقين لمجرد يتامى، ويزيد:”حاليا اتجهوا عبر السويشال ميديا لاستعداء الجيش بعد ان خاب املهم”.

في العشرين من يناير –موكب ام درمان الثاني- تم احاطة السلاح الطبي باسلاك شائكة مما جعل البعض يعتبر ان الامر بمثابة حاجز بين الجيش والحراك.
تحرك الجيش

تحرك الجيش يمثل عاملا حاسما في ما يلي موضوع الاحتجاجات سواء بالانحياز للنظام القائم كما حدث في سوريا والبحرين او انحيازه للحراك الشعبي حسب تجارب السودان، وبين هذا وهذاك ثمة عوامل بعينها تحدد ساعة الصفر وتدفع الجيش للتحرك والانحياز لطرف معينه وترجيح كفته.

الخبير الدولي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة تكساس زولتان باراني في كتابه “كيف تستجيب الجيوش للثورات؟” بنى نظريته في تحليل موقف الجيوش من الثورات على أربع مجموعات من العوامل، ويرى أن الجيش يعتمد عليها بشكل كبير في تحديد قراره، وهي عوامل عسكرية تختص بطبيعة مؤسسة الجيش وتكوينه وتجانس أفراده ومذاهبهم، ويليه عوامل الدولة المختصة برؤية الجنرالات لشرعية النظام، والعلاقات المدنية العسكرية وموقف الجيش من الدولة، ثم يأتي دور المجتمع وعلاقته بالجيش ورؤيته له، ثم أخيرًا الموقف الخارجي واحتمالات التدخل الدولي وتقدير الجيش لتلك العوامل هو الجزء الحاسم لأية ثورة، فعليها يبني الجنرالات اختيارهم وقرارهم، إما داعمًا للثورة، وإما قامعًا لها.

ويقول اللواء يونس محمود ان الجيش لن يتحرك لمجرد حرق اطارات ومظاهرات محدودوة توجد في اي مكان مثل فرنسا وتونس وتركيا، مضيفا:”شروط تدخل الجيش تتعلق بانهيار تام للنظام وتعطل دولاب العمل واراقة واسعة للدماء ومواجهات كبيرة تعجز السلطات الامنية على السيطرة عليها بجانب نذر تدخل خارجي يهدد سيادة الدولة”، ويتابع:” من ينتظرون تدخل الجيش سينتظرون طويلا فالجيش يعي تماما الظروف التي تستدعي تدخله وهي لم تاتي ولا يوجد مؤشرات على انها قريبة”.

الخبير الاستراتيجي اللواء د. محمد عباس الامين يرى انه من الصعوبة بمكان التكهن بموقف القوات المسلحة التي مصممة في الاساس لحماية الدولة،
لافتا الى ان القوات المسلحة السودانية تختلف عن الجيش السوري الذي يغلب عليه التكوين العقائدي، ويقول:” الحديث عن تحرك الجيش في اطار الاسلاميين غير دقيق والوضع في السودان مختلف عن سوريا”.

موقف المؤسسة العسكرية من الاحتجاجات رهين باوضاع العسكريين والمزايا النسبية التي يحصلون عليها من سكن وسيارات ومستلزمات الحياة لتفادي غلاء المعيشة فضلا عن قدرتهم على الحصول على المعلومات والتفاعل الحي مع المجتمع لا سيما عبر القنوات العالمية وشبكات التواصل الاجتماعي، ونظرتهم للنظام القائم وقراءتهم لمستقبل الاوضاع الحالية وتطورها ومدى قدرة المؤسسات الامنية على السيطرة باقل قدر من العنف، النقطة المهمة انه في حال تصدع المؤسسة العسكرية وانقسامها بشان الاحتجاجات فان السيناريو السوري سيكون راجحا خاصة خاصة في حال عسكرة الصراع وانتهاء سلمية الاحتجاجات.

مسارات التحرك
في حال تدخل الجيش واستلام السلطة ثمة سيناريوهين اولهما يتعلق بتسليم السلطة للشعب كما فعل وزير الدفاع الاسبق المشير عبد الرحمن سوار الذهب في ابريل 1985وذلك بعد الإشراف على الانتخابات الديمقراطية، او سيناريو ثاني يتعلق بانفرادهم بالسلطة خالصة لهم دون الاخرين كما فعل وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي في يونيو 2013 وفوزه بالانتخابات الرئاسية اللاحقة.
الصحفي والمحلل السياسي عارف الصاوي يبدي عدم ارتياحه من دعوات لتدخل الجيش لدعم الاحتجاجات لاعتبارات تتعلق بان تدخل الجيش قد يلحق ضرارا بالاحتجاجات لاسيما وان تصدى للمشهد جنرال على طريقة السيسي.
ويتابع الصاوي حديثه ويقول ان الواقع العملي يشير الى ان القوات المسلحة باتت محكومة بقانون وهيكلة جديدة تجعلها مقيدة بسلطات القائد الاعلى (البشير) فيما توزعت سلطات رئيس الاركان بين وزير الدفاع والمفتش العام وقادة الاركان وقائد الدعم السريع وهم شخصيات تدين بالؤلاء للبشير، ويخلص الصاوي الى ان ضباط الجيش ليس لديهم سلطة او قدرة للخروج على الهيكل القيادي واي يتحرك سيكون محدود ولن ينجح في السيطرة الكاملة على الدولة وسيجد الرفض الاقليمي والدولي.

غير ان مجلة (ديلي بيست) الامريكية نشرت في التاسع من يناير الماضي تقريرا عن تواصل المبعوث الامريكي الاسبق بريستون ليمان في أوائل العام 2012 مع قيادات عسكرية خططت لتنفيذ انقلاب في الخرطوم وسعت للتعرف على موقف امريكا من هذا التحرك سيما وأن هذا الاعتراف غير قانوني بموجب قانون الولايات المتحدة، الا ان ليمان في حديثه للمجلة قبل أيام من وفاته في أغسطس من العام الماضي قال:” ينبغي على الولايات المتحدة التعامل مع أي شخص يسعى للإصلاح في السودان، خاصة إذا كان التغيير يأتي مع الحد الأدنى من الفوضى والمجازر”، ليمان تحدث الى المجموعة المخططة للانقلاب بشأن كيفية القيادة الجديدة، لافتا الى أن موقفه دبلوماسي لا يؤيد الانقلاب صراحة، لكنه سيتبنى التغيير إذا جاء، حقيقة لقاء ليمان بالمشاركين في انقلاب تعتبر بالفعل مؤشر على العلاقة الأمريكية الودية مع شخصيات عسكرية وسياسية سودانية رفيعة المستوى.
الخبير الاستراتيجي اللواء د. محمد عباس الامين يشير الى ان صعوبة التنبؤ بمالات الاوضاع يمتد لتصل الى مستوى قيادة التحرك نفسه سواء من خلال قياداته او من خلال الرتب الوسيطة مستدلا بتجارب الجيش المتنوعة في هذا المجال خلال تاريخ السودان.
في فهمه لطبيعة الانقلابات العسكريّة التي حدثت في تاريخ السودان الحديث وقادة تلك الانقلابات يطرح البروفيسور حسن الحاج على، أستاذ النظم السياسيّة المقارنة بجامعة الخرطوم، تصنيف يقَسّم العسكريين، الذين يديرون شؤون البلاد بعد نجاحهم في تحقيق انقلابات أو تمرد على السلطة القائمة إلى ثلاثة أنواع: ضباط البرامج (Moderators)، والضباط المحافظون (Guardians)، والضباط الحكام (Rulers).
يطبق البروفيسور حسن الحاج هذا التصنيف العسكريّ – السياسيّ على قادة الانقلابات العسكريّة في تاريخ السودان الحديث ويقول في دراسة منشورة ان ضباط البرامج فهم، ضباط مُحافظون لا يرغبون عادةً في التدخل لاستلام السلطة وإذا تدخلوا فإنّهم يفعلون ذلك بهدف تغيير نظام ديمقراطيّ مدنيّ، بنظام ديمقراطيّ بديل، وهم في ذات الوقت لا يبتعدون عن السياسة فهم يفضلون البقاء كقوة ضغط سياسية مؤثرة في الواقع السياسيّ كما حدث في انتفاضة 1985حيث قاموا بإدارة الفترة الانتقالية التي استمرت عاماً واحداً ثم قاموا بتسليم كامل السلطة للحكومة الديمقراطيّة المنتخبة (سوار الذهب).
أما الضباط المُحافظون فهم الضباط الذين يستلمون السلطة لمنع تغييرات سياسية ويسعون للمحافظة على الوضع السياسي القائم، وفي أثناء ذلك يركزون على التنمية الاقتصادية كما حدث في نوفمبر 1958 (عبود).
في المرتبة الثالثة، يأتي الضباط الحكام وهم العسكريون المتطلعون إلى السلطة والذين يريدون البقاء فيها والقيام بتغييرات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة مثل مايو 1969 (نميري) ويونيو 1989 (البشير).

تقرير: محمد عبد العزيز

‫4 تعليقات

  1. الجيش سوف يكون حاميا للمارسة الديمقراطية فمن يؤمن بالديمقراطية عليه ان ينتظر صندوق الاقتراع…اما المحاولات الياسة التى تلجأ اليها فلول اليسار للضغط على الجيش ومحاولة اقناع جنرالاته عبر اقامة الصلاة امام القيادة العامة وغيرها لن تجدى نفعا.

  2. (الصندوق) بس.
    اذا لم يكن الصندوق.
    ننتظركم في إحياء ذكري أكتوبر التجمع يكون في جامعة الخرطوم.
    وبعدها حتي نصل لذكرى شهداء كرري.

  3. ادريس حماية اي نوع من الديمقراطية ديمقراطية البشير التي تضمن فوزه و تعديل الدستور ليستمر بالحكم دورات ودورات ولربما بعد ان يموت البشير سيترشح و سيفوز وهو بعاتي ليستمر في حكمنا من الدار الآخره

  4. الوضع تجاوز الحديث عن انتخابات وصناديق والسودان أصبح على شفا الانهيار يا معارضة ويا جيش ويا حكومة.. أوقفوا الانسداد السياسي وتحادثوا مباشرة واتفقوا على شيء مهما كان وإلا فلن تحصلوا على وطن تتصارعون فيه.
    الآن بدأ النهب والسلب في أطراف العاصمة وكلكم سبب في هذا.