الإسلاميون والبشير .. خلف القشرة الهشّة
هل يؤمن “الإسلاميون الديمقراطيون” حقا بالديمقراطية؟ سؤال يتجدّد بمحطاتٍ عدة، آخرها أحداث السودان، حيث انقسم موقفهم بشكل عام إلى فريقين: أحدهما يرحب بسقوطه بوصفه عسكرياً مع تجاهل تام لمكوّنه الإسلامي الرئيسي، وعدم طرح أي مراجعة، أما الآخر فأعلن تأييده وتباكى على سقوطه. من أبرز المواقف ما قاله الشيخ الموريتاني محمد حسن الددو، إن البشير “رجل صالح” و”يصوم الاثنين والخميس” و “ليس بالمستبد أو القاهر”، أما أي “قصور أو تقصير” فمسؤوليته على الحصار الدولي. ولا يغيب هنا أن الشيخ الددو نفسه الذي كان فترة طويلة نائباً للشيخ يوسف القرضاوي، في رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، سبق له مرارا التنظير في كتاباته لملاءمة الديمقراطية للإسلام.
أما في مصر، فقد ألهب الشيخ عاصم عبد الماجد حماسة متابعيه، بقوله إن عمر البشير حين جاءوا لعزله وجدوه يصلي الفجر، مؤكّداً أن عزله مؤامرة غربية إماراتية مصرية، هدفها اجتثاث الإسلاميين من السودان. يقول هذا من كان عضوا في مجلس شورى الجماعة الإسلامية المصرية التي يفترض أنها قدّمت مراجعات فكرية، وأسّست حزباً شارك في الانتخابات، ولاحقاً أصبح جزءاً من تحالف “دعم الشرعية” الداعم لعودة الرئيس المعزول، محمد مرسي، بل إن عبد الماجد يظهر في مقاطع فيديو على منصة ميدان رابعة، وخلفه وضع بالإنكليزية شعار دعم الديمقراطية Prodemocracy.
وعلى الصعيد الرسمي، اتخذت جماعة الإخوان المسلمين المصرية موقفا باهتاً، فظهر بيانها بعد سقوط البشير بيومين حاملاً ركاكة الموقف واللغة، فلم يذكر اسم عمر البشير بكلمة واحدة، واكتفي بالقول إن الجماعة تدعم خيارات الشعب السوداني، وتدعو إلى حوار وطني بين “جميع القوى الوطنية والإسلامية”!
ما خلف هذه الظواهر أعمق من مجرد محاولة التماس العذر، أو الحنين للمزايا الحصرية لوجود أحد الإخوة على رأس السلطة. خلف القشرة الهشة للقبول بالديمقراطية يظهر الجوهر لدى القطاع الأوسع من الإسلاميين، وهو أنها مجرّد وسيلة إجرائية للوصول إلى الغاية الممثلة بتطبيق الشريعة الإسلامية، هذا التطبيق الذي أيضا تمت إحاطته بركام هائل من الشعارات والتضليل والتأجيل، لإخفاء الجوهر، وهو تطبيق الحدود الجنائية قطعاً وجلداً ورجماً، وتطبيق الحسبة الأخلاقية ضد الحريات الشخصية من عقيدة وملابس وأفعال.
وحيث إن البشير فعل ذلك بالفعل، وشهدت السودان في عهده أحكاماً بالجلد على فتياتٍ بسبب ملابسهن، والإعدام بحد الردة… إلخ، فإن كل ما سوى ذلك مغفور في ديمقراطيتنا الخاصة التي لا تتجاوز “الصندوقراطية”، حيث الصناديق هي أداة “التغلّب” الحديثة لا أكثر، بينما يتم تفريغ الديمقراطية من أي محتوى ليبرالي، أو أي محتوى أصلاً، فالبشير جاء بانقلاب عسكري، لا شبهة للصناديق فيه. ولهذا يدعمه الشيخ الددو، ذو الموقف التقدمي المفترض من الديمقراطية، ففي التفاصيل، نجد أنه كان يتحدث عن “الديمقراطية بخصوصيتها المحلية”، وأن علينا أن نستورد الديمقراطية من الغرب “إذا كانت لصالحنا ونصحح ما فيها من أخطاء”. وللمفارقة فإن هذا التصريح قاله الشيخ في السودان نفسها عام 2006 في مؤتمر افتتحه عمر البشير الذي كان وقتها مطلوباً للجنائية الدولية، بسبب قتل مليشياته مئات الآلاف واغتصاب آلاف النساء في إقليم دارفور، وهي الجرائم الموثقة في تقارير الأمم المتحدة و”هيومان رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، وكل الجهات التي يحتفلون بتقاريرها، حين تكون ضد الخصوم، مثل عبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر، ثم يتجاهلونها، أو يطعنون بأنها مؤامرة غربية، حين تكون ضد الأصدقاء مثل أردوغان والبشير.
على الجانب الآخر، من الحق القول إن الظاهرة تتجاوز الإسلاميين إلى قطاع واسع من النخب العربية في الحكم أو المعارضة، فنظرية “الديمقراطية المؤجلة” أو “الديمقراطية ذات الخصوصية” اعتنقها قولاً أو فعلاً أغلب الحكام العرب ومؤيديهم من قوى يفترض بها التقدّمية، كما أن البشير لم يحظ سابقاً بدعم الإسلاميين فقط ضد “الجنائية الدولية”، بل تقاطرت على الخرطوم وفود التضامن من قوى قومية ويسارية. ولعل الأمل في جيل جديد عاش بنفسه اختباراً عملياً لنتاج كل عقود الزيف، قد يصل يوماً إلى اجتهادات مختلفة ومصائر مختلفة.
العربي الجديد
الإسلاميون في السودان يقف 90% منهم مع التغيير الديمقراطي ويقبلون بالبديل المعتدل أيا كان.
إنتهى