السودان.. هل بدأت الثورة المضادة تطل برأسها؟
مع التطورات المتسارعة في السودان ومطالبة قوى الثورة المجلس العسكري الانتقالي بالانتقال الديمقراطي وتسليم السلطة لمجلس مدني، تسارع وفود من السعودية والإمارات ومصر نحو الخرطوم لمد جسور التعاون والدعم مع الحكام العسكريين الجدد، في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات.
آخر الواصلين إلى العاصمة السودانية وفد مصري رفيع المستوى يقوده رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، سبقه اتصال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برئيس المجلس الانتقالي الفريق الركن عبد الفتاح برهان، أكد خلاله الأول دعم مصر الكامل لأمن السودان واستقراره ومساندتها لإرادة الشعب وخياراته في صياغة مستقبل بلاده والحفاظ على مؤسسات الدولة، معلنا اعتزامه زيارة السودان خلال الأيام المقبلة.
قبل ذلك التقى البرهان وفدا سعوديا إماراتيا مشتركا رفيع المستوى، حيث أعرب الوفدان عن استعدادهما لدعم السودان ومساندته.
وبادلهما المجلس العسكري ودا بود وأشاد بالعلاقات المتميزة والروابط الأزلية التي تربط بين السودان وشعوب هذه الدول.
لكن التشكيلة المبهمة للوفد وعدم بث صور للقاءات أثارت استغراب الكثيرين، وما كان مثارا للاستغراب أكثر أن الوفد الإماراتي السعودي قابل المسؤولين في السودان بصورة مشتركة، وهو أمر فسره الكاتب الصحفي السوداني عبد الملك النعيم بأنه يعني أن “الأجندة التي جاء بها الوفدان هي أجندة مشتركة للدولتين”.
ويرى النعيم في حديثه للجزيرة أن تزامن هذا الاستقبال مع الاتصالات بين الرئيس المصري ورئيس المجلس العسكري، تدل على وجود إرادة بإظهار موقف سوداني جديد ينسجمُ مع مصالح هذه الدول.
معلوم أن السعودية والإمارات كانتا من أوائل الدول التي اعترفت بالمجلس العسكري السوداني، وقامتا بإرسال شحنات من المواد النفطية والدقيق والأدوية، دعما للسودان.
ويعاني السودان من وضع اقتصادي منهار وندرة في الخبز والوقود وحتى النقود، وهو ما فجر الثورة الحالية، ومع ذلك فقد قوبل الدعم الإماراتي السعودي المصري بحساسية في الشارع السوداني، ويفسره هشام موسى بأنه “محاولة من الإمارات لإيجاد ثغرة للتدخل في شؤون السودان”.
سرقة الثورة
وكتب الصحفي محمد مصطفى “أن المعلومة إن صحت فهي تؤكد ما رشح عن سرقة الثورة بتدخلات سعودية وإماراتية في تشكيل المجلس العسكري، وبداية صناعة سيسي جديد، مما يستوجب تدخلا عاجلا من الثوار وقوى الحرية والتغيير وتسريع تسليم السلطة لحكومة مدنية”.
وغرد تاج السر عثمان “على مدى سنوات والسودان يعاني من أزمات الوقود والخبز وتدهور العملة، ولم يلتفت إليه أحد، وعندما انتفض الشعب لنيل حقوقه والعيش بكرامة أتت الوفود لتحول بينه وبين أهدافه”.
ولذلك لم يجد بعض ناشطي الحراك حرجا من مطالبة هذه الدول بأن “ترفع يدها عن مسار التغيير في السودان”، وبحسب الناشط السياسي السوداني عبد الكريم عيسى فإن السعودية والإمارات ومصر متخوفة من تحول ديمقراطي حقيقي في السودان، أو تصدير التجربة الديمقراطية إلى هذه الدول التي وصفها بمحور الشر.
وإلى جانب التحذيرات من عدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم سرقة الثورة، يطالب ناشطو الحراك بإقامة علاقات خارجية تقوم على التعاون والمصالح المشتركة، “خلافا لما كان سائدا خلال النظام السابق الذي اعتمد في علاقاته الخارجية المشوهة على التموضع بحسب الفرص بصورة تكتيكية سريعة، دون أن يكون هناك نظرة إستراتيجية بعيدة المدى في العلاقات الدولية”، بحسب الصحفي السوداني عثمان ميرغني في حديثه للتلفزيون العربي.
ويشير إلى أن السودان نجح خلال عهد الرئيس الأسبق إبراهيم عبود (1958-1964) في إقامة علاقات متوازنة تقوم على المصالح المشتركة، في وقت كان فيه الصراع على أشده أيام الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي.
ويرى عبد الفتاح ماضي منسق مشروع التحول الديمقراطي في المركز العربي، أن المنطقة فيها ثورات وثورات مضادة تضم مصر والسعودية والإمارات وروسيا ودعم أوروبي وأميركي غير مباشر تحت مسميات الاستقرار والأمن، بدلا من انتظار نتائج انتخابات نزيهة وحرة غير مضمونة.
وبالتالي “لا يمكن تصور أن أي تحرك من هذه الدول سيكون في مصلحة الحراك، وفي المقابل فإن معسكر الثورة ضعيف ليس هناك دول تدعمه، والدول الغربية تخلت عن مسألة الديمقراطية في العالم العربي منذ فترة طويلة”، كما يقول ماضي في حديثه للتلفزيون العربي.
صراع مبكر
وباعتقاد ماضي فقد بدأ الصراع من الخارج مبكرا على السودان، لاستباق الثورة ومحاولة وقف وصول حكومة وطنية منتخبة قد تغير الكثير من المعادلات في المنطقة.
هذا التبكير له ما يبرره من وجهة نظر الصحفي السوداني شوقي عبد العظيم، حيث تسعى الدول الثلاث إلى إبقاء التعاون العسكري في اليمن، واحتواء المجلس العسكري وقطع الطريق أمام قوى الثورة من الدخول إليه، لأن هذا إن حدث فسيؤدي إلى تحولات كبيرة، في مقدمتها ترتيب السودان علاقاته الدولية بشكل جديد، وربما ينسحب هذا على وجود الجنود في اليمن وعلى العلاقات مع السعودية والإمارات ومصر.
ولهذا فالتعويل الأساسي هو على قوة الشعوب وعلى استمرار التعبئة الشعبية في السودان من أجل وصول حكومة حتى لو مؤقتة، تكون بالشراكة بين القوى المدنية والمجلس العسكري، ولا ينفرد العسكريون بمفردهم بإدارة المرحلة، وفق عبد الفتاح ماضي.
محمد طه البشير
الاناضول