من قوانين الحياة فى القرآن الكريم (العمل الصالح = الحياة الطيبة)
ليست السعادة فى إيجاد الثروات الضخمة فقط كما يقول الماديون ، ولكنها أيضا ليست فى الفقر وانعدام المال كما ترى بعض المدارس الصوفية المتطرفة ، وليست السعادة فى وجود الأولاد ، ذكورا وإناثا ، ولكنها أيضا ليست فى العقم ، وغيابهم من الحياة ، ليست السعادة فى العيش فى الوطن مع الأهل ، ولكنها أيضا ليست فى الغربة بعيدا عن الأهل ، وليست السعادة فى الزواج الناجح فقط ، ولكنها أيضا ليست فى العزوبة ، وليست السعادة فى الخروج والسياحة والزيارات المستمرة إلى العالم ، ولكنها أيضا ليست فى عدم الحركة ، وعدم الخروج من البلد .
ليست السعادة فى العلم الوفير فقط ، ولكنها أيضا ليست فى الجهل وعدم المعرفة ، وليست السعادة فى توسيع العقل ومدارك الفهم ، وليست السعادة فى تحجير العقل ، وتضييقه ، ولكن السؤال ، ما السعادة قرآنيا ؟ وأين هي ؟
استخدم القرآن كعادته مصطلحا خاصا به للسعادة ( الحياة الطيبة ) ، والحياة الطيبة لها بعدان ، بعد مادي ، وآخر معنوي ، فلا تكتمل السعادة إلا بهما ، ولهذا كان استخدام القرآن لكلمة الحياة الطيبة عميقا وموضوعيا ، من حصلت له البعد المادي فقط فقد وجد قسما أساسيا من السعادة ، ولكنه فقد جزءا أساسيا منها ، والعكس صحيح .
الحياة ليست مادة فقط ، ولكنها أيضا ليست روحا فقط ، فالحياة لها جناحان ، جناح روحي ، وجناح مادي ، وحين يجتمع الجناحان عند الإنسان يطير بهما نحو أهدافه ، ومن هنا فهو يجد السعادة ( الحياة الطيبة ) فالحياة الطيبة تفيدبأن السعادة ليست فى جانب واحد من جوانب الحياة .
ما هي أركان الحياة الطيبة ؟ الجواب فى قوله تعالى ؛ ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ، فى هذه الآية الكريمة ، ولها أشباه فى كتاب الله ، تتحدث عن أركان السعادة والتى تتمثل فى = العمل الصالح + الإيمان + تحقيق الإنسانية فى الذات ، والغريب أن أغلب الناس لا يلتفتون إلى معنى قوله تعالى ( من عمل صالحا ) ، هنا نجد قضيتين ، الأولى تتمثل فى العمل المستمر ، فلا سعادة لمن لا عمل له ، هناك عمل فكري يقوم به الفلاسفة والمفكرون ، وعمل جسدي يقوم به أغلب البشر ، فلا بد للإنسان من أحدهما ، أو منهما معا ، فلا بطالة فى الإسلام ، وكذلك فى الحياة ، وبالتالى فلا سعادة مع البطالة الفكرية والعملية ، والقضية الثانية تتمثل فى قوله تعالى ( صالحا ) أي أن يكون العمل صالحا ، والعجيب هنا أن تكون المفردة نكرة ، وليست معرفة ، وهذا يفيد المعنى الشمولي فى العمل الصالح ، لأن النكرة تفيد العموم ، فالصلاح ليس فقط بابا من أبواب الدين والشعائر ، كما أنه ليس فقط بابا من أبواب الدنيا ، العمل الصالح هو العمل المطلوب ، والمرغوب نصا، أو اجتهادا ، ولكن بشرط الإخلاص ، ذلك لأن أبواب الجنة كثيرة .
حين يكون العمل الصالح بدون إيمان يؤدى إلى نجاح فقط ، ولا يؤدى إلى الحياة الطيبة ، فلا بد من طاقة روحية داخلية وراء العمل ، ومن خلال هذه الطاقة الروحية يتوازن الإنسان المسلم ، فيبقى فى الوسط ( ربنا آتنا فى الدنيا حسنك ، وفى الآخرة حسنة ) ، ومن هنا يستمد الإنسان من هذه الطاقة الروحية ، ومن العمل الصالح قوة تمنحه ( الحياة الطيبة ) ،فالفقير المسلم حين يصبر ، ويعمل فى الخروج من مقتضيات الفقر إلى باحة الغنى يستشعر بالسعادة ، والجاهل حين يتعلم ، ويخطط الخروج من قفص الجهالة إلى عالم المعرفة يستشعر من الداخل بالسعادة ، والذين يعيشون تحت العبودية الإضطرارية أو المختارة ، ويخططون للخروج منها إلى عالم الحرية يستشعرون بالسعادة ، وهكذا يضع القرآن هذا القانون فى الحياة ، فلا حياة بدون مشروع يتحول إلى عمل ، ولا حياة طيبة بدون عمل صالح ، ولا سعادة مع عمل صالح يفقد الإيمان ، والقوة الروحية.
إن القرآن الكريم يضع خطته للإنسان ، ذكرا كان أو أنثى ، وهذا معنى آخر من معانى الشمولية فى الإسلام ، فالعمل الصالح مطلوب من الأنثى كما هو مطلوب من الذكر ، وليس الرجل وصيا على المرأة ، فهي تذهب إلى ربها وحدها ، وتقرر مصيرها كما تشاء كما يقرر الرحل مصيره .
هذا هو القانون الرابع فى القرآن الكريم من خلال تأملاتنا مع كتاب الله الذى لا يتوقف عن العطاء حتى قيام الساعة ( ولتعلم نبأه بعد حين ).
عبد الرحمن بشير
ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان
هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة