ملفات اقتصادية سودانية ملحّة بعد التوافق السياسي
حمل الاتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي في السودان وقوى الحرية والتغيير، آمالاً عريضة للمواطن السوداني، بالوصول إلى حلول مستدامة لأزمات الاقتصاد وتحسين معيشة الناس.
في حين رأى اقتصاديون أن التوافق السياسي خطوة تعطي فرصة للتفكير في ملفات كثيرة، أهمها الملف الاقتصادي، وطالبوا بالإسراع في تلبية متطلبات المواطن ووضع سياسات نقدية ومالية أساسها التوازن والعدالة وحصر المشكلات التي تطاول السودانيين.
وعاش السودان أزمة اقتصادية مستفحلة، تدهورت فيها قيمة العملة الوطنية وسيطر السوق الموازي على النشاط الاقتصادي، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وخلل واضح في الخدمات من وقود وخبز وسيولة.
وطالب الاقتصادي عز الدين التوم، في حديثه لـ”العربي الجديد”، المتحاورين، بالاستعجال في تكوين حكومة انتقالية لتسرع في مهامها، بعدما شهدت البلاد اضطراباً سياسياً أدى إلى نفق مظلم قد يصعب الخروج منه إذا تأخر الطرفان في تطبيق اتفاقهما.
وقال إن الخلافات السياسية انعكست في عدم استقرار اقتصادي وتفاقم أزمات معيشية، مبيناً أن غياب الحكومة أعاق الكثير من المشروعات التنموية، من بينها الخط الكهربائي بين مصر والسودان، وتوصيل المواد البترولية من المحطات الخارجية، فضلاً عن جعل المانحين في الخارج يترددون في التعامل مع وضع غير مستقر في السودان.
وأكد التوم أن الفرصة حالياً متاحة لتحسين العلاقات الخارجية والبحث مع المانحين لتمويل احتياجات الحكومة في أوضاعها الاقتصادية السيئة، مشيرا إلى وجود أزمة حقيقية تتمثل في بلد يستهلك أكثر مما ينتج ويدعم ويساند الاستهلاك والاستيراد. وقال: “نريد تغييراً حقيقياً في وضع خطط تخرج السودان من واقع البلد المستهلك إلى المنتج”.
واعتبر أن أوضاع السودان الاقتصادية الهشة لا تحتمل مواقف “راديكالية” تجاه الدعم الخارجي، داعياً إلى ضرورة التنسيق مع القوى الغربية لإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وفتح ملف ديون السودان الخارجية.
إلا أن الخبير الاقتصادي عمر الزين أكد، لـ “العربي الجديد”، أنه إذا استمر توافق الطرفين من دون عراقيل، فإن المرحلة تتطلب استفادة قصوى من هذا التوافق اقتصادياً. وأشار إلى أن الخطوة المقبلة والمهمة تتمثل في تشكيل حكومة كفاءات بأسرع وقت لا يتجاوز مطلع الأسبوع المقبل، حتى تتمكن الحكومة الجديدة من دراسة الوضع الاقتصادي ورسم السياسات الجديدة المالية والنقدية، بما يتوافق مع متطلبات المرحلة، ودراسة موازنة عام 2019.
وتوقّع حدوث تعديلات في الموازنة وإعادة النظر فيها، نتيجة لما حدث من تغيرات كبيرة في هيكل وأنظمة الدولة. وأوضح أن الحكومة الجديدة تستطيع أن ترسم سياسات في المدى القصير تحقق استقراراً في سعر الصرف وخفض معدلات التضخم وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، مشيرا إلى أن السياسات على المدى الطويل يجب أن تركز على زيادة الإنتاج والصادرات وخفض العجز في الميزان التجاري.
بدوره، حذّر الأمين العام لغرفة المستوردين، الصادق جلال، من عودة المضاربات في العملات في السوق الموازية، وقال إن ما يحدث في أسواق الدولار يعد هزيمة لكل السياسات التي اتخذت من قبل. وناشد الحكومة المرتقبة إيجاد حلول نهائية لهذه المشكلة.
ولفت جلال إلى ضرورة تدارك الأزمات الاقتصادية والمعيشية، وإلا ستكون آثارها هزيمة لما يحدث الآن من تحوّل سياسي في البلاد. وأوضح أن الثورة أفلحت بعد نجاحها في اقتلاع رأس النظام السابق، في تعميم حالة من التفاؤل بمستقبل اقتصادي يسهم في انخفاض أسعار الدولار إلى حدود معقولة.
واعتبر جلال، في تصريحات صحافية، أن ارتفاع أسعار الدولار في مثل هذه الظروف خيانة للثورة، واصفاً ما يحدث من مضاربات وارتفاع في الطلب على الدولار بأنه غير مبرر. وقال إن “هناك شكوكا في وجود جهات تحاول إجهاض الثورة عن طريق الاقتصاد، لاسيما وأن ارتفاع أسعار الدولار سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع ويؤثر على المستوى المعيشي للمواطن ويعمل على هزيمة كل شيء”.
وتابع أنه من غير المعقول أن تستمر هذه المعاناة بعد نجاح الثورة، ورجح جلال أن يكون سبب ارتفاع الأسعار هو ما قام به المجلس العسكري من فك لتجميد حسابات بعض المؤسسات وتدخّله للشراء من السوق.
وأضاف أن لا أحد يعلم ماذا يحدث في سوق العملات، معتبراَ أن هذا الوقع في الأسواق الموازية غير مقبول في ظل الثورة، ونبه إلى مزاولة نفس الأشخاص والمؤسسات السابقة في ظل النظام السابق، عملها في السوق الموازية اليوم.
ودعا إلى التوافق على حكومة انتقالية لتبني مؤسسات وطنية تمتلك إرادة حرة وتعمل على تحقيق أهداف وغايات الثورة وكف الأيادي الفاسدة عن العبث بمقدرات الوطن وموارده ومستقبله.
العربي الجديد