منوعات

البرازيل: صور فضائية تظهر مدى الدمار الذي يسببه التعدين لغابات الأمازون

بلغ حد الدمار الذي يسببه التعدين غير المشروع في غابات الأمازون في البرازيل من الكبر بحيث يمكن رؤيته من الفضاء الخارجي.

 

وكشفت صور التقطتها الأقمار الإصطناعية حصلت عليها بي بي سي البرازيلية أواخر تموز / يوليو زيادة مقلقة في نشاطات التعدين السرية وغير المشروعة في المناطق العائدة لشعوب البرازيل الأصلية في الجزء البرازيلي من غابات الأمازون التي تمتد لتشمل سبع دول أخرى في أمريكا الجنوبية.

 

ويرى زعماء الشعوب الأصلية وناشطو البيئة أن تمدد نشاطات التعدين في مناطق متعددة من ولايات بارا ورورايما يعد نتيجة طبيعية لدفاع الرئيس جاير بولسونارو العلني عن التعدين في تلك المناطق.

معلومات مختلف على صحتها

 

اضافة إلى دعوته إلى أصدار قوانين تتجاوز الحظر الدستوري على التنقيب عن الموارد المعدنية في الأراضي العائدة للشعوب الأصلية، فقد شكك بشكل استفزازي في الانتقادات القائلة إنه يعبث بمستقبل أكبر الغابات المطيرة في العالم.

 

وكان المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء – التابع للحكومة البرازيلية – قد أصدر مؤخرا تقريرا يبين أن وتيرة انحسار الغابات في منطقة الأمازون قد ازدادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.

 

ولكن بولسونارو شكك جهرا في صحة المعلومات التي أوردها التقرير.

 

إذ قال الرئيس البرازيلي لممثلي وسائل الإعلام الدولية كان قد استضافهم لتناول وجبة الإفطار معه الأسبوع الماضي “اذا كان هذا الكم الهائل من ازالة الأشجار يجري فعلا، لكانت الغابات قد اختفت تماما”.

 

كيف تبدو الحقيقة من أعلى؟

 

حللت بي بي سي البرازيلية صورا أنتجتها شركة (بلانيت لابز) الأمريكية، التي تستخدم 100 قمرا إصطناعيا لالتقاط الصور يوميا لسطح الأرض.

 

ولاحظت وجود زيادة كبيرة في نشاطات التعدين غير المشروعة في ثلاث من المناطق العائدة لشعوب البرازيل الأصلية الأكثر تأثرا بالبحث الخفي والمستتر عن الذهب، وهي محميات كايابو وموندوروكو (في ولاية بارا) ويانومامي (التي تقع في ولايتي رورايما وأمازوناس).

 

تبلغ مساحة المحميات الثلاث مجتمعة 248 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة تزيد عن مساحة المملكة المتحدة برمتها، وتشمل بعضا من أفضل مناطق حوض الأمازون صيانة.

 

وتظهر الصور الفضائية ارتفاعا في عدد “البقع” التي تشير إلى وجود نشاطات تعدين في المنطقة، إذ يزداد انتشار هذه البقع في مواقع المناجم القديمة التي بنيت منذ عقد أو أكثر وكذلك في المواقع الأحدث عهدا.

 

ويتيح النموذج أعلاه للمتتبع مقارنة الصور الملتقطة في كانون الثاني / يناير الماضي بتلك التي التقطت في الأسابيع الأخيرة. ويجب الأخذ بالاعتبار أن الفروق الملاحظة في الألوان تعود لظروف الطقس أو لكون الصور ملتقطة بواسطة أقمار إصطناعية مختلفة مزودة بآلات تصوير ذات وضوح متباين.

 

وأكد خبيران في التصوير الفضائي – وهما الجيولوجي كارلوس سوزا والجغرافي ماركوس رايس روسا – أن الصور تثبت حصول توسع نشاطات التعدين في المناطق المذكورة.

 

يذكر أن مساحات بعض المناطق تزيد عن مساحات عشرات من ملاعب كرة القدم.

 

واتصلت بي بي سي بوزارة البيئة البرازيلية والشرطة الاتحادية علاوة على الوكالة الحكومية المسؤولة عن حماية السكان الأصليين، ولكنها لم تتلق أي جواب إلى الآن.

 

“معجزة رورايما الذهبية”

 

أصبح الذهب ثاني أكبر صادرات ولاية رورايما. ولكن المفارقة هي أن الولاية لا يوجد فيها أي منجم مسجل لدى السلطات.

 

وثمة تحقيق يجرى فيما اذا كانت محمية يانومامي هي مصدر الذهب. ويقول زعماء الشعوب الأصلية التي تسكن في المحمية إن نحو 10,000 عامل مناجم يعملون بصورة غير شرعية فيها. وكانت الأرض التي تحوي المحمية قد منحت بشكل رسمي لشعب اليانومامي في سنة 1992، كما يضمن الدستور البرازيلي حقوقهم.

 

تقول سونيا غواجاجارا، الناطقة باسم جماعة ( Apib) التي تدافع عن حقوق الشعوب الأصلية، إن الجماعة تسلمت تقارير من مناطق متعددة في حوض الأمازون تتحدث عن “حدوث كم كبير من التعرض” من جانب عمال المناجم منذ تسلم بولسونارو زمام السلطة في كانون الثاني / يناير الماضي.

 

وتصر غواجاجارا على أن التصريحات التي يطلقها بولسونارو دفاعا عن التعدين في أراضي الشعوب الأصلية إنما تشجع هذه النشاطات غير الشرعية.

 

يذكر أن بولسونارو يتخذ هذا الموقف منذ كان نائبا في البرلمان البرازيلي، وكان يبرر موقفه بالقول إن التنقيب عن المعادن يمكن أن يحسّن ظروف المعيشة بالنسبة للشعوب الأصلية.

 

واستقبل بولسونارو في نيسان / أبريل الماضي وفدا مكونا من ممثلي شعوب رورايما الأصليين الذين يؤيدون التعدين، حيث قال لهم “لا يمكن للشعوب الأصلية أن تواصل العيش بفقر في أراض غنية”.

 

يذكر أن الدستور البرازيلي الذي بدأ العمل به في سنة 1988 يسمح بالتعدين في الأراضي العائدة لشعوب البلاد الأصلية، ولكنه اشترط سن قوانين خاصة بذلك مسبقا. ولكن البرلمان لم يسن قوانين كهذه، ولذا فنشاطات التعدين تعد غير شرعية.

 

وتصر غواجاجارا على أن معظم تجمعات السكان الأصليين تعارض نشاطات التعدين خوفا من انعكاساتها الاجتماعية والبيئية السلبية.

 

وأشار تقرير أصدرته في عام 2018 شبكة ( Raisg)، التي تضم مجموعة من الهيئات غير الحكومية في أمريكا اللاتينية، إلى وجود مستوطنات للتعدين في 18 من محميات السكان الأصليين في البرازيل.

 

يذكر أن التعدين في حوض الأمازون يجرى بطريقتين، الأولى باستخدام عوامات لغربلة قاع الأنهار بحثا عن المعادن، والثانية عن طريق حفر المناجم.

وتجري الثانية على مستوى صناعي واسع، إذ تستخدم فيها الجرافات لقطع الأشجار تاركة “ندب” يمكن رؤيتها من الفضاء الخارجي.

 

واضافة إلى قطع الأشجار، تؤدي نشاطات التعدين إلى طمر الأنهار واجبارها على تغيير مجاريها.

 

وتتحول البحيرات الإصطناعية التي يخلفها التعدين بمرور الوقت إلى مفقسات للبعوض. وليس من قبيل الصدفة أن يكون مرض الملاريا، الذي يفتك بمئات الآلاف حول العالم سنويا، واسع الانتشار في مناطق الأمازون التي يكثر فيها نشاط التعدين.

 

علاوة على ذلك، يسمم الزئبق المستخدم في التعدين الأسماك في الأنهار ويؤثر في السلسلة الغذائية برمتها.

ويتسبب التسمم بالزئبق في البشر في أضرار عصبية وتشوهات خلقية.

 

وخلصت دراسة أجرتها في عام 2016 وكالة ( Fiocruz)، وهي من أهم الوكالات التي تعنى بالصحة العامة في البرازيل، إلى أن 92 في المئة من سكان بعض قرى اليانومامي متأثرون بالتسمم بالزئبق.

 

كما تقترن نشاطات التعدين باستشراء العنف والجريمة في المناطق التي تسكنها الشعوب الأصلية.

خفض الإنفاق

 

يرى باولو باريتو، وهو باحث يعمل لدى مركز إيمازون المتخصص بدراسة شؤون حوض الأمازون ومقره في البرازيل، أن تصريحات بولسونارو وضعف الملاحقة القانونية أديا إلى التصاعد في نشاطات التعدين غير الشرعية.

 

وقال باريتو لبي بي سي “تبلورت عقلية ترى أن كل شيء مباح، ويعتقد الناس أنهم سيفلتون من العقاب اذا قاموا بازالة أشجار الأمازون”.

 

وكان وزير البيئة البرازيلي ريكاردو ساليس قد أمر في وقت سابق من السنة الحالية بخفض ميزانية ( Ibama) وكالة البيئة الرئيسية في البرازيل بنسبة 25 في المئة.

 

إزالة الأشجار

 

كان المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء قد قال في وقت سابق من تموز / يوليو إن وتيرة إزالة الأشجار في حوض الأمازون في حزيران / يونيو تسارعت بنسبة 88 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2018.

 

وقال ناطق باسم المعهد إن نشاطات التعدين تعد من العوامل المهمة لهذه الزيادة الكبيرة.

 

 

 

 

 

BBC