رأي ومقالات

(المجلس العسكري وقحت) … الساحة لا تحتمل الفراغ !


رغم تباينات الرؤي وإختلافات وجهات النظر سياسيا ، ولكن في الواقع ان أهل السودان وصلوا لمرحلة اتفقوا فيها علي ان الأوضاع في البلاد اصبحت لا تقبل الفراغ وإن حياتهم (الأمنية ، الإقتصادية ، الإجتماعية) أصبحت في خطر ، ولابد من حكومة توقف الفوضي في الأسواق والتي انعكست علي الأحوال المعيشية والتي تأزمت بسبب تمدد المظاهرات والتي بذاتها قادت لحالة من الموت سمبلة ، مطلوب حكومة تجنب البلاد الوقوع في منزلق الشر سيناريو (سوريا ، ليبيا ، اليمين ، الصومال) ، ولكنها قد تكون مجرد حكومة مرحلية (حكومة تصريف أعباء) تنتهي مهمتها بإنتهاء الوصول لسلام شامل في البلاد وقد تكون حكومة تنتهي مهمتها بسيناريو تكرار ذات الدائرة الشريرة (مدنية – عسكرية) .
غير أن تعدد ألسن الحرية والتغيير بذاته لا يبشر خيرا وتعتبر أكبر معضلة تواجه التفاوض ، قال عباس مدني عباس احد قيادات الحرية والتغيير ، أن التفاوض ليس الخيار الوحيد ، ولكنه خيار في الفترة الحالية باعتباره وسيلة للحل وليس غاية في حد ذاته ، ولذلك قد ينجح الوسيط الافريقي محمد حسن ود ليباد بعد (ملاواة شديدة) من تحت غطاء الإقليم وعباءة دول المحور وجزرة وعصاة المجتمع الدولي ، قد ينجح في حالة تقديم تنازلات من قبل الطرفين (المجلس العسكري والحرية والتغيير) ويوقعا علي إتفاق ليصبح اللبنة الأساس لانتقال ديمقراطي سلمي بالبلاد . 
المتابع يجد أن الساحة السياسية السودانية فيها الكثير من التناقضات ، إذ اعلن الحزب الشيوعي انسحابه من التفاوض ضمن الحرية والتغيير مع المجلس العسكري وكذلك عدم مشاركته في أي من هياكل الحكومة الانتفالية ولكنه قال متمسك بعضويته داخل تحالف الحرية والتغيير في عملية لا تخلو من سياسة (تبادل الادوار) فقد ضمن الشيوعي مكانا لواجهاته في الحكومة ويريد السيطرة علي مقعد المعارضة لقفل الطريق علي خصومه الإسلاميين دون الإنفراد بمقعد المعارضة ، وبذاتها تعتبر سياسة ممارسة (اللعب علي الحبلين) والتي يجيدها الحزب العجوز بإحترافية ، وقد نجح في (شيطنة) الإسلاميين وتشويه سمعتهم إعلاميا تماما كما أعاد ذات الكرة علي الحركات المسلحة ، غير أن الحرية والتغيير قد زرفت الدموع علي خروج الحزب الشيوعي عله يراجع موقفه عن الانسحاب من التفاوض ويعود الحبيب ، قالت الحرية والتغيير إنها تثمن دور الشيوعيى في الثورة والتضحيات التي قدمها للحفاظ على وحدة قواها ، ولكنها حتما ستتفاجأ بأقوي جبهة معارضة سياسية تتجاوز (180) حزب وحركة في مواجهة حكومتها التشاركية التشاكسية) المتوقعة .
ولكن في المقابل تنكرت الحرية والتغيير للجبهة الثورية دون أن ترمش لها عين ، وحتما ستدرك خطأها رغم أن الإتفاق تم تحت رعاية الوساطة الافريقية والحكومة الأثيوبية بأديس ابابا، فنقضت الحرية والتغيير إتفاقها مع الجبهة الثورية أخذت ما يتوافق مع هواها وتنكرت لما عداه لاسيما بشأن المسائل الداخلية من هيكلة جديدة لتحالف الحرية والتغيير يقودها طوال المرحلة الانتقالية ، إذ تم الاتفاق علي أن تتحصل بموجبه الجبهة الثورية على (6) مقاعد في المجلس المركزي للحرية والتغيير و(3) مقاعد في المكتب التنفيذي ، والتوافق على ترشيح رئيس الوزراء وتاجيل تشكيل الحكومة إلى حين التوصل لإتفاق مع الحركات المسلحة (حكومة مهام) ومنح الجبهة الثورية (مقعدين) في المجلس السيادي ومواقع تنفيذية رئيسة ضمن كوتة الحرية والتغيير ، غير أن الحرية والتغيير دفعت بمسودة السلام ضمن مسودة الدستور، لأن يكون السلام الشامل أولى مهام الحكومة يبدأ بإجراءات تمهيدية عاجلة تخلق المناخ الملائم للسلام ، وتسمية مفوضية للسلام ، كما تمت صياغة رؤية موحدة حول الاتفاق السياسي ، ونعتقد اي محاولات لإعتماد مسودة السلام  مجرد ملحقا بالإعلان السياسي سيكون حاله سيناريو مكرر لذات تجربة برتكولي المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) .
من الواضح أن الحرية والتغيير قد خسرت أهل الهامش بتنكرها لإتفاقها مع الجبهة الثورية بسبب رفض الحزب الشيوعي وآخرين ، وتعتبر بذاتها سياسة (إزدواجية المعايير) ، يعتقد نهار عثمان نهار القيادي بالعدل والمساواة الموقعة (جناح دبجو) ، يعتقد أن الحرية والتغيير ارتكبت خطأ فادحا بتنكرها لإتفاقها مع الجبهة الثورية وقال إنها الوحيدة التي تمثل الهامش في داخل تحالف الحرية والتغيير وبخروجها اصبح التحالف لا يمثل الهامش، وقال تعتبر ذات سياسة الاقصاء والتهميش التي اتبعها المؤتمر الوطني في فترة ما قاد لعلو كعب (النخبة النيلية) فحدث ما حدث !، إبعاد الجبهة الثورية من تحالف الحرية والتغيير يعني إهداء الحركات المسلحة أكبر فرصة للقوقعة والتنادي بقضايا الهامش ، ونتوقع أن يكون التفاوض معها حاميا ، وحينها ستندم الحرية والتغيير علي تفريطها في الاتفاق مع الجبهة الثورية .
إعتقد ان المفاوضات مع الحركات المسلحة ستصبح العقبة الكؤود التي ستواجه حكومة الشراكة بين المجلس العسكري والحرية والتغيير) والتي تعتبر (حكومة هجين) ، فالمفاوضات مع الحركات المسلحة ستتعدد منابرها ، فاذا سلمنا جدلا بالاتفاقات الدولية والقرارات الاممية الموقعة من قبل فإن منبر الدوحة كان منبرا لحل قضايا دارفور ، فإذا وافقت حركة تحرير السودان (مناوي) وحركة العدل والمساواة السودانية (جبريل) فإن حركة جيش تحرير السودان (جناح عبد الواحد نور) حتما سترفض ، فالرجل ظل يرفض الجلوس مع العسكريين في أي منبر أو جلسة تفاوضية منذ اتفاقية ابوجا ، وبالتالي يمثل (نور)عقبة قد تعرقل سير حكومة الشراكة وربما يقود لتطويل أمد الفترة المخصصة للمفاوضات لأجل السلام (6) أشهر بإعتبار أن عبد الواحد نور يتحدث بلسان النازحين واللاجئين ولهم مطالب ليست سهلة ، وليس الرجل لوحده ، بل هنالك ايضا حركة جيش تحرير السودان – المجلس الانتقالي (الطاهر حجر) والتي تحتفظ بتحالف ما بينها والحركة الشعبية – شمال (الحلو) وحركة جيش تحرير السودان (عبد الواحد نور) وقد يقود ذات التحالف لتعقيد المشهد لا سيما بشأن الترتيبات الأمنية .

غير أن الحرية والتغيير ستكتشف الخطأ بان الجبهة الثورية مكون يضم حركات مسلحة وكتل سياسية ضمن مكون نداء السودان ، وكان الاوفق أن تتم معالجاتها في إطار إتفاق أديس ابابا ، حيث هنالك تعقيد بشان الحركة الشعبية – شمال (جناح عقار) والتي ستتطالب بحقوق المنطقتين ضمن منبر اديس ابابا، الجبهة الشعبية المتحدة (أسامة سعيد) من الشرق ولها قضاياها بجانب عكلتة التوم هجو من الوسط (الحزب الاتحادي الديمقراطي)  ، ومن الوسط ايضا حزب الامة (نصر الدين) ، غير أن العقبة الكبري ، كيف تنجح حكومة الشراكة في التفاوض مع الحركة الشعبية – شمال (الحلو) في منبر أديس ابابا لحل المشكلة في المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الازرق) والتي تمتلك في الواقع ارضا ومجتمعا وجيشا ، غير أن هنالك كثير من الحركات المسلحة والقيادات التاريخية والاعيان خارج كافة الأطر ، علي العموم ستواجه حكومة الشراكة كثير من الصدمات واللطمات وجميعها بلا شك ستعجل برحيلها لتكوين حكومة إنتقالية ولا إعتقد مجريات الواقع تسمح هذه المرة بالإنتقال بالتمرد مباشرة الي الإنتخابات دون مشاركتهم في المرحلة الإنتقالية لضمان تنفيذ الإتفاقيات ، وبالطبع ستكون للمحاصصات دورها وواقعها . 
غير أن الواقع يؤكد أن الخلافات فيما بين المجلس العسكري والحرية والتغيير لازالت قائمة لاسيما بشان نسب عضوية المجلس التشريعي 67% للموقعين علي تحالف الحرية والتغيير و33% للقوي والحركات الداعمة والمؤيدة لتحالف الحرية والتغيير ، فلا ادري هل ستشمل نصيب الحركة الشعبية – شمال (جناح الحلو) وحركة عبد الواحد نور تيار نصرة الشريعة والاصلاح الآن وذالنون وعوض الله نواي وغيرهم ، ام من هم المعنيون ؟، علي العموم ما مصير تلكم الحركات التي وقعت من قبل باتفاقيات دولية وأخري عارضت البشير ودخلت السجون بإعتبار أن الثورة تراكمية يعود مدها العام 1989 ، والا ستتفاجأ حكومة الشراكة (الهجين) بأقوي وأشرس معارضة سياسية تقودها للفشل وقد تعجل برحيلها .

تحليل : ابراهيم عربي