اقتصاد وأعمال

تشديد العقوبات على جرائم الفساد

في ظل الحراك الذي تشهده البلاد، وتجاذبات القوى السياسية السودانية وصراعاتها حول السلطة وبحثها عن آليات وبدائل لملء الفراغ الذي خلفه النظام السابق، ونقاط اتفاق لعلاج الأزمات الاقتصادية وتصاعدها، وتراخي بعض مؤسسات الدولة المعنية بضبط وتتبع عملية التطوير الاقتصادي، وزيادة مخاوف الناس من المصير المجهول للاقتصاد السوداني، في ظل هذا الوضع الحالك والرؤية القاتمة كان المجلس العسكري الانتقالي ينظر من زاوية أخرى إلى ضرورة إجراء عملية الإصلاحات العامة بالدولة، ووضع أولوية للإصلاح الاقتصادي بمفاهيم تبدأ بتتبع ومحاربة الفساد ووضع أولويات للاستثمارات ومشاريع البنى التحتية وتطوير النظام الجمركي وعائداته وتقوية النظام المصرفي وسيادة حكم القانون.

(الصيحة)، تحصلت حصريًا على ورقة “الاتجاهات الرئيسية للإصلاحات الاقتصادية وسيادة العدالة والقانون وأسباب الأزمة الاقتصادية وآفاق الحلول الجذرية لها”، وسننشرها في حلقات تباعاً لمزيد من التحليل والمراجعة.

 

الوضع الراهن

إن المستوى العالي للفساد في البلدان إنما يدل على عدم فعالية منظومة المحاسبة لهذه الجرائم. وفي إطار الإصلاحات الاقتصادية المرتقبة من قبل المجلس العسكري الانتقالي، لا بد أن تكون العقوبات لمثل

هذه الجرائم من أشد العقوبات.

من أين لك هذا

وقال الأستاذ بجامعة المغتربين، الخبيرالاقتصادي د. محمد الناير، إن ما تم من فساد في السودان خلال الفترة الماضية لعله كان سبباً رئيسياً في التدهور الاقتصادي الذي شهدته البلاد، وقال لـ(الصيحة): نتحدث عن معطيات محددة، فكيف لدولة تملك مساحة 180 مليون فدان صالحة للزراعة، و106 مليون رأس من الماشية، ومصادر مياه ومحصولات متنوعة وأكثر من 30 معدناً على رأسها الذهب بإنتاج يقدر بـ100 طن كمتوسط في العام، بجانب كميات مقدرة من البترول وجواذب سياحية وموقع استراتيجي للسودان، فكيف لدولة تملك هذه المقومات أن يكون حالها فساداً كبيراً.

وإذا أردنا أن نقضي على كل عمليات الفساد التي تمت في السابق، علينا تطبيق لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية وقانون الشراء والتعاقد والتخلص من الفائض بصورة صحيحة، وحال تم كان كفيلاً بالقضاء على الفساد المالي والإداري، ولكن هناك ممارسات أخرى جعلت الإجراءات المطبقة تتوافق مع اللائحة والقانون، بمعنى إذا وجه شخص معين بإرساء عطاء لجهة محددة، وكانت إجراءات العطاء رسمية، وحصل على عمولة بطريقة خاصة، فهذا النوع من الفساد صعب جداً إثباته مستندياً إلا في حالة التلبس، وهذه إحدى المشكلات الخاصة بالفساد، الإثبات المستندي الخاص بالمراجع العام بخلاف استخدام النفوذ والوظيفة العامة.

ولمعالجة الأمر بشكل حاسم، لابد من تفعيل من أين لك هذا؟ بمعنى الشخص الموظف الذي يملك ما بين 4 إلى 5 عقارات أو عمارات ما لم يثبت أنها جاءت في شكل هبة أو تحويلات خارجية، عليه المثول أمام القانون، وأن تؤول الممتلكات للدولة، وحال فعلت الدولة ذلك، فهناك أموال ضخمة بالعملة المحلية والأجنبية وعقارات وسيارات وأصول لا حصر لها. ولكن التأخر في تشكيل المجلس السيادي ومجلس الوزراء كان سبباً رئيساً ربما لإخفاء معالم الفساد الذي تم ارتكابه سابقاً، وننصح كلما تأخر التوافق حول تشكيل هياكل الحكم، أفلت الذين تعدوا على المال العام وأثروا، وبالتالي تتعقد المشكلة الاقتصادية ليصبح حلها صعباً، وأفلت المعتدون على المال العام من العدالة.

وزاد قائلاً: يجب أن تعلن المحاكمات على الفساد والمفسدين لتكون على الملأ وفي وسائل الإعلام المختلفة، وأن يشهد عليها العالم أجمع، وإلا لن يتم القضاء على الفساد أبداً.

 

شواهد ماثلة

كان هناك موظف في إحدى الهيئات الحكومية يعيش على راتبه فقط، ولكن سولت له نفسه أن يقدم على اختلاس مبلغ من المال كان ذا قيمة كبيرة في وقته وقد تم فصله من العمل، ولكن في إطار المجتمع واجه صعوبات كبيرة في التعايش مع جريمته تلك بعد أن عرفها الناس في الحي الذي يقطنه، وأصبح يواجه بنظرات الشفقة مما دعاه وأسرته للرحيل عن الحي لتفادي مضايقات الناس له بالكلام أو النظرات.

وفعليا أنتقل بأسرته إلى منطقة أخرى في مدينة قريبة من مدينته التي تركها، ولكن هيهات لم يهنأ بالرحيل، إذ سبقته سيرة الاختلاس للمال الذي أخذ ليصبح ملاحقاً بلعنة السرقة.

ومن هنا نستخلص أن السرقة والتعدي على المال العام في السابق كان يعاقب عليه الشخص من المجتمع نفسه دون الحاجة الى قانون أو فتح بلاغ أو اتخاذ إجراءات جنائية.

تلك الحالة استشهد بها دكتور ميرغني بن عوف مدللاً على أن القضية لا تتعلق بالقانون أو العقوبات بقدر ما نحتاج إلى إجراءات نزيهة صارمة وفعالة لردع المفسدين، وأي شخص سرق تتم محاكمته بتلك الإجراءات.

وأكد في حديثه لـ(الصيحة) قائلاً: لا يوجد صياغة قانونية أفضل من قانون مكافحة الفساد السوداني، ولكن القانون غير مفعل لأسباب تتمثل في الفساد البشري، فمعظم المفسدين لا تتم محاسبتهم، لأن هناك نافذين في النظام سواء من القضاة أو الوزراء يتدخلون بصورة مباشرة للإفراج عن المتهمين قبل اتخاذ الإجراءات المعلومة.

وزاد: قضية الفساد في السودان أصبح من المحرم علينا أن نطلق عليهها فساد، لأنها تجاوزت كل المعايير في المجتمع والأعراف والأديان، وللأسف الشديد لا توجد كلمة نستطيع أن نصف بها غير الفساد بجانب الفساد المالي والأخلاقي اللذين يتزامنان، ولو كانت البلاد انتهجت سلوكاً محترماً لتهاوت جميع أنواع الفساد بأشكاله المختلفة، مطالباً بمنهج معين للقضاء على الفساد والذي من أنواعه الحصول على أي ممتلكات أو أموال دون وجه حق.

وقال: (الشيخ متولي الشعرواي قال لماذا يتساءل الناس عن قطع يد السارق لماذا؟ لأنه قبل أن يسرق الناس سرق نفسه ولن ينصلح حاله).

مؤكداً عضويته في جمعية الشفافية السودانية التي قال إنها (قُتلت) من قبل النظام البائد والتي أسست بطلب من الرئيس المخلوع، والتي ضمت خبراء و قانونيين والتي عملت من أجل وقف عمليات الفساد، ولكن انتهت إلى لا شيء.

 

معدداً أن الفساد تجاوز إلى فساد القيم والأخلاق والتي أضحت مدخلاً لنهب حقوق الغير سواء كانت مالية أو غيرها، بجانب الفساد الإداري والمؤسسي، معيباً على النظام السابق أسلوب التمكين في الدولة ووصفه بالفساد المقنن.

مضيفاً: لابد من ممارسة شيء من التطهير، وقطع بأنهم ليسوا ضد الكيزان، ولكن ضد أي شخص أثرى بحسابات التمكين.

أنواع متعددة للفساد

مشيرًا إلى نوع آخر من الفساد متعلق بفساد الموارد في التعدين الأهلي وغير الأهلي الذي عمل على تخريب الأرض وإحراق الغابات والحطب والاستحواذ على الأراضي السودانية من قبل المستثمرين الاجانب عبر قانون الاستثمار.

وطرحنا سوالاً عن هل يوجد قانون لمكافحة الفساد؟ أكد أن هناك قوانين موجودة ما قبل حكم الإنقاذ، وكانت مفعلة في حدود وما في شخص سرق إلا وتمت محاكمته رغم وجود بعض التفلتات، ورغم وجود القانون انعدم النظام العدلي الذي يتابع تنفيذ القانون. وإبان حكم الإنقاذ سقط القانون كلياً رغم وجوده، فقانون الثراء الحرام ونيابة أموال الدولة وقانون العقوبات المدنية وقانون الإرهاب وغسل الأموال وقوانين المناصب الدستورية وإبراء الذمة، كل هذه القوانين لم تطبق بالصورة الصحيحة، وتفشت مفاهيم التحلل، وأصبحت القوانين لا وجود لها، وحتى حال وجد يتم تطبيقه على الضعيف دون القوى.

 

قرارات ذات أولوية

أقرت المسودة التي تحصلت عليها (الصيحة) بأن الخطوات التي وضعت لتطبيق القوانين وتشديد العقوبات تتمثل في تحليل التشريعات الحالية وممارسات إنفاذ القانون في جمهورية السودان

بغرض تشديد العقوبات على جرائم الفساد، وتشكيل هيئة مستقلة لمكافحته مع رواتب عالية لموظفيها، وأن تكون تبعية الضباط بها لرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء.

بالإضافة إلى زيادة شدة العقوبات الجنائية وزيادة فترات العقوبات، وتقليل الحد الأدني لمبالغ

الرشاوى التي يتم بموجبها محاسبة وتحميل المسؤولية.

ويجب على كل موظف بالدولة أن يثبت أن جميع العقارات والسيارات الفاخرة وغيرها من الممتلكات باهظة الثمن قد تم شراؤها بأموال مكتسبة بأمانة، إن

كان من المستحيل إثبات المصادر لهذه الممتلكات، تتم محاسبة المسؤول بالسجن ومصادرة الممتلكات وأن تكون هناك تغطية إعلامية نشطة لمحاكمات المسؤولين رفيعي المستوى في جميع وسائل الإعلام. ومنح وسائل الإعلام الحق في الإعلان عن قضايا

الرشاوى وإجراء تحقيقاتها الخاصة في قضايا الفساد.

منع العمل في أي مؤسسة أو شركة أو منظمة حكومية لكل من تمت إدانته بالرشوة.

منع الانتفاع بأي من المزايا والضمانات الاجتماعية لأي مسؤول دين بالرشوة.

 

القيام بعمل محتوى إلكتروني مناهض للفسادنعلى سبيل المثال فقد طورت الصين لعبة إلكترونية “المحارب غير الفاسد ” البطل في هذه اللعبة يقاتل

المسؤولين الفاسدين مستعملاً الأسلحة والسحر والتعذيب.

القيام بدورات تدريبية لمكافحة الفساد للعاملين بالقطاع الحكومي وأسرهم وذلك من خلال تنظيم رحلات للسجون التي يقضي فيها المدانون بالفساد

عقوباتهم.

نماذج عقوبات عالمية

إن أشد العقوبات على المرتشين هي في جمهورية الصين الشعبية، حيث تتم محاسبة المسؤولين في العلن وتبث محاسبتهم على محطات التلفزيون المحلية وخلال السنوات العشرين الماضية تم إعدام أكثر من عشرة آلاف مسؤول من بينهم نائب عمدة بكين ومدير مطار بكين وشخصيات مشهورة أخرى، تتم مصادرة ممتلكات كل مسؤول فاسد وترسل فاتورة الرصاصة المستخدمة في الإعدام لأسرة المدان.

وفي الآونة الأخيرة أصبح هناك ميل تجاه استعمال الحقن المميتة بدل الرصاص وفي

روسيا الاتحادية، يعتمد الحكم على شدة الجرم، وتكون الغرامة بقيمة ثمانين ضعفاً للرشوة أو السجن لمدة تصل إلى ثمانية أعوام.

على من تقع المسؤولية

الجهات المسؤولة عن تنفيذ القوانين وتطبيق العقويات الرادعة، منوط بها وزارة العدل والمخابرات ومكتب المدعي العام ووزارة الداخلية.

الصيحة

تعليق واحد