عمسيب: العنف النفسي كأداة للقهر السياسي
العنف النفسي كأداة للقهر السياسي
الحوار كلمة “جوفاء ” !
الحوار هو أكثر مفردة أفرغت من معناها وتم أستهلاكها بحيث أنها لم تعد تخدم أي غرض ، ونحن وعندما نتكلم عن الحوار عموماً والحوار السياسي بصورة أكثر دقة فأننا نتحدث عن عملية مستمرة ويومية وليست أجرائية ومنقطعة كما نجحت الحكومات الشمولية المتعاقبة في ربطها بهذا التصور المغلوط .. وعندما نتكلم عن الحوار السياسي فأننا بالضروة نتكلم عن أطراف تحمل وجهات نظر متباينة وأراء مختلفة، أذا يكون من العبث أن تجرى جماعات وفصائل تحمل نفس وجهات النظر أو تتفق في جل ما ذهبت اليه حواراً مع نفسها لتخرج بما هي متفقة عليه أصلاً .
من الصعب أن ينتج مجتمع تغيب عنه المشاركة السياسية و تقوم ثقافته السياسة على الأحادية و الاقصاء و فوق ذلك يواجه أزمات أقتصادية حادة أشبه بالصدمات .. مناخاً لحوار سياسي راشد و مسؤول ، و مع ذلك فأن طابع التغيير في وعي المجتمعات هو طابع جدلي _ تفاعلي ، بمعني أننا بحاجة لخلق حالة رفض عامة للعنف اللفظي و العنصرية و التنمر ، أو ما يتعارف على تسميته في المجتمع السوداني مؤخراً ” بالردم ” لكبح جماح هذه الثقافة و منعها من التمدد و شغل الحيز العام لما لها من أثار مدمرة على المجتمعات و علي مفهوم الحرية نفسه .
هل نحن قادرين فعلاً على التأثير في المسار العام للنقاشات التي تدور في الوسائط الأن ؟
صحيح أن الحوار مرتبط بالتنشئة و التربية و ثقافة المجتمع و لكن لا يمكن أغفال دورالحملات المنظمة في عمل معادلة _على الأقل_ للتوجه العام الذي تغلب عليه ثقافة “الردم ” ، بمعنى أنها خطوة في طريق طويل لمخاطبة جذور المشكلة و تسليط الضوء على أهمية التعامل معها بجدية من كافة الأطراف خصوصاً و أنها بلغت حداً دفع بالناس الي مغادرة سوح النقاش العام و خصوصاً على مواقع التواصل الالكتروني، و في الوقت الذي قام فيه حراك شعبي يرفع الحرية كأحد مطالبه فأن مساحة الحرية و قدرة الفرد على التعبير عن رأيه أن كان مخالفاً للرأي السائد _أو حتى غير متفق كفاية مع ما هو سائد_ تكاد تنعدم ، و وجهة النظر المختلفة هذه تعرض صاحبها لعمليات أغتيال معنوي غير مسبوقة ، أغتيال لا ينتهى حتى و أن كف هذا الفرد عن الأدلاء بأرائه أو المساهمة في المجال العام بل وحتى الخاص .
العنف اللفظي مأزق التعريف !
العنف اللفظي هو الأعتداء على الأخر لفظاً بأستخدام الشتائم ، السباب ، التعييب بالشكل ، أو اللون ، أو الهيأة ، أو السخرية من الأهتمامات أو الهوايات أو التوبيخ و الأذلال .. الخ ، و للعنف اللفظي أضرار نفسية جسيمة تتسبب في الأعتلال النفسي و قد تتمظهر في حالات الأكتئاب الحادة و الرغبة في الأنتحار .
و بصفة عامة فأن التكرار و الأستمرارية هي سمات أساسية عندما نرغب في تعريف هذا العنف الذي يختلف عن أنواع العنف الأخرى التي يمكن تتبع أثارها بسهولة ، تكمن المشكلة التي تواجهنا الأن تحول هذا الأعتداء النفسي الي سلوك ممنهج ليس الغرض منه فرض السلطة و السيطرة على الفرد في أطار مجتمع العمل أو مجتمع الجامعة أو المدرسة ..الخ ، بل يتعدى ذلك الى تحويل الأعتداء النفسي الممنهج من قبل أفراد منظمين الى أداة لترويع المجتمعات و الهيمنة عليها سياسياً .
العنف النفسي كأداة للقتل !
أنني أميل لتوصيف الأصوات في مجتمعاتنا بأنها تضج بالعنف ..
الكلام بالمجمل عبارة عن عنف .. حتى الاشارات الى الأخرين التي تكثر في تعبيرنا تحمل تصريحاً بالعنف ، و الأنسان الذي ييستخدم العنف االلفظي يريد أن يوصل للأخر أنه محق فيما يقول ، يريد أن يرسل مضمون تهديد و أثبات لوجهة النظر بطريقة قهرية ، و لا يمكننا أن نفصل هذه الاشياء عن الطبيعة القهرية للسلطة في مجتمعاتنا و عنفها المحض غير المشرعن ، أذ أن السلطة الأبوية في مجتمعاننا لم تشغل نفسها أصلاً بشرعنة العنف أو أيجاد مبررات لممارسته .
بالنسبة للسلطة السياسية فأن الوضع مختلف أذ هي بحاجة الي تبرير عنفها المادي المحض ولو قليلاً ، فحشدت خطابات التخوين و العمالة .. وزعت الأتهامات باليد اليسرى و صكوك الوطنية باليمني ، فطنت الي ضرورة أنتاج خطابات العنف اللفظي التى تنزع الي تجريد الأخر من أنسانيته و أذلاله و أمتهانه و نزع حقوقه تمهيداً لممارسة العنف عليه ، لقد كان العنف اللفظي هذا دائماً كأنفجار البركان الأول الذي تعقبه الحمم المتدفقة ..
الحرية و القانون !
يجب أن لا نخلط بين حرية التعبير و حرية التشهير ، الحرية حق لكن يجب أن يكون لها محددات و ضوابط ، الحرية تأتي معها مسؤولية ، و يصعب علي المجتمعات التي كانت ترزح تحت حكومات شمولية لعقود أن ترسم هذه الحدود ، فرط الحرية هذا أحياناً يكون مقدمة لجيش الشمولية العائد ، و لذلك يجب أن نعمل على هذا الامر بمزيد من الجهد و المبادرات ، وكما أن الحرية حق و مسؤولية ، فأن الضامن لها ينبغي أن يكون القانون ، أن تفعيل ثقافة الأحتكام للقانون و تشجيع الناس عبر مجموعات حقوقية للجوء الي القضاء لنيل حقوقها سيساهم بصورة كبيرة في تقييد هذه الظاهرة و تقليل أثارها .
خاتمة
نحن نعرف الأن بأن هذه الكلمات ليست مجرد كلمات بل أسلحة ، نعرف أنها يمكن أن تدمر انسان ما ، أن تدفعه لأيذاء نفسه أو أيذاء الأخرين ، بل و حتى أنها قد تدفعه للأنتحار ..
نحن نعرف الأن أن حملات العنف اللفظي الممنهج هذه توظف في أغراض الهيمنة السياسية و التأسيس لشمولية جديدة .. خصوصآ و أن حملات العنف اللفظي لطالما كانت مقدمة تبريرية للعنف الذي يمارس بعدها ، هتلر مثلآ قبل أن يبدأ بقتل اليهود على السحنة ظل يحملهم وزر الأزمات الأقتصادية و الهزيمة السياسية التي منيت بها بلده .. الخ
نحن نعرف الأن أن هذه الحملات المنظمة تصدر من تيارات لا تحفل بالحرية و لا بالديموقراطية بل ترفها كشعارات و تغيب عنها عند الممارسة ..
دعونا نحمل على عاتقنا مسؤولية أن ندافع عن كل متعرض للعنف اللفظي و التشكيك و السباب ..الخ لمجرد كونه يعبر عن رأي مخالف ، علينا أن نحمي المجال العام بأن نتعامل بجدية ، أن نأخذ مسألة الرد الجماعي علي المتنمرين بجدية ، و كواجب فردي ..
دعونا نحمل على عاتقنا مسؤولية الضغط داخل كافة المجتمعات الأسفيرية لأبعاد و حظر و منع نشر المحتويات ذات المضمون العنصري التي تسئ للأشخاص أو تسخر من الوزن أو الشكل أو الزي .. الخ .. دعونا نحمل على عاتقنا مسؤولية أن نضغط لأرساء قيم تقبل الأخر و الحوار الرشيد و الحرية المسؤولة داخل هذه العالم الموازي الذي صنعناه على الوسائط عسى أن ننجح في أن ننقلها لواقعنا المعيش ..
في بوست قادم نبدأ نقاشآ مفتوحآ عن الوسائل ..تحياتي
عبدالرحمن عمسيب
#لا_للعنف_اللفظي
#مع_حرية_الرأي