رأي ومقالات

خالد عمر: ديسمبر … قصة حلم لم ينته بعد (١)


في نوفمبر من العام الماضي أطلق تجمع المهنيين السودانيين حملة لزيادة الحد الأدنى للأجور في موازنة العام ٢٠١٩. استندت الحملة على تقرير جيد الإعداد أوضح أن المبلغ الأدنى الكافي لإعالة أسرة صغيرة في السودان يزيد عن ال ٨٠٠٠ جنيه بقليل وهو ما يقارب العشرين ضعفاً للحد الأدنى للأجور الذي تعتمده الدولة والذي لا يتجاوز مبلغ ال ٤٠٠ جنيه سوداني (٨ دولارات امريكية) في ذلك الحين. عقب نشر التقرير تلقيت اتصال من الصديق الأستاذ / أحمد ربيع يطلب مني أن أرتب لهم اجتماعاً مع قوى نداء السودان ومع حزب المؤتمر السوداني ليعرض عليهم التجمع حملته ويبحث إمكانية التنسيق المشترك في رفع وتيرة الحملة، وقد كان حيث تم ترتيب الإجتماعين احدهما بحضور الرئيس عمر الدقير والاخر قام بترتيبه وحضوره الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني الماحي محمد سليمان. قبل ان استطرد في رواية القصة وتطوراتها أريد أن اتحدث قليلاً عن أحمد ربيع وبدايات معرفتي وعلاقتي به. تعرفت على أ. أحمد ربيع في العام ٢٠١٢ حين كانت لجنة المعلمين تنشط وقتها في حملتها ضد استقطاعات جائرة فرضت على مرتبات المعلمين (حوالي ١٠٠ جنيه سوداني من كل معلم/ة). قامت لجنة المعلمين بعمل ضخم رفضاً لهذه الاستقطاعات اعلامياً وجماهيرياً، ودعت وقتها لوقفة أمام البرلمان للاحتجاج وتوصيل صوت المعلمين، واستند ذلك العمل المقاوم على تنظيم قاعدي حقيقي على الأرض للمعلمين والمعلمات. كنت حينها أساهم مع رفاق كثر في العمل الكبير الذي كانت تقوم به حركة التغيير الآن في تشبيك ودعم وتنظيم العمل المقاوم، وجرى اجتماع بين الحركة ولجنة المعلمين للتنسيق للوقفة، والتزمت التغيير الآن بالمساهمة في دعم الحملة إعلامياً ولوجستياً، وقد كلفت مع الصديقة داليا الروبي الناشطة في إعلام التغيير الآن حينها بطباعة بوسترات احتجاجية للوقفة وتوصيلها للجنة، وكان حينها اللقاء الأول مع أحمد ربيع. وجدت الرجل منذ ذاك اليوم يعمل بهمة مثيرة للإعجاب في قضايا المعلمين والعمل النقابي وإحياءه، ونشأت بينا صلة لم تنقطع منذ ذلك الحين كنا نلتقي فيها كثيراً سواءاً للتنسيق فيما يلي قضايا المعلمين ودعمها، أو في بدايات الفكرة العبقرية التي بادر بها أحمد ورفاقه بإنشاء تجمع المهنيين حينها عبر التواصل مع نقابة أطباء السودان الشرعية وشبكة الصحفيين السودانيين وعدد من الكيانات المهنية الناشئة آنذاك، وعملنا منذ ذلك الوقت سوياً في ثورة سبتمبر ٢٠١٣ وفي عدد من القضايا التي سآتي على ذكرها في هذه السلسلة. مر تجمع المهنيين بمراحل عديدة في نشأته وتأسيسه وتطوره ولا أزعم بإطلاعي عليها تفصيلاً فقد انحصرت علاقتي بالتجمع بالتنسيق معه ودعمه سواءاً عبر التغيير الآن في وقت من الأوقات أو عبر مبادرة المجتمع المدني التي ساهم التجمع في انشاءها عبر رئيسه في العام ٢٠١٤ بروف. بابكر محمد الحسن وعمل المبادرة داخل نداء السودان الذي نشأ كمشروع لتوحيد المعارضة عقب انحسار ثورة سبتمبر ٢٠١٣ والتي افتقرت لوحدة المعارضة وتنظيمها ونشأ النداء للاستجابة لهذا القصور الذاتي أو عبر مراحل تطور التجمع لاحقاً وتنسيقه مع الأحزاب السودانية المختلفة ومنها المؤتمر السوداني الذي استضاف داره ندوات واجتماعات للتجمع ولهيئاته المكونة له في تكوينه الثاني عقب العام ٢٠١٦ وفي كل تلك المراحل كان أ. أحمد ربيع يعمل بإيمان لم ينقطع أو يتزحزح بأن هذا المشروع جوهري في مسار مقاومة نظام الإنقاذ وإسقاطه. في مرحلة لاحقة تعاملت مع شخص آخر كان له دور مهم في نشأة التجمع وتطويره وهو الأستاذ الصحفي محمد الأمين عبد العزيز (ود اللمين)، وود اللمين هذا أحد أكثر الشباب الذين ظلموا ولم ينصفوا في تقديري فقد عمل بصمت وبهمة بالغة في تنظيم الصحفيين وفي بناء التجمع وتجميع مكوناته منذ كان في طوره الجنيني، وسآتي لاحقاً في هذا السرد للدور الذي لعبه في ثورة ديسمبر في مختلف مراحلها.

المهم …. بالرجوع مرة أخرى لحملة تجمع المهنيين للأجور في نوفمبر ٢٠١٨، فقد تزامنت الحملة مع ارهاصات واضحة لحدث كبير آت ستشهده البلاد، فقد كانت الأزمات تطبق بخناقها على الناس بصورة تتفاقم يوماً بعد يوم، صفوف للرغيف وانعدام للوقود وأزمة خانقة للسيولة التي جفت تماماً من المصارف والصرافات الآلية والجيوب. هذه الأزمات ليست جديدة بل ظلت تتفاقم منذ انفصال البلاد لقسمين في العام ٢٠١١ ونتجت عنها هبات شعبية متوالية في ٢٠١٢ و ٢٠١٣ و ٢٠١٦ وكان اخرها هبة يناير ٢٠١٨ التي تنظمت فيها المعارضة خلف ميثاق الخلاص الوطني والمسيرة التي دعا لها الحزب الشيوعي في ١٦ يناير والمسيرات التي دعا لها تحالف المعارضة في ١٧ يناير و ١٨ يناير و ٣١ يناير وما تبعها من حملات اعتقالات وعنف مفرط سرعان ما أجهضها وقد خرجنا من المعتقل في ابريل ٢٠١٨ لنجد الوضع الاقتصادي يزداد تردياً يوماً بعد يوم حتى وصل ذاك الحد الخانق في أواخر العام. بالتزامن مع حملة تجمع المهنيين اطلقنا في حزب المؤتمر السوداني في ذات التوقيت حملة جديدة من حملات المقاومة التي ظل ينظمها الحزب باستمرار اسمها “حقنا كامل” نشط فيها الحزب في مخاطبات جماهيرية في الأسواق تتحدث عن الأزمة الإقتصادية وتدعو للحراك الجماهيري ضد النظام بغرض اسقاطه، حيث تحدث في فاتحة تلك المخاطبات نائب رئيس الحزب مستور أحمد محمد ورئيس الحزب بولاية الخرطوم شريف محمد عثمان وعدد آخر من كوادر الحزب بولاية الخرطوم.

أتوقف اليوم عند هذا الحد وأواصل غداً بإذن الله في سرد شهادتي الشخصية على بعض ما رأيته من موقعي، وأعيد التأكيد أن هذه السردية ليست قصة الثورة بل هي جانب ضيق ومحدود منها، فالرواية الكاملة ساهم في صناعتها ملايين من أبناء وبنات الشعب السوداني كل ساهم بجهد أو فكر أو مال أو تخطيط، وما أرويه هنا هي رواية شخصية بزاوية نظر محدودة للغاية ولا أزعم أنها اكثر اكتمالاً أو شمولاً من أي زاوية أو رواية أخرى لهذه الثورة العظيمة التي ستخلد لقرون في ذاكرة هذه البلاد.

*خالد عمر يوسف* *-* *
الأمين العام للمؤتمر السوداني*


تعليق واحد

  1. ايها الانسان السوداني البطل هل تعلم ان قوت يومك يشاركك فيه ست دول محيطة بالسودان: تشاد، وافريقيا الوسطى ، والكونغو، وجنوب السودان، واثيوبيا ، واريتريا بسبب عامل الحدود المفتوحة على كل الجوار الافريقي.

    اذا ذهبت الى اسواق انجمينا وبانقي وكونجوكونجو وسوق الرنك واديس ابابا واسمرا، ستجد كل المنتجات هناك مصنوعة في السودان او مهربة منه مما يحدث فراغا في كمية المعروض داخل الاسواق السودانية، ويتسرب عبره قوت الشعب السوداني ودولاره وبالتالي ارتفاع الاسعار والندرة والصفوف الطويلة

    لماذا التهريب؟؟؟؟
    سعر لتر البنزين في السودان اليوم 0.14 (دولار امريكي). بالقياس، يبلغ السعر المتوسط للبنزين عالمياً 1.10 (دولار أمريكي).

    امثلة لسعر لتر البنزين (بالدولار الامريكي) في بعض دول الجوار (خلّي بالك السعر في السودان 0.14)
    اثيوبيا 0.73
    تشاد 0.87
    أوغندا 1.15
    الكونغو 1.35
    يعني البنزين المهرب من السودان يُباع في الكونغو بعشرة أضعاف سعره

    يؤدي تهريب الوقود والدقيق الى دول الجوار الى معاناتنا من الندرة والوقوف في صفوف طويلة للحصول على ابسط حقوقنا والسبب هو – لا أقول ضعاف النفوس – إنما السبب هو نحن.

    رفضنا ان ندفع لصاحب السلعة وللحكومة الثمن الحقيقي لسلعته فذهب ليبيعها لمن يدفع ثمناً منصفاً.

    ماذا لو نتنازل قليلاً ونتحمل معاً تبعات النهوض الاقتصادي ونرتضي رفع الدعم عن هذه السلع حتى لا يتم تهريبها وننعم في المقابل بالآتي:

    1. وفرة المعروض من الوقود والدقيق وغيرها نقول عندها وداعاً لصفوف البنزين والرغيف
    2. الثمن المجزي المدفوع في هذه السلع يتحول الى طرق ومطارات وسكك حديدية ومدارس ومستشفيات بمواصفات عالمية وغيرها من الأصول الثابتة التي لا يمكن تهريبها الى دول الجوار
    3. نتحول من دعم السلع الى دعم مرتبات محدودي الدخل من الموظفين الحكوميين والمعلمين والمعاشيين وغيرهم

    عندما خرجنا في ثورتنا الظافرة أردناها ثورة ليست كسابقاتها وكنّا ندرك ان الثمن سيكون مؤلماً وباهظاً

    أقترح (حملة رفع الدعم لوقف التهريب ولإقامة البنية التحتية) لتكون ثمناً ندفعه عن طيب خاطر لأن رفاقنا الذين استشهدوا أرادوها ثورة حقيقية وليس مجرد تغيير نظام بنظام آخر مكبل اليدين يمارس نفس الفشل
    الحمدلله لقد منّ الله علينا بحكومة مدنية من الكفاءات الذين نثق بوطنيتهم وثوريتهم ونزاهتهم فلماذا لا نعينهم بمزيد من الصبر والتحمُّل
    والله الموفق.