ضياء الدين بلال: إشانة سمعة!
-1- لا أحدَ يُجادل في وجود بروتكولاتٍ عالميَّةٍ يتمُّ على أساسها الإعلان عن الوبائيات العابرة للحدود، في أيِّ دولة من الدول.
صحيح، كان هناك سوء ظنٍّ واسع في مصداقية الجهات الحكومية السابقة، في تعاملها مع تلك الأمراض، وشكٌّ عريض في أنها لاعتبارات اقتصادية، قد تتستَّر على الأمراض أو تسعى للتقليل منها، وتفرض ضوابط صارمة للنشر الإعلامي.
في المقابل، لا أظنُّ أن الطريقة الراهنة في الإعلان المُتكرِّر عن تلك الأمراض ، هي الطريقة المُثلى والنهج السليم.
بل من الراجح ، بها قدر من التهويل والتضخيم، قد يكون لجهل محض ، أو غرض ما!
قبل عامين، ذكر صديقنا الطاهر ساتي، في عموده المقروء، أن بعض المنظمات والجهات المحلية ذات الصلة بالمنظمات الدولية، تُقدِّم أرقاماً مُضخَّمة، عن نسب الأوبئة والأمراض في البلاد، بغرض استجداء الدعم الدولاري.
أورد ساتي وقتذاك، أن مرفقاً صحيَّاً – لاستقطاب دعم منظمة الصحة العالمية – قال مديره ذات مرة: (نسبة الإصابة بداء الفيل 50%)!
-2-
بكلِّ تأكيد ما يترتَّب على ذلك النشر من أضرار، أكبر مما يتحقَّق من منافع تصبُّ في مصلحة المواطن.
في كلِّ يوم تخرج الصحف بمعلومات مُفزعة عن ظهور حالات هنا وهناك: كشكول من الأمراض (الحمى النزفية، الوادي المتصدع، الكوليرا) وغيرها، كأنها إعلانات احتفائية تبشر باكتشاف ثروات معدنية!
إحدى الصحف الزميلة خرجت في عنوانها الرئيس بمانشيت مُرعب: (خمس وبائيات تهاجم كسلا)!
حينما نتابع الأخبار والتقارير الرسمية والإعلامية ونتصل بمواطنين هناك، لا نجد الوضع بذلك الوصف التهويلي الكارثي!
?
لو أن كل ما يُكتَب ويُقال يُمثِّل الحقيقة المُجرَّدة، لسمعنا كل يوم بمئات الموتى ، ضحايا لتلك الأمراض، ولاستقبلت المدن آلاف النازحين الهاربين من العدوى، ولأُغلقت المطاعم ومحال بيع اللحوم!
إذا كانت وزارة الصحة تثق في وجود كل تلك الأوبئة في البلاد، فلماذا لم تتَّخذ تحوطات عملية وإجراءات وقائية لحماية المواطنين، ولم تكتَفِ بالولولة ومناشدة المنظمات العالمية؟!!
نعم، ليس من الأخلاق التستُّر على الأوضاع الصحية، حمايةً لمصالح اقتصادية مهما بلغ مردودها المالي.
في المقابل نشر مثل تلك الأخبار دون تحقُّقٍ كاملٍ، مع عدم نسبة المعلومات مباشرةً لمصادر معلومة، ذات اختصاص، يُعتبر عملاً تخريبياً خطيراً.
-4-
أسوأ طريقة تفكير في أيِّ مجالٍ أو منشط، أن تظنَّ بثقة وحماس أن الصواب، هو نقيض ما كان يفعله خصمك!
فالقول إن الحكومة السابقة كانت تتستَّر على الأمراض الوبائية، وبالتالي يكون الفعل الصحيح هو الإسراع الاحتفائي بالإعلان عنها؛ هذه خفَّةً طفوليةً ساذجة!
طالما أن المُترتِّبات على الإعلان عن الأمراض الوبائية فادحةٌ ومُدمِّرةٌ لقطاعات إنتاجية مؤثرة، حيوانية وزراعية، وعلى السمعة الصحية لمواطني الدولة، حينما يتم التعامل معهم في المطارات كحاملي أوبئة وجراثيم، يُخشَى خطرهم. فمن الضرورة أن تكون ضوابط الإعلان الرسمي والنشر الإعلامي دقيقةً وصارمةً، تعكس الحقائق دون إثارةٍ وتهويل.
-5-
من واجب وزارة الصحة إلزام جميع العاملين فيها، المركزيِّين والولائيِّين، بعدم التحدث عن الأمراض، وتحديد ناطقٍ رسميٍّ مركزيٍّ رفيع، مُخوَّل له تقديم المعلومات بكُلِّ دقَّةٍ وانضباط تعبيري.
من الخطأ والخطل، أن تُعلَن مثل هذه المعلومات الخطيرة من قِبَلِ موظف ولائي حديث التجربة محدود الخبرة والمعرفة، مثل ما حدث في كسلا!
للأسف، مُعظم العاملين في هذه القطاعات الحسَّاسة في المركز والولايات، ليست لهم دربة ولا خبرة ولا معرفة في التعامل مع أجهزة الإعلام، وكيفية تقديم المعلومات بصورة لا يترتَّبُ عليها ضررٌ وأذى عام.
-6-
كلمةٌ واحدةٌ في غير موضعها، يُمكن أن تحرف المعنى عن مقصده، وتتسبَّب في مضار يصعب تلافيها بالتصحيح والتوضيح.
الولايات المتحدة الأمريكية أساءت فهم كلمة «موكوساتسو»، التي ردَّت بها حكومة اليابان على الإنذار الأمريكي بضرورة الاستسلام بلا شروط إبَّان الحرب العالمية الثانية.
إساءة ترجمة هذه الكلمة، أدَّت إلى اتخاذ واشنطن قراراً بضرب اليابان بالقنبلة النووية في العام 1945م، «ناكازاكي» و«هيروشيما» ما أسفر إلى نهاية مأساوية للحرب العالمية الثانية.
تُوجد معاهد إعلامية كثيرة، تُعِدُّ كورسات تُقدَّم للمسؤولين في التعامل مع أجهزة الإعلام، وكيفية كتابة البيانات.
-أخيراً-
على الوزارة التعامل مع الوضع الصحي بدقة وحصافة، دون تهويل أو تهوين.
وعليها مراجعة منظومة المعلومات، فليس من المنطق أن تكون السمعة الصحية، لبلادنا أسوأ من دولٍ بلا حكومات، مثل الصومال، لم تتوقَّف فيها الحروب لربع قرن، وما تزال المصدر الأبرز للماشية في شرق إفريقيا، ولم تهجم عليها خمس وبائيات!!
هنالك خلل ما يحتاج المعالجة، أو خطأ ما يقتضي التصحيح والتصويب!!!
ضياء الدين بلال