سياسية

شخصيات عطرّت تأريخنا عبدالفضيل ألماظ… المستشهد على مدفعه

وُلد عبدالفضيل عيسى ألماظ في العام 1898م بمصر التي كان والده الماظ عيسي جندياً في جيشها، ، وتعود جذوروالده عيسى لقبيلة النوير بجنوب السودان، ووالدته من النوبة المورو،
تنقل عبد الفضيل مع والده فى مختلف مدن السودان. فقد أقام فى كل من دنقلا و الأبيض و تلودي بجبال النوبة، مماجعله يحس بالوطن كله ومعاناته، التحق بالمدرسة الأولية في مدينة واو بمنطقة بحر الغزال عام1908م، وفي العام الذي تلاه التحق بقسم الحدادة بمدرسة الصناعات.
عرف عبد الفضيل منذ صغره بحبه الشديد للعسكرية، فقد قيل أنه كان يتسلل إلى الغابة المحيطة بمدينة واو لمشاهدة التدريبات العسكرية للجنود ومن ثم يقوم بجمع أصدقائه الصغار للعب ويقوم بتقليد ما كان يشاهده.
إلتحق عبد الفضيل بالخدمة العسكرية في عام 1911 وتم تجنيده في الأورطة 11 التي عمل بها والده، برتبة كاتب بلوك أمين ثم تمت ترقيته إلى رتبة الصول(المساعد).
وفي أبريل عام 1914 م، نُقل إلى الفرقة العسكرية في منطقة بحر الغزال، وتم إلحاقة بالمدرسة الحربية (الكلية الحربية) في عام 1916 م ، بناء على توصية من قائده الإنجليزي الذي اُعجب بشجاعته وحبه للعسكرية. ،تخرج عبد الفضيل في المدرسة الحربية فى مايو عام 1917 م، برتبة ملازم ثاني وكانت أولى محطاته العملية مدينة تلودى بجنوب كردفان وظل يعمل فيها حتى عام 1923 م حيث تم نقله إلى الخرطوم في وقت كانت قد سادت فيه الإضطرابات السياسية في مصر إبان ثورة (سعد زغلول)ثم إغتيال حاكم عام السودان السير لي ستاك أثناء إجازته في القاهرة وما تلى ذلك من ردة فعل بريطانية حيث قرر الإنجليز طرد الجيش المصرى من السودان فى خلال أربع وعشرين ساعة وإجلاء جميع الموظفين المدنيين المصريين من السودان ،لكي تنفرد بحكم السودان في خرق واضح لإتفاقية الحكم الثنائي. وقد أحدث القرار موجة احتجاجات عارمة وسط السودانيين الذين خرجوا فى الخرطوم في مظاهرات بقيادة جمعية اللواء الأبيض التى كان يرأسها الضابط علي عبد اللطيف. تصدت الإدارة الإستعمارية البريطانية لتلك الإحتجاجات بالعنف وألقت القبض على قادتها ومن بينهم علي عبداللطيف وقدمتهم للمحاكمات العسكرية.
قرر عبد الفضيل الخروج ضد الإنجليزمع وحدته العسكرية وكان عدد أفرادها لم يتجاوز الثلاثين من الخرطوم إلى الخرطوم بحري على الضفة الشمالية للنيل الأزرق،للالتحاق بالقوات المصرية كما اتفق مع قائدها (رفعت) والتحق به الملازم ثابت عبدالرحيم والملازم ثاني السيد فرح والملازم أول سليمان محمد والملازم ثاني حسن فضل المولى لتقارب القوة الـ100 مقاتل وعلم الإنجليز بذلك فسارعوا بإرسال قوة اعترضت سير عبدالفضيل وجنوده بالقرب من كبري النيل الأزرق الذي يربط بين المدينتين ونشب قتال بين الفرقتين استمر من مساء يوم الخميس 27 نوفمبر 1924 وحتى نهار يوم الجمعة 28 نوفمبر ، وخذله المصريون ولم يشاركوا في المعركة وعندما أدرك جنود الفرقة السودانية قرب نفاذ ذخيرتهم واستحالة وجود دعم خارجي لهم تفرقوا وانسحب عبدالفضيل ومعه وكان برفقته اثنان «الصول عرديبا بيركو» و«الشاويش فومو عُجان»من قبيلة النوبة . الى مبنى المستشفى العسكرى (وزارة الصحة حالياً ) القريب من منطقة القتال،ومن ثم أخذ الشهيد الذخيرة من مخزن السلاح التابع للمستشفى واعتلى أعلى نخلة بمبنى المستشفى في صورة كأنها خيال (تلك النخلة رُفع فيها العلم السوداني في عهد الرئيس نميري تخليدًا لذكرى الشهيد) وأخذ يمطر على رؤوس الجيش الإنجليزي حمم مدفعه المكسيم ممسكًا بذراعه الأيمن مدفعه والنخلة بالأيسر فعجزوا عن الاقتراب منه.
حاصر الإنجليز مبنى المستشفى وبدأوا في تبادل النيران معه ولم يتمكنوا من القضاء عليه إلا بعد أن قاموا بضرب المستشفى بالمدافع الثقيلة حيث تم دك الموقع وهدمه على رأسه،اُستشهد عبدالفضيل في 28 نوفمبر1924م تحت الأنقاض ولم يتجاوز عمره الثامنة والعشرين،مخلداً اسمه في ذاكرة الشعوب، ولقد وجدميتاً وسط الأنقاض منكفئا على مدفعه المكسيم وقد احتضنه بكلتا يداه، وأقيم له مأتم بدار العمدة محمود سليمان حامد المك عمدة الفتيحاب في ذلك التاريخ. لقد كان مأتماً حزيناً امّه الجميع وتبارت فيه النسوة في رثاء الشهيد حيث نظمت “مناحة” على نسق مناحة “غرار العبوس” ذائعة الصيت يقول مطلعها:
انكسر المرق واتشتت الرصاص*** أحيّ على عبد الفضيل ألماظ
…رحمه الله رحمة واسعة وتقبله في زمرة الشهداء.

اخر لحظة