رأي ومقالات

جمال علي حسن: وزير المالية (المشكلة في المايك) يا سعادتك


مرة أخرى يسقط أحد وزراء الحكومة في امتحان (المايكرفون) بجلطة التصريحات الصحفية، وزير المالية د. إبراهيم البدوي هو الآخر أطلق تصريحات خطيرة لأكبر وأعرق وأشهر وكالة أنباء في العالم (رويترز)، وحينما بدأ يلمس على الفور الأثر الكارثي للجرعة الصحفية الخاطئة على الجسد الاقتصادي المريض، حاول نفي وتكذيب خبر رويترز ببيان صحفي، ولكن بيانه هذا كان مثل حال من أطلق رصاصة ثم قرر مطاردتها والإمساك بها قبل وصولها.
بيان البدوي جاء فيه (ما أوردت عن مقابلتي مع رويترز يوم الخميس الموافق السابع من نوفمبر بشأن حالة الاقتصاد السوداني غير دقيق، حيث أنني قد قلت إننا نحتاج لموارد كبيرة تتراوح بين خمسة إلى ستة مليارات دولار لتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي الشامل متعدد المسارات، وليس لمعالجة مسار واحد، بل لتحقيق كل طموحاتنا، ويشمل هذا الإصلاح فيما يشمل، معالجة تشوهات الخدمة المدنية وتقويم وترتيب الوظائف وصولاً لإجراء زيادات معتبرة في الأجور والمرتبات، إضافة إلى توسيع برامج الحماية الاجتماعية وبناء موازنة تستند إلى أهدافنا المستدامة، خاصة في مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية الأخرى) .
وفي تقديري أنه بيان بائس ومغالطة خاسرة مع رويترز ذات الاحترافية العالية والتي لا تخاطر بسمعتها ببث نصف خبر أو لفظ غير دقيق .
لكن لو افترضنا أن الوكالة (ألفت) موضوع انهيار الاقتصاد وزادته على التصريح كمقبلات لاستطعام الوجبة الصحفية المقدمة لقرائها- وهذا مستبعد تماماً- لكن لو افترضنا ذلك هل (ألفت) روتيرز أيضاً تلك الفقرة الكارثية التي لم يتطرق لها الوزير في بيانه، بأن البلاد تملك احتياطيات نقد أجنبي تكفي فقط لتمويل الواردات لعدة أسابيع قادمة .
هذه الفقرة التي كشفت حال الخزانة وأكدت أن البلد مفلسة تماماً ولا يوجد بها احتياطي نقد أجنبي، تسببت بالطبع في تعطيل حركة النقد في السوق لأنها بمثابة دعوة لكل من يملك دولاراً واحداً بعدم التفريط فيه وبالتالي ارتفاع أسعاره وأسعار كل السلع.. كما أن هذه الإفادة الرعناء أوقفت بالضرورة عمليات الإيداع للنقد المحلي نفسه في البنوك والتي كانت قد بدأت تتجه للعودة إلى طبيعتها شيئاً فشيئاً .
كان من الممكن أن يتحدث الوزير باقتضاب عن حاجة البلاد للنقد الأجنبي لتنفيذ خطط الإصلاح دون أن يكشف عن ما في جيبه..!
لكنها حصافة مفقودة في التعاطي مع الإعلام حتى عند الوزير الذي أتى من أكبر المؤسسات المالية العالمية .
(المشكلة في المايك)، يا دكتور البدوي، وهي مشكلة عامة على ما يبدو عند وزراء حكومة حمدوك، فأنت لست أول وزير يكلف البلد فاتورة فورية باهظة لتصريحات غير مناسبة وعدم إدراك لحساسية ومسؤولية الكلمة التي ينطق بها .
فقد سبقك الإعلان باهظ التكلفة من وزير الصحة عن وباء حمى الوادي المتصدع والذي كانت فاتورته حاضرة وفورية .
هي مشكلة حقيقية يواجهها وزراء حمدوك في التعامل مع الإعلام، والعلاج الوحيد لها في هذه المرحلة هو (مسك اللسان) وتقليل الظهور الإعلامي لأدنى درجة ممكنة، إن لم نطالبهم بالصمت التام، فهو أفضل من التصريحات التي تفعل بهم وبنا فعل (ديك العدة) .
سادتي أنتم وزراء حكومة مهام محددة أدوا ما عليكم من عمل ثم اخرجوا في فترات متباعدة جداً وعلى لسان رئيس الوزراء لتبشير الناس بما حققتم من إنجاز وليس بما تفكرون في القيام به وما سوف تقومون به قبل يوم القيامة .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

جمال علي حسن