حسين خوجلي: الرجاء عدم تداول هذه الحكاية !
كان لنا في قسم الفلسفة جلسة مفتوحة بمسمى قاعة بحث وقد درجت العادة أن يقدم أي طالب بحثاً يختاره في قضايا الفلسفة والمنطق وعلم الكلام وقضايا الجدل المعاصرة. وأذكر أنني قدمت ورقة بعنوان (فتاوى الجماهير أولى بالاقتداء) وكان اهم مافيها من طرح أن المشروع النهضوي العربي والاسلامي فشل نسبياً في تقديم حلول علمية وعملية لأن المساحة بين اهتمامات النخب والجماهير كانت شاسعة. والناظر بعمق للتاريخ الاسلامي يرى تلك المعاني الآمرة في حزم وحكمة للنبي وللأصحاب (وشاورهم في الأمر) (وأمرهم شورى بينهم) (واشيروا عليّ أيها الناس) ولان هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، فقد أخذت منها التجربة الإنسانية المعاصرة فكرة أن اختيار الخبرة واختيار الفطرة لا يتعارضان. ان يكون للبروفيسور صوت وللصنايعي صوت سواء بسواء، وغالبا ما تكون فتوى الفطرة أصدق وأعمق وأكثر واقعية من فتوى الخبير والشيخ والفقه، ومن الاجدى أن يجتمع كل هؤلاء في صعيد مؤسسي واحد. ومن المحزن جداً أن كثير من مؤسساتنا الشورية وبرلماناتنا قد خلت تماماً من العمال والفلاحين وأهل الخبرة الشعبية من النساء والرجال.
ومن الحكايات السودانية اللطيفة التي تسعفني في الاستدلال وتفصح عن هذه الفكرة، أن إماماً شهيرا بأحد مساجد كوستي وعظ الناس آمراً بأن يغيروا اسم المدينة. وجاء في مرافعته أن مدينة كوستي هي مدينة ذات اغلبية مسلمة وهي الميناء النهري للسودان والمعبر الاختياري ما بين الشمال والجنوب وأنها تقع مرمى حجر من أم دبيكرات؛ المكان الطاهر الخالد الذي استشهد فيه الخليفة عبد الله بن محمد التعايشي أول رئيس جمهورية في افريقيا والعالم العربي والاسلامي جاء بشرعية العقيدة واجماع المجاهدين، فكيف نرضى بان تسمى هذه المدينة العريقة باسم الخواجة النصراني المغمور كوستا وهو رجل لا أصل له ولا تاريخ. وعبر هذه المعلومات والايحاءات الشرعية الملزمة اقترح تغيير اسم كوستي الى أم دبيكرات، نظر المصلون بعضهم الى بعض في حيرة وصمتوا فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة. كان هذا وقد انتشرت في فترة ما ثقافة التدين الشكلاني، ورغم ما حاك في قلوبهم من احتجاج خفي، لكنهم آثروا الصمت والصبر الجميل. وفي صباح اليوم التالي (والسبت اخدر) أطلق احد ظرفاء كوستي طرفة وهي في حقيقة الأمر فتوى شعبية أنقذت كوستي من أم دبيكرات وانقذت أم دبيكرات من الاستغلال غير الحميد. فقد قال مبتسماً ليس لنا مشكلة في تغيير أسم كوستي الى أم دبيكرات ولكن المشكلة العصية هي مشكلة الفنان صلاح كوستي الذي سيتحول الى صلاح ام دبيكرات!.
ضجت المدينة بالضحك واضطرت السلطات لسحب المقترح تحت وطأة هذه الكوميديا الجماهيرية. ويبدو أن حالتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها الآن والاعداء يخططون للاستيلاء على ثروات بلادنا واراضيها وحاضرها وشغاف قلبها، ونحن غارقون في الخصومات وتصفية الحسابات تحتاج الى مفتي ظريف، وفقيه شعبي يطلق رأياً فطرياً يلتهم كل اراء النخب والساسة الفطيرة.
يا زعماء بلادنا واعيانها وخاصتها من أقصى اليمين الى اقصى اليسار صدقوني أن الأزمة ليست أزمة (غندور كوستي) ولا ( إبراهيم ام دبيكرات) لكن الأزمة أزمة (السر طابونة) و(عصام عطالة) و(الواثق عمالة) و(كمال احقاد ) و (يعقوب جريمة) و(وديع دولار) و(حواء بنزين) وأسماء أخرى سنكشف عنها بعد نشر قانون تفكيك الصواميل في الغازيتا الرسمية.
حسين خوجلي