عالمية

تعرّف إلى “إمام” الخطاطين العرب.. مات ودفنوه 3 مرات

في خطوة بالغة الأهمية، فسّرها المهتمون والأكاديميون على أنها تذكير بأهميته الرفيعة وتنبيه للأجيال على قيمة هذا الفن في التاريخ العربي والإسلامي، قررت الحكومة السعودية تسمية العام المقبل، عاماً للخط العربي.

في التفاصيل، أعلن وزير الثقافة السعودي، الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، تسمية عام 2020 الذي سيحل بعد أيام قليلة، عاماً للخط العربي، احتفاء به وتقديراً لما يمثله من أداة تحفظ تراث اللغة العربية الواسع، ولما يمثله من جماليات وفنون برع فيها العرب والمسلمون عبر العصور، فصار الخط العربي فناً مستقلا بذاته.
وجاء إعلان وزير الثقافة السعودي، بالتزامن مع مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، الأربعاء، والذي يحتفل به في 18 كانون الأول/ديسمبر من كل عام.

القلم العربي قديم
يعود تاريخ الخط العربي والكتابة العربية، إلى ما قبل الإسلام، وعثر في الجزيرة العربية على كتابات بالخط المسند الذي توقفت الكتابة به، مع مجيء الإسلام حيث كتب بقلم خاص سمّي بالقلم العربي أو الخط العربي تمييزاً له عن المسند. ولم يكن الباحثون مضطرين للبحث عن أدلة، من مثل قصة الشاعر الجاهلي المتلمس وطرفة بن العبد وحكاية الكتابين اللذين كانا يحملانهما، الأمر الذي يؤكد سريان الكتابة في الجاهلية، بل جاءت اللقى الأثرية لتؤكد تاريخ الكتابة العربية، منذ قديم الأزمان، كالكتابة التي وجدت على قبر الشاعر الجاهلي امرؤ القيس والتي يعود تاريخها إلى العام 328 للميلاد، وكتابة ما يعرف بأثر زبد، وتعود إلى 511 للميلاد، ونصّ حرّان الذي يعود إلى عام 568 للميلاد. وكتابات أخرى عديدة، كنص النمارة، ونص الصفاة، وسواهما.
وهناك أكثر من قلم في التاريخ العربي القديم، كالقلم الثمودي، نسبة إلى ثمود، والقلم اللحياني نسبة إلى بني لحيان، والقلم الصفائي نسبة إلى منطقة الصفاة، واجهة الجزيرة العربية في الشام والأردن. وكذلك يعتبر الخط النبطي، لدى بعض الباحثين، من أصول القلم العربي القديمة.

أشهر خطاطي العرب.. دفن 3 مرات
ومثلما هناك خط عربي، أو قلم عربي، فهناك حبرٌ عربي لكتابته، ولصنعه فهناك خطوات معقدة للانتهاء من تحضيره، ضماناً لجودته وبقائه أطول مدة من الزمن مطبوعاً واضحاً غير قابل للإزالة بسهولة.
وأشهر أنواع الخط العربي هي: الكوفي، الرقعة، النسخ، الثلث، الفارسي، الإجازة، الديواني، الطغراء، التاج.

وكان أشهر خطاط في عهد الخلافة الأموية، هو خالد بن الهياج، الذي قيل عنه إنه أكتب أهل زمانه، وكان خطاطا للخليفة الوليد.

أما أشهر الخطاطين العرب، في المراحل اللاحقة، فهم ثلاثة على ما أجمعت مصنفات مختلفة، كالخطاط ابن مقلة، محمد بن علي 272-328 للهجرة، ويسمى إمام الخطاطين، وكان يكتب باليسرى بذات الجودة التي يكتب بها باليمنى، بعدما تم قطع يده على زمن الخليفة العباسي الراضي بالله، إثر مكيدة من بعض عماله، فكان يربط القلم مكان يده المقطوعة، ويخط بها بذات الجودة التي يكتب بها بيده ذاتها. وانتهت حياة الرجل بمأساة، إذا قطع لسانه، بعد قطع يده، ومات في محبسه ودفن فيه، في المرة الأولى، ثم قام ابنه بإعادة دفنه في داره، في المرة الثانية، ثم قامت زوجته بنبش قبره وإعادة دفنه في دارها هي، في المرة الثالثة!

صاعقة عصره في الخط!
والخطاط ابن البواب، علي بن هلال، المتوفى سنة 423 للهجرة، ويعتبره المصنفون والمترجمون من كبار خطاطي عصره. إلا أنه لم يكن على غرار ابن مقلة، سلفه وأستاذه الذي وزِّر ثلاث مرات وتمتّع بنعم الدنيا وببذخ حسد عليه، بل لم يعرف الناس قدره إلا بعد وفاته، حيث ثبت أنه كان يعاني شظف العيش، من خلال ورقة كان كتبها لأحدهم لتأمين مساعدة إنسان بشيء لا يساوي دينارين، وللمفارقة فإن تلك الورقة التي خطها بيده، بيعت بعد وفاته بـ 17 ديناراً! ثم بيعت مرة أخرى بـ 25 ديناراً! وهو الذي كان يسمّى “صاعقة عصره في الخط” ويقال إنه مؤسس خط “الريحاني” وخط “المحقق” فضلا من تأسيسه مدرسة خطوط استمرت بالعمل حتى بروز الخطاط الثالث وهو ياقوت المستعصمي.
ونال ابن البواب شهرة واسعة لا نظير لها، جراء احترافه فن الخط العربي، ومدحه كبار العربية، حتى إن أحد الشعراء رثاه مستعملا لقبه (البوّاب) متعجباً كيف امتلك كل هذا المجد وهو (ابن البوّاب) فكيف إذا كان (ربّ الدار والمال):

هذا وأنتَ ابنُ بوّابٍ وذو غَنَمٍ
فكيف لو كنتَ ربَّ الدار والمالِ!

“قبلة” الكتّاب!
الخطاط الثالث الموضوع كثالث أشهر الخطاطين، هو ياقوت المستعصمي، جمال الدين ياقوت الرومي، المتوفى سنة 698 للهجرة. قيل إنه خطاط كبير وعلم من أعلام الخطاطين العظام، ويقال إنه فاق براعة ابن البواب المذكور آنفاً فلقّب بقبلة الكتّاب.
ويشار إلى أن “العربية.نت” من ضمن ما طالعته في تاريخ الخط العربي، اعتمدت على جملة مصنفات: ككتاب الخط، للزجاجي، عبد الرحمن بن إسحاق، والمتوفى سنة 337 للهجرة، ورسالة في الخط والقلم، لعبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري والمتوفى سنة 276 للهجرة، والاقتضاب في شرح أدب الكتاب، للبطليوسي، عبد الله بن محمد بن السيد والمتوفى سنة 521 للهجرة، وتحفة أولي الألباب في صناعة الخط والكتاب، لعبد الرحمن يوسف بن الصائغ المتوفى سنة 845 للهجرة، وتاريخ الإسلام، للذهبي، المتوفى سنة 748 للهجرة. ومن المصادر الحديثة، كتاب “الخط والخطاطون” لحبيب أفندي بيدابيش، وكتاب موسوعة الخط العربي والزخرفة الإسلامية لمحسن فتوني، ورحلة الخط العربي، لأحمد شوحان.

العربية نت