رأي ومقالات

ثعلب الانقاذ

رفع النفط المتدفق من الجنوب مستوى المعيشة لدي الطبقة الوسطى في الخرطوم ، و الحصانة التي أكتسبها الجنيه أمام الدولار الامريكي جعلت من القوة الشرائية لهذه الطبقة عالية ، بدأت الخرطوم تعرف السيارات الحديثة و أنتقلت الحفلات الي الصالات ، تعرف السودانيون علي قصات شعر متنوعة في مقابل قصة أو قصتين ، الخرطوم بدأت تعرف أحتفالات صاخبة لأعياد رأس السنة ، الجيل الجديد صادم النظام العام مرات و مرات ، و كان أبناء هذا الجيل المدللين قادرين علي أستخدام صلات أسرهم و أبائهم للخروج من سجون النظام العام و مخافر الشرطة ، و تسلل وعي عام لدي جنود الشرطة بضرورة تجنب أبناء الميسورين و في أسوأ الأحوال عمل تسويات معهم و تمريرهم ..

شبت هذه الفئات عن طوق النظام العام و لم يعد الأيدلوجيين الأسلاميين المتشددين حاضرين في مشهد الدولة بعد المفاصلة ، و مع التخبط الذي عقب نيفاشا ، نيفاشا بقوانينها الجديدة و حديثها عن قومية العاصمة أفسحت مساحة اوسع لحرية الملبس و المسلك ، و أتساع هامش الحرية سمح بمساحة حركة أكبر للمنظمات و الدبلوماسيين داخل الخرطوم .. و لأول مرة فأن التظاهرات لم تعد تنتهي الي القتل ، بل الي أعتقال و بلاغات و تقاضي مدني ، و لاول مرة فأن الخرطوم باتت تشهد ورشاً لمنظمات المجتمع المدني عن الديموقراطية .. الديموقراطية بالتصور الليبرالي الغارق في الأوربة و الحريات الفردية .. و كانت هذه الفئات بالتحديد هي الفئات الأكثر اٍستعداداً من غيرها لحمل بذرة “الديموقراطية ” ، أكثر أستعداداً للأنخراط في محاولات تغيير مجتمع يقيد سلوكهم الفردي و يفرض عليهم منطقه و أولوياته ..

في جانب أخر ، رويداً رويداً بدأ جهاز الأمن يفقد تلك السمعة المخيفة فقد تم التخلص من قادته الأيدلوجيين المستعدين لسحق الخصوم بالعنف المحض و الغبي ، و دخلت الخرطوم الي حقبة صلاح قوش كأول مدير براغماتي لجهاز الأمن ، مدير يلعب أدوراً سياسية خارج كنف مؤسسات التنظيم الحاكم ، ويبنى تنظيمه الخاص و دولته داخل الدولة .

و بحكم المعلومات المنهالة علي مكتب صلاج قوش من مدراء المكاتب الذين حرص علي تعيينهم في مكتب كل وزير ، كان صلاح قوش يعرف كل صغيرة و كبيرة عن أي مسؤول و عن أي وزارة دون أن يضطر للمرور بالأجهزة التنظيمية للتنظيم الذي أتي به ، و مع جيش الجهاز المنفصل عن القوات المسلحة المتمثل في هيئة العمليات ذات التدريب الأستثنائي و قوات مكافحة الأرهاب تمكن صلاح قوش من جمع كل الأدوات التي تلزمه ليحقق طموحه المتنامي ليحل محل البشير ، و هذا ما شعر به الجنرال البشير في الأستعراض العسكري المقام بالساحة الخضراء ، تفاجاً البشير بالتحية العسكرية التي تخص بها قوات هيئة العمليات قائدها في حضوره ، كان البشير قادراً علي أستشعار قوة قوش و طموحه ، فلم ينتظر طويلاً بعد هذا الطابور ليطيح به الي المستشارية ..
أبعاد صلاح قوش من قيادة الجهاز و وضعه في منصب “أستشاري ” عنى أن الرئيس كان يريد لصلاح أن يجلس بجواره في القصر وتحت نظره ، لكن صلاح حرص علي صناعة مؤسسة تنفذية جديدة وهي مستشارية الامن ، كي يحافظ علي شبكاته داخل الجهاز و كي يواصل في لعب الدور التنفيذي ، و مع مواصلة الأتصال بالمنظومات السياسية و زيارات الحزبيين المتكررة ، مرة أخرى التقط البشير الرائحة و هذه المرة القى بصلاح خارج المستشارية ثم في السجن ..
خرج صلاح من السجن بعد أن رسخ في ذهنه درس واحد ، درس ظل يكرره العسكري القح البشير بأستمرار لمعاونه صلاح ، حتى بعد أموال النفط وأمبراطورية المعلومات “الطبنجة ما بتقلب حكومة ” ..

عبد الرحمن عمسيب
عبد الرحمن عمسيب