تحقيقات وتقارير

أطراف السودان تشتعل بصراعات القبائل .. من يتحمل المسؤولية؟


تتحمل نظرية المؤامرة ضد الثورة وحالة الاستقطاب الحاد جراء إقحام مسارات جديدة لأقاليم السودان في مفاوضات جوبا، وزر تفجر الصراعات في أقاصي شرق وغرب البلاد، بحسب خبراء ونشطاء سياسيين.

وبدلا من أن تناقش المفاوضات التي تستضيفها جوبا عاصمة جنوب السودان مساري دارفور والمنطقتين “جنوب كردفان والنيل الأزرق” حيث تشتعل الحرب، فتح الوسطاء الباب على مصراعيه لإقحام مسارات أخرى للوسط والشمال والشرق.

لكن ثمة أسباب أخرى تتعلق بالصدمة التي أحدثتها الثورة عبر الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير القابض والمسيطر على الجيش والشرطة وجهاز الأمن، والانتقال لحكومة مدنية مقاليد القوات النظامية فيها بيد شركائها من العسكريين.

وكان المشير البشير قائدا للجيش والشرطة والأمن، وحتى قوات الدعم السريع كانت تأتمر بأمره، بينما أشرف العسكريون بعد الثورة على تعيين وزيري الداخلية والدفاع في الحكومة الانتقالية.

فراغ أمني
ويشير الخبير الإستراتيجي اللواء أمين إسماعيل مجذوب إلى حدوث ميوعة وسيولة أمنية بعد التغيير الذي أحدثته الثورة، بسبب سحب بعض صلاحيات الشرطة وجهاز الأمن والنظام العام وتغيير القوانين.

ويقول للجزيرة نت إنه كان الأجدى بعد سحب هذه الصلاحيات أن توكل إلى جهات أخرى مثل الجيش، حتى لا يحدث فراغ أمني.

ويعزو مجذوب ظهور عصابات “النيقرز” والتفلت في الأمن وحركة المرور والأحداث الجنائية إلى سحب الصلاحيات، ويضيف أن ذلك تطور لاشتباكات قبلية بالجنينة وبورتسودان.

ويذكر أن الأمر تطور إلى فزع قبلي بسبب ضعف المتابعة والحسم، وهو ما قاد للتجنيد القبلي بانحياز أفراد القبائل في القوات النظامية لقبائلهم، نسبة لغياب النقليات الذي ساهم في ارتباط هؤلاء الأفراد بمناطقهم وقبائلهم.

واضطرت الحكومة الاتحادية لإرسال تعزيزات عسكرية إلى بورتسودان والجنينة للفصل بين القبائل المتناحرة، بعد شكاوى من انحياز أفراد الشرطة والجيش في تلك المدن إلى أعراقهم.

ضعف حكومي
ويرفض المتحدث باسم مكتب تجمع قوى تحرير السودان بالداخل يزيد دفع الله رشاش أن تكون الصراعات في بورتسودان والجنينة عملية لشد الأطراف، بقدر ما هي ضعف في الحكومة الانتقالية وحكومات الولايات.

ويؤكد أن هناك خللا أمنيا نتج عنه تهاون في حسم المتفلتين، ويرى ضرورة أن تكون من أولويات الحكومة الانتقالية ضبط السلاح ونزعه من يد القوات شبه النظامية، وتعديل أوضاع أي قوة خارج نطاق أجهزة الدولة.

ويشير القيادي في التجمع الناشط بدارفور إلى أن أحداث الجنينة استخدمت فيها أسلحة ثقيلة لا ينبغي أن تكون في يد غير القوات النظامية، إلى جانب سيارات دفع رباعي وبزي رسمي، مما أسفر عن تشريد داخلي وخارجي بتشاد.

ويضيف أنه لا بد من إصلاح قوات الجيش والشرطة والأمن، بتغيير عقيدتها القتالية وتحديد مهامها في الدستور، ويقترح إقالة الولاة وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في الولايات التي شهدت انفلاتا أمنيا، لأنهم غير مؤهلين لحماية الناس.
سيد علي أبو آمنة: هناك مؤامرة تحاك ضد السودان (الجزيرة)

أولويات الحكومة
من جهته، يبدي رئيس الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة بشرق السودان سيد علي أبو آمنة، استغرابه مما لمسه من قادة الحكومة الانتقالية في الخرطوم حيال الصراعات القبلية.

ويوضح للجزيرة نت أنه وصل الخرطوم قادما من بورتسودان السبت الماضي، ولدى لقائه مع قيادات رفيعة في الحكومة والجيش لمس ثقتهم في فرض سيطرة الحكومة.

ويتابع “لم أشعر بأنهم خائفون لكن الواقع يكذّب ذلك. وهذا يعني خيارين، إما أن الحكومة ضعيفة أو مشغولة بأولويات أخرى والصراعات القبلية غير حائزة على اهتمامها”.

ويؤيد أبو آمنة وجود مؤامرة وراء ما يجري، مشيرا إلى أن ثمة جهات غير معروفة (النيقرز) أشعلوا بورتسودان مجددا، لأن النوبة والبني عامر وسط المدينة هادئة لكن هذه الجهات تستغل وجودها في أطراف المدينة البعيدة وتؤجج الصراع.

ويقول “لست من أنصار الصدف، ما يحدث فعل مقصود وجد بيئة خصبة ولديه من يدفعه لأغراض لا تتعلق بالشأن الاجتماعي بسبب الاستقطاب السياسي”، في إشارة لمفاوضات جوبا.

بؤر أزمة
لكن الخبير الإستراتيجي أمين إسماعيل مجذوب يستبعد أن يكون هناك تنظيم لحوادث الصراع القبلي أو بعد خارجي، ويسمي ما يحدث بأنه “بؤر أزموية” مرشحة للاتساع ما لم تبسط الدولة هيبتها وتعالج مشكلة الحواكير (الأراضي).

بيد أن مجذوب يتفق مع أبو آمنة في أن جولات التفاوض في جوبا ربما كانت محفزا للصراعات الناشبة، لأن كل طرف يريد إبراز أوراقه على الأرض.

ودخلت قبائل البني عامر والأمرأر ببورتسودان في مواجهات دامية قبل نحو شهرين، بسبب التنافس حول من يمثل شرق السودان في مفاوضات جوبا.

وخلال ستة أشهر، نشبت ثلاث مواجهات قبلية في بورتسودان أطرافها البني عامر والنوبة، وراح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى.

ويقول مجذوب “هذا الانفلات قديم ولا يشبه السودان ولا التغيير الذي حدث. هناك ثورة ضد الفساد والاستبداد وكان من المتوقع أن يلتف الشعب حول القيادة الجديدة”.

وعلى مستوى ائتلاف قوى الحرية والتغيير الحاكم، فإن قياداته ترى أن شركاءهم العسكريين في الحكومة لا يقومون بواجبهم المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية بحماية الثورة والبلاد.

ويعتبر عضو لجنة الميدان بقوى الحرية والتغيير شريف عثمان أن ثمة تقاعسا مقصودا من الشرطة لإفشال الحكومة الانتقالية، لجهة أن بعض عناصرها تنتمي للنظام البائد، خاصة بعض الدفعات من ضباط كلية الشرطة.

ويرى في حديثه للجزيرة نت ضرورة إبعاد عناصر الشرطة الموالين لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، واستبدالهم بعناصر وطنية تؤمن بالتغيير الذي حدث.

الجزيرة نت


تعليق واحد

  1. يبدو ان قحت و والمجلس العسكري مشغوليين بالتمكين الجديد