نطبع ..وللا ..لا
أذاعت وكالة أنباء أجنبية خبراً كان هذا نصه (انفجرت قنبلة في اقليم كذا مما ادى الى مقتل 500 شخص …وطبيب أسنان) ..انهالت الاسئلة من كل حدب وصوب عن طبيب الأسنان ..من هو ؟ وما الذي جعله يتواجد في محيط القنبلة ؟ وهل سيتم تعويض أسرته ..ووو ..في ذلك الوقت تبسم مدير الوكالة وقال لصاحبه (الم أقل لك ؟ لن ينتبه احد ل500 شخص ..انه فن الاعلام ..وسياسة الالهاء).
لا أدري من هو الذي أوحى للبرهان بالقيام بهذه الخطوة في هذا الوقت بالذات ..لكني أرفع له القبعة تحية واصفق له ..الخطة ذكية جدا ..فقد انشغل السودان بأكمله بموضوع لقاء عنتبي ..وصارت قضية التطبيع هي حديث المجالس المفضل ..وانقسم الناس بين مطبع وغير مطبع ..وبين محايد وممتنع عن التصويت ..وخرجت علينا أرتال من الآراء حول التطبيع والعلاقة الازلية والدولة الفلسطينية ..في خلال لحظات ..كان التطبيع هو الشغل الشاغل حتى ظننت ان كل مشاكلنا على الأرض قد تم حلها ..او ان التطبيع سيأتي وبيده عصا موسى لحل كل معضلة.
لا يزال الاقتصاد منهار ..والدولار يرتفع بسرعة الصاروخ مقابل العملة الوطنية حتى تجاوز حاجز المائة جنيه ..وحتى كتابة هذه الكلمات لا تزال مافيا الذهب (تقدل فوق عديلها ) ويخرج من السودان عبر منافذ الدولة الرسمية ما لا يقل عن 200 كيلو ذهب يومياً ..لا تدخل منه (هللة) الى خزينة الدولة ..اما الثروة الحيوانية والزراعة فالبيروقراطية تؤدي ذات دور الدولة العميقة ..ايش رأيكم ..نطبع وللا لا ؟
صفوف الخبز تزداد طولاً …وما فيا الدقيق (مدت رجليها ) فوق طاولة العيش ..ولا تلوح اي بارقة أمل في الأفق ..بعض الاحياء نجحت في ضبط الامر ..والبعض الاخر فشل ..ذلك ان ترك الحبل على الغارب للقوى الشعبية غير مضمون العواقب ..وقد يؤدي الى هيمنة بعض الأشخاص ..ما يعني عودة سطوة اللجان الشعبية ولكن بمسمى آخر. ..اها يا جماعة ..نطبع وللا لا ؟
اما أزمة الوقود فقد صارت جزءا من حياتنا اليومية ..واصبح من المعتاد ان تذهب لقضاء أمر ما في اي مرفق من مرافق الدولة تجد المكاتب خالية لعدم حضور الموظفين لأنهم لايزالون في المواصلات ..وصار صف البنزين والجاز مزاراً طبيعياً لأي صاحب مركبة مما يعني ضياع ساعات من وقت العمل الذي يعاني اصلاً من انيميا حادة ….اها (ما قلتوا لي نطبع ولا نكسر الحنك ؟).
أيا كان مهندس اللقاء وصاحب الفكرة ..بلغوه عني الف تحية ..فالتطبيع مع اسرائيل ليس بذلك الحدث الذي يأخذ كل هذه المساحة من الانتباه ..السودان دولة ذات سيادة وقرار ..وكان من الممكن طرح المسألة برمتها للنقاش بعقل مفتوح ومتقبل لجميع الخيارات وبعيدا عن العاطفة والشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ..ولا يعني ذلك بالضروة ان التطبيع سيحسم كل الامور العالقة التي تتعلق بمعاش الناس وحياتهم اليومية ..فهذه الامور لا ولن يتم حلها الا بأيدي أبناء هذه البلاد ..لكن نقول شنو ..فقد تعودنا ان تأتي الحلول من الخارج ولم نفكر يوماً واحداً في ان الحل بين أيدينا نحن فقط لا غير ..بس ما قلتوا لي (نطبع وللا كيف ؟)
ناهد قرناص
الجريدة