معتصم الأقرع: حوار مع السنابل
شن السيد الدقير نقدا حادا لأداء الحكومة التي كان لحزبه وحلفاءه الأقربين القدح المعلى في اختيار وزراءها . لا خلاف مع الدقير في ان أداء الحكومة متواضع للغاية ومخيب للآمال ولا يتناسب مع حجم تضحيات الشباب.
ولكن يمكن الخلاف مع السيد الدقير في نقطتين. أولهما ان اشادته بجهود الحكومة الانتقالية فى تحسين العلاقات الخارجية جانبها الصواب. فإنجازات السياسة الخارجية لهذه الحكومة صفرية ان لم تكن سالبة. فرغم ان ثورة السودان حازت علي اعجاب وتعاطف كل العالم الا ان السياسة الخارجية فشلت في تحقيق أي مكاسب من هذا الرصيد المعنوي الهائل.
ورغم ان الحكومة قدمت كل ما بإمكانها من طقوس الطاعة والولاء , واستمرت في المشاركة في حروب الاخرين الخارجية وعوضت الامريكان وصافحت نيتانياهو وتذللت للمانحين وصناديقهم وبنوكهم الا انه لا منح أتت ولا ديون اعفيت ولم يرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وربما شهدت هذه الفترة أسوأ أداء خارجي في تاريخ السودان, ولا تسأل وزارة الخارجية وحدها عن هذا التدني, بـل يسأل مجلس الوزراء بالدرجة الاولي ومعه السيادي.
نقطة الخلاف الأخرى تتعلق باقتراحات السيد الدقير فيما يختص بـإصلاح الشأن الاقتصادي. ولكن قبل ذلك دعنا نذكر ان حزب الدقير عارض رفع الدعم أبان حكم البشير ولكن بعد سقوطه غير الحزب موقفه واعلن عن ضرورة رفع الدعم. وهذا يدل علي ان الدعم حينها كان كرت مزايدة علي نظام البشير ولم يكن موقفا اصيلا , ولكن حزب المؤتمر ليس وحده هنا في حلبة المزايدة.
وفي لقاءه الصحفي أمس عاد حزب المؤتمر لامساك العصا من المنتصف مرة اخري. فقد اقترح حزب السيد الدقير إلغاء الدعم الحكومي للبنزين والجازولين للمركبات الخاصة مع الإبقاء على دعم وقود المواصلات العامة. وهذا اقتراح مستحيل لان القرار الجيد من أركانه ان يكون سليم المحتوي وقابل للتطبيق بتكلفة معقولة وان لا تكون له اثار جانبية وخيمة. وهذا الشروط لا تتوفر لاقتراح حزب السيد الدقير.
ولشرح السبب تصور ان الاقتراح قد تم تنفيذه وصار صاحب المركبة العامة يشتري البنزين المدعوم بسعر 28 جنيها أو ما شابه وصار السعر غير المدعوم الذي يدفعه صاحب المركبة الخاصة 130 جنيها للجالون. تفتح هذه الترتيبات فرصة ذهبية لصاحب المركبة العامة يمكنه ان يشتري البنزين المدعوم بسعر 28 جنيها ويعرضه للبيع لمعارفه بمبلغ 100 جنيه علي سبيل المثال , وسيجد الالاف من أصحاب المركبات الخاصة علي استعداد للشراء منه بهذا السعر لأنه اقل من السعر غير المدعوم – 130 جنيه. وهكذا يربح صاحب المركبة العامة ويوفر تعبه واهلاك سيارته ويربح صاحب المركبة الخاصة الذي يشتري بسعر يقل عن السعر التجاري. وهكذا تختفي المركبات العامة من الشوارع.
وقد ذكرنا سابقا ان حل مشكل الدعم بسيط وهو الابقاء عليه وفرض ضريبة تصاعدية حسب الموديل وسعر السيارة علي أصحاب السيارات الخاصة تدفع عند تجديد الترخيص سنويا , ومن الممكن ان يساوي عائد هذه الضريبة تكلفة الدعم الذي يتمتع به أهل المركبات الخاصة. من الممكن لحزب الدقير ان يرفض هذا المقترح ولكن علي كل حال وجود سعرين لنفس السلعة حماقة تفتح أبواب الاسترباح الطفيلي وتهزم الغرض .
النقطة الثانية تتعلق باقتراح حزب الدقير توسيع الدعم المباشر ليشمل مليوني أسرة مع زيادة الدعم من 3 ألف إلى 10 آلاف جنيه. نبادر هنا بالقول ان السياسة العامة وإدارة الدولة ليست ميدان للاماني الشاعرية ومغازلة أشواق مولاي الاسمر كما تعتقد الحكومة. إدارة الدولة تعتمد علي مواجهة الحقائق القاسية التي لا بد من التصدي لها بأعمال العقل وليس بالهيام في ملكوت الاحلام.
فاقتراح السيد الدقير يضيف لتكلفة موازنة دولة مفلسة عشرين مليار جنيه في الشهر أو 240 مليار في السنة . ونحن لا نعترض علي الاقتراح ولكن نطالب السيد وحزبه تحديد مصادر تمويل هذه الاماني العزبة أولا حتى لا يكون الامر رب رب أو كلامولوجي للاستهلاك وتغطية القسوة الطبقية الناجمة عن مباركة رفع الدعم عن المحروقات.
وأيضا علي حزب الدقير تحديد لماذا يشمل الدعم المباشر مليوني أسرة فقط ؟ فما هكذا توضع السياسة العامة . في مسألة الدعم المباشر تكون البداية بتحديد شروط الاستحقاق والاتفاق عليها وفق مقاييس موضوعية , وبعد ذلك يتم تطبيقها علي جميع الشعب بلا تمييز ولو كان عدد المستحقين مليوني اسرة فبها وان كان ثلاثة أو واحد فبها, ولكن في كل الأحوال يبدا تصميم السياسة بتحديد معايير الاستحقاق لا بعدد المستحقين.
النقطة الاخيرة تتعلق باقتراح حزب الدقير بـإعادة توجيه الدعم من الدقيق إلى الخبز في منافذ بيع محددة. ورغم ان هذا الاقتراح لا يقل غرابة عن سابقيه الا اننا نترك تناوله الِي حين اعلان تفاصيله من قبل حزب الدقير.
بقلم
دكتور معتصم الأقرع