رأي ومقالات

محجوب عروة: عفوا حميدتي

استمعت الى حديث الفريق اول نائب رئيس مجلس السيادة ورئيس لجنة الطوارئ الاقتصادية السيد حميدتى وركزت على حديثه حول الارتفاع الكبير فى سعر الدولار والذى وصفه بالعدو الأول فكرنى بعبارة للرئيس التونسى الحبيب بورقيبة :متسائلا من هو العدو الأول لتونس فقال البعض لعله الاستعمار الفرنسى وقال آخرون لعله العدو الصهيونى فقال بورقيبة انه المعيز، احذروا المعيز فهو العدو الأول لتونس لأنه يأكل ويقضى على انتاج الزيتون!!!
ليسمح لى السيد حميدتى أن أختلف معه فالعدو الاقتصادى الأول للسودان ليس هو الدولار ولا هو التضخم بل هو الخلل الهيكلى فى اقتصادنا، هو العجز فى الميزان التجارى وميزان المدفوعات، هو ضو ضعف الانتاج و ضعف الصادرات وضعف تحويلات المغتربين.. هى البطالة والركود الاقتصادى والخلل فى التوزيع العادل للثروة والسلطة والحروب التى ننفق فيها جل الموازنة للقطاع الأمنى يضاف لذلك الفساد المالى والسبب فى ذلك كله سذاجة السياسات والقرارات الاقتصادية والمتناقضة التى أدرنا بها اقتصادنا منذ ستينات القرن الماضى.. انتج كل ذلك الخلل والفوضى المالية بالصرف البذخى خارج الموازنة فقد كنا نفكر داخل صندوق قديم.. كنا ولا زلنا نفكر بدون خيال.. كان الفساد المالى هو الذى أضاع علينا فرص اللانتاج والتوزيع العادل للثروة قطاعيا وجغرافيا خاصة أموال البترول بسبب الفساد والصرف السياسى البذخى على دولة متضخمة فاسدة too much government ..
ثم هناك أزمة الثقة بين المواطن والدولة منذ أن ظلت الحكومات المتعاقبة تستخدم الحافز السلبى فى مواجهة أهل الكسب وتضع سياساتها على أن انهم لصوص لدرجة صار الحسد والتكاره المتبادل هو الواقع وصل درجة الاعدام لمن حاز الدولار والاتهام والعقاب بالسجن مثلما حدث للشهيد مجدى والآخرين. ولعل الناس يتذكرون ما حدث عند بداية تطبيق سياسية التحرير الاقاصادى التى بدأت بتبديل العملة بطريقة فجة وغبية صاحبها عدم العدل والتساوى بين الناس ولم تخلو من فساد وسوء ادارة.
ياسيد حميدتى قناعتى الراسخة نحن فى السودان ليست لدينا مشكلة اقتصادية وليست بلادنا فقيرة بل غنية جدا بثرواتها الكامنة والمالية داخل السودان بالعملة المحلية خارج المصارف وخارجه بالعملات الحرة وبموقعها الجغرافى الاستراتيجى ولكن مشكلتنا فى كيف ندير اقتصادنا بذكاء ووعى وخبرة وخيال خصب فنفكر خارج الصندوق القديم..
نعم مشكلتنا أن الثقة قد فقدت بين من يملكون المال من مواطنين ومستثمرين وبين الدولة والمؤسسات المالية خاصة البنوك فلو توفرت هذه الثقة لجرت كل تلك الأموال فى شرايين الاقتصاد السودانى الشرعى والبنوك وليس الاقتصاد السرى الموازى والسوق الأسود.
ياسيد حميدتى لا يكن القلق من ظاهرة ارتفاع الدولار والتضخم فليس هما المرض انهما مثل الحمى فى جسم الانسان هما عرض للمرض والعلاج ليس بمسكنات التهديد والوعيد بل بالمعالجة الجذرية لأصل المرض وأولها وبالسياسات الاقتصادية الحكيمة وباعادة الثقة عبر الحافز الايجابى.. لقد جرب نظامى مايو والانقاذ سياسة العصا ففشلا وسمعنا نفس التهديد من النميرى والبشير فما هى النتيجة؟ لقد كان الجنيه يساوى ثلاثة دولارات حتى أوخر الستينات ولما طبقت المراهقة الاشتراكية بالمصادرات والتاميم ثم ماسمى تحكم وريادة القطاع العام الذى أضعفته البيروقراطية السلحفائية حدث الفشل. ثم ما اطلقت عليه الانقاذ النظام الاقتصادى الاسلامى – وماهو باسلامى – عبر سياسة التحرير الاقتصادى اذى فشل لأنه غير عادل فى جوهره ومنطلقه سياسة التمكين وكان مثالا للفساد والتلاعب والظلم ففشل أيضا وهو الذى ورثته الثورة ثم بأتى المعارضون للثورة ويضعون الفشل على حكومة بضع أشهر وليس ثلاثون عاما.. تلك قسمة ضيزى..
ان أكبر خطأ أن يعتمد اقتصادنا على وعود كاذبة من الخارج هدفها اجندتها الخفية، لنعتمد بعد الله على عقولنا وسواعدنا فنحن نملك الكثير وعيب أن نكون دولة متسولة أو نرسل الأبناء ليكونوا مرتزقة من أجل حفنة دولارات.. نحن دولة غنية لكننا نتوهم الفقر.. poverty illusion
أذكر السيد حميدتى بأن ألمانيا حين خرجت من الحرب العالمية الثانية محطمة ومفلسة و يحمل المواطن جوالا من الماركات الألمانية لشراء بيضة دجاج خبز واحد بسبب التضخم الجامح وتدهور قيمة المارك (أسوأ من الجنيه السودانى بملايين المراحل) لم يصرخ صناع السياسات الاقتصادية مثل المستشار أديناور ولا رجل الاقتصاد (شاخت) وبأن الدولار هو العدو الأول بل ركزوا على اطلاق طاقات الانسان والاقتصاد الآلمانى فزاد الانتاج والصادرات الألمانية فصار اقتصاده أقوى اقتصاد أوروبى.. لقد دعموا الانتاج وليس الاستهلاك .. هذا هو الحل
محجوب عروة
– السوداني الدولية