رأي ومقالات

بيان وزارة المالية وتضليل العامة في عصر الثورة المجيدة؟

#بيان_وزارة_المالية_وتضليل_العامة_في_عصر_الثورة_المجيدة؟
#أين_نحن_الآن؟
في عصر الثورة المجيدة والدنيا الجديدة، يجب إنتهاج سياسة تواصل نزيهة وشفافة مع العامة قبل الشروع في إجراء الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة. لأنه مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح بمقدور أعداد كبيرة من المواطنين السودانيين أن يعبروا عن آرائهم بشأن السياسات العامة والسياسات الاقتصادية، الأمر الذي يتطلب الالتزام بالشفافية من قبل الجهات الحكومية وخاصةً وزارات الشأن الاقتصادي وبنك السودان المركزي. ونتيجةً لذلك وبسبب الدنيا الجديدة، يواجه صناع السياسات في الفترة الانتقالية ضغوطاً متزايدة لتفسير إجراءاتهم بصورة أفضل للجمهور وتوضيح السبب بكل مصداقية ودون تضليل لهم. هذا يعني أن عليهم بذل جهد أكبر لكي تصبح رسائلهم مسموعة ومفهومة ومصدقة من قبل المواطن السوداني المعطاء.
“في العادة لا أفضل النقد من أجل النقد، وبرضو لأول مرة أعقب على وزارة المالية في أمر يخصها”، وكبادرة لطيفة مني نقدم إليهم مزيج من السياسات والإجراءات الأقل تعقيداً وفق بيانهم المرفق في أول تعليق والصادر يوم أمس، كما يلي:
#الفقرة_الأولي_من_البيان: هي تفنيد المالية لإشاعة شرائها الدولار من السوق الموازي لتغطية حاجة الدولة لاستيراد السلع الاستراتيجية، والأمر متروك للمحفظة… إلخ..
هذا الحديث غير دقيق وبه تضليل كبير، المالية نفسها وافقت في برنامجها مع صندوق النقد الدولي وفق الاجتماعات الافتراضية في يونيو 2020 على الالتزام التام بتقليل التمويل النقدي من البنك المركزي (الطباعة) من أجل الحفاط على قيمة العملة الوطنية من التدهور والتضخم من الصعود.
إتضح أن المالية لم تلتزم البتة بالقصة دي وطلبت النجدة من البنك المركزي، لأن لديها داء عضال وهو “ضعف تعبئة الايرادات” ونتمنى لها الشفاء العاجل، واليوم “ذكر د. حمدوك أن 82% من المال العام خارج سيطرة وزارة المالية”.
ودليل أخر على المعضلة المذكورة، هي سماح المالية لشركات المنظومة الدفاعية بتخفيض مساهمتها في الايرادات العامة (بسبب تداعيات الكوفيد-19)!!! من 110 مليار جنيه إلى 5 مليار جنيه فقط (بمعدل انخفاض 95%). ولو سددت المنظومة هذا المبلغ ممكن مثلاً يغطي للمالية حوالي 49% من فاتورة الاجور والمرتبات (226 مليار حنيه بعد الزيادة التي أجراها د. البدوي).
في مقابل التخفيض أعلاهـ قامت المالية بزيادة سقف الاستدانة من البنك المركزي من 58 مليار جنيه إلى 200 مليار جنية (بمعدل زيادة 200%) حتى نهاية العام، باعتبار “أن بنك السودان غير متأثر بفيروس الكوفيد-19”!!!!! ولكم أن تحكموا؟؟؟!!!
أما المحفظة التمويلية التجارية، فهي ليست لديها Crystal Ball فهي لن “تحل الاشكال”، وبالطبع ستضطلع بعملية الاستيراد المذكورة لكن آلية عملها مثل عملية شراء الدولار من السوق الموازي (لأن الشركات المُوكل إليها الأمر تنتهج مذهب شركة الفاخر)!!!! يلا نطالب وزارة المالية نشر تقارير الأداء المالي بشكل ربع سنوي صفحتهم الإلكترونية لتمليك المعلومة للعامة حيث يساعد توفير المعلومات في الاغراض البحثية برضو!!!!!!
#طيب_العلاج_المقترح شنو للاشكالية أعلاه: يجب أن تسعى وتعمل وزارة المالية على خلق حيّز مالي مناسب يجعلها تقلل ومن ثم توقف طلب التمويل النقدي وفق الآتي:
1. زيادة العائدات (فاعلية الضرائب): زيادة نسبة مساهمة الايرادات الضريبية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 13% حيث أن متوسط دول أفريقيا جنوب الصحراء هو 15%.
حيث أن ورقة غاسبار وآخرين الصادرة عن صندوق النقد الدولي توصلت إلى أن أي دولة تستطيع وصول معدل 12.75% (Tax Tipping Point) كتحصيل ضريبي من الناتج المحلي الاجمالي تستطيع تمويل احتياجاتها دون الاعتماد على البنك المركزي، ولو تجاوزت هذا السقف تستطيع تمويل الانفاق التنموي الذي يعزز النمو الاقتصادي المستدام. ونقصد هنا توسيع المظلة الضريبيبة وليست زيادة معدل الضريبة.
2. الاستحواذ على العائدات: وفق الاعفاءات الجمركية الحالية (فقدان 43% في شكل تعرفة جمركية/ ضريبة، وحوالي 43% في شكل ضريبة قيمة مضافة على الواردات). حيث أن الخسارة الكلية في ضرائب التجارة الدولية لو استطاعت وزارة المالية المالية تحصيلها سوف تضيف لنا نسبة إيراد ضريبي تعادل 1.2% من الناتج المحلي الاجمالي (وستصبح نسبة الجهد الضريبي 8.2% بدلاً عن 7% من الناتج كما في وثيقة الموازنة).
3.مصادر جديدة للعائدات: تحسين عمليات ربط وتحصيل الضريبة وزيادة كفاءتها، وخاصةً أن توظيف التقنية المالية (Fintech) أصبح أحد الركائز الاساسية لتعزيز الموارد الضريبية وتوسيع مظلة المشمولين بها.
4. وقف اعفاء الموظفين الحكوميين الذين تجاوزت خبرتهم 25 سنة خدمة بمؤسساتهم من دفع الضريبة، ودفع الضريبة هي مقياس للوطنية وحب الوطن (Patriotism)، وهؤلاء لديهم مرتبات عاالية نسبياً.
5. تطبيق إصلاحات في الضريبة على الذهب، وعلى استيراد المواد البترولية والمستقات النفطية.
6. الاصلاح المتدرج والسليم للمحروقات (تمثل 79% من إجمالي السلع الاستراتيجية المدعومة، وحالياً تمثل 60% من إجمالي الدعم وفق الموازنة المعدلة). (الهدف هنا مكاسب وفق الطباعة على الاقتصاد وكذلك معاش الناس).
7. تبني الرقمنة بشكل سليم للمساعدة في تقوية وتوسيع برامج الأمان الاجتماعي وتقديم دراسات عن الواقع السوداني والاهتداء بتجارب في المجال من أجل انتهاج اصلاحات بها تلكفة تصحيح يمكن تحملها.
#الفقرة_الثانية: اللغة المستخدمة غير مهنية (الدولار ما زاد ياخي، قول انخفضت قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار). لم يطرأ تغيير جوهري… والزيادة غير مبررة.. إلخ..
ياخي دا كلام شنو: المالية لم تقم بشرح وافٍ بشأن الموازنة المعدلة، حيث فهم الناس أن تخفيض سعر الصرف لحساب المنح والقروض من 55 ج إلى 120 ج للدولار هو الاقرار الضمني بتخفيض جديد (New Devaluation)، وتعديل الدولار الجمركي (زيادة معدل الضريبة على الواردات) بنسبة 30%، يلا وزارة المالية مسؤولة عن المسألة لانها اعطت انطباع لعامة الناس حول التوقعات المستقبلية، وبالتالي سيتوجب عليهم التحرك نحو حماية أصولهم وعملية التحوط (Hedging) من المخاطر السائدة. ” التوقعات دي مبرر كافٍ”
تعلم المالية الدوامة (Spiral) والتي أسقطت النظام البائد، هي أنه بسبب ضعف تعبئة الايرادات، تضطر المالية لطلب الدعم من المركزي، تؤدي العملية دي لتوسع نقدي، وينجم عنها مباشرة انخفاض قيمة العملة الوطنية، ومن ثم ينتقل الأثر في التضخم. وتعلم وزارة المالية أن فجوة التمويل الخارجي مقدرة ب 4.5 مليار دولار والتي يمكن أن تستطيع أن تقلل بها تغطية العجز في موازتنها (To Minimize fiscal deficit monetization).
أما بالنسبة لمخطط ضرب وتخريب الاقتصاد (عليكم الله بطلوا الاقتباس من لغة النظام البائد)، عندك ثورة داعمة، صمم قوانين وتشريعات حاسمة وبعدين الشراكة مع العسكر والجهات الأمنية دي مش من أهدافها حفظ الأمن، طيب تحدثوا معهم حول القيام بدورهم في الأمن الإقتصادي على النحو المطلوب!!!!!!
#طيب_العلاج_المقترح شنو للاشكالية أعلاه:
العلاج هنا مزيج من السياسات، ترشيد الدعم، وتعبئة الموارد لتقليل التمويل النقدي، والوصول لمعالجة عاجلة مع المؤسسات والشركات التي تقع خارج سيطرة المالية. مع سياسات تحد من التلاعب بفواتير التجارة (Trade Mis-invoiving)، والسيطرة على الصادرات المهربة (لأن حصائلها تدخل السوق الموازي بتكلفة عالية) وقد شرحناها في بوست منفصل من قبل، ولابد من إصلاح نظام التجارة الخارجية.
وفي الجانب الخارجي، تعلمون أن نشاط المضاربات في العملات الأجنبية هي مزعزعة للاستقرار وضارة تماماً طالما أن السودان مدرج في قوائم الإرهاب (دي مفتاح إصلاح سعر الصرف). لم أتحدث عن العجز المزمن في الميزان التجاري وسياسات جانب العرض لأنها معلومة للجميع بالضرورة.
#الفقرة_الثالثة: شراء كميات كبيرة من الذهب بأسعار تفوق أسعار البورصة وضخ كميات كبيرة من العملة وأحياناً عملات مزورة وفق مخطط متعدد المسارات من أفراد النظام البائد.. إلخ.
شراء كميات من الذهب دا واقع وشرعي وفق المنشور المعيب، أما الكلام عن تزوير وخلافه في تقديري غير دقيق وخاصة مسألة التزوير (في العادة نسبة التزوير بتكون في حدود 2- 5% من إجمالي الارصدة النقدية التي تمت طباعتها)، وبالتالي هل الوزارة والجهات ذات الصلة ضبطت بالفعل أرصدة مرزورة؟!!! وبالطبع النظام البائد العدو الأول لنا حالياً فما هي سياسات تخفيف المخاطر التي يتسبب فيها؟ ولكن بشكل عام الأسباب ليست التزوير بالدرجة الأولى.
وهل الوزارة انتبهت حقاً للمنشور الناظم لسياسات تصدير الذهب الحر، وذهب شركات مخلفات التعدين، وقد كتبت قبل أيام قليلة أن هذا المنشور الصادر وفق تعليمات اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية في 25 يونيو 2020 هو أحد أسباب كارثة المضاربة في الذهب لعديد الشركات بما فيها شركات الأغذية.
بشأن الشراء باعلى من سعر البورصة هو توجد كمية من الشركات لديها أرصدة نقدية سواء كانت محلية أو أجنبية، وفي ظل هذا الوضع تقوم هذه الشركات باقتناء الذهب وذلك إما لتخزيته أو تصديرة لحفظ قيمة أرصدتها من التآكل. وربما بعض الشركات وجدت في الذهب فرصة لتحويل أرباحها للخارج طالما أن البنك المركزي لا يستطيع الوفاء بذلك بسبب فجوة النقد الأجنبي. تجدر الإشارة إلى د. حمدوك قدر ذكر أن هناك جهات تشتري الذهب بأكثر من 10% من السر العالمي.
#طيب_العلاج_المقترح شنو للاشكالية أعلاه:
طالما المنشور ساري المفعول فإن المضاربات لشراء الذهب لن تتوقف، ونقترح إلغاء المنشور، وإرجاع الأمر أي شراء وتصدير الذهب للبنك المركزي (يوجد أثر سالب ولكن أقل بكثير من الوضع الكارثي الحالي)، ومن ثم تتم دراسة وتأسيس جهة مؤهلة مثل حالة دولة غانا ” الشركة الغانية لتسويق وتصدير المعادن الثمينة” وننصح بدراسة التجربة دي بشكل عاجل للوصول لآلية تقنن عمل القطاع الخاص وتقوم الحكومة بالاشراف والرقابة بعد صياغة إطار قانوني وتشريعي حول هذا الشأن. “أعتقد تلزمني لاحقاً ترجمة التجربة لتعم الفائدة”. والتفكير بشكلٍ جاد في قيام بورصة الذهب والمعادن.
أما فيما يخص التزوير، والأرصدة النقدية في يد الجمهور والتي تمثل حوالي 41% من عرض النقود وفق النشرة الاقتصادية لبنك السودان يونيو 2020 لابد من التفكير في إصلاح العملة وإدخال شكل جديد من النقود في شكل عملة رقمية (Digital Currency)، نظراً لأن تبديل العملة في ظل الوضع الحالي سيكون سياسة غير مثمرة لتقليل نشاط الاقتصاد الموازي، وهي سياسة مجربة من قبل.
#ملاحظة_عامة وأخيرة: على القائمين على أمر سياسة التواصل، الاهتمام بضبط التعابير الفنية (زاد الدولار مثلاً)، والتدقيق اللغوي إن أمكن ذلك، وتنسيق الكتابة وجعلها جاذبة للمتلقي. ونقترح أن تقوم الوزارة بإنشاء جهة متخصصة لتحلل الأراء التي يدلي بها العامة في صفحتهم (لقياس اتجاهات الرأي العام وانطباعاتهم تجاه السياسات الصادرة عنها ومستوى رضاهم العام).
كما يمكن توظيف شركة متخصصة في تحليل البيانات الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي ويكون لديها نظيم خاص بالتعلم الآلي (Data Analytics company having ML Module )
تجدون رابط الورقة أدناه والصادرة عن صندوق النقد الدولي حول ” التواصل كأداة للسيات”
https://www.imf.org/en/Publications/Departmental-Papers-Policy-Papers/Issues/2019/05/20/Frontiers-of-Economic-Policy-Communications-46816

فاروق كمبريسي
21 أغسطس 2020