في خطوة أخرى نحو التطبيع “المتدرج”.. السودان يشارك رسمياً في مراسم “اتفاق أبراهام”
في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه وزارة الخارجية أنها “شرعت في إعداد رؤية شاملة لموجهات سياسات البلاد الخارجية في فترة الحكم الانتقالي”، كانت السفيرة أميرة عقارب القائم بأعمال السفارة السودانية في واشنطن تمثّل البلاد رسمياً بالمشاركة في مراسم احتفال البيت الأبيض بتوقيع “اتفاقية إبراهام” للسلام بين إسرائيل وكلا من دولة الإمارات العرية المتحدة، ومملكة البحرين برعاية الرئيسئ دونالد ترمب، في إشارة أخرى تؤكد أن انضمام السودان إلى قطار التطبيع أصبحت مسالة وقت لا أكثر.
وكان خبر مشاركة نائب رئيس البعثة السودانية في واشنطن في احتفال البيت الأبيض بهذا الحدث أثار موجة واسعة من التساؤلات في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي حول مغزى هذه المشاركة، في ظل الإعلان الرسمي للحكومة السودانية عقب المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مع رئيس الوزراء د. عبد اللله حمدوك إبان زيارته للخرطوم الشهر الماضي، الذي أكدت فيه أن مسالة التطبيع خارج نطاق تفويض مهام الفترة الانتقالية المكلفة بها وفق الوثيقة الدستورية.
وتأتي مشاركة السودان الرسمية في “اتفاقية أبراهام”، على الرغم من الموقف الرافض المعلن، لتعيد من جديد طرح التساؤل حول حقيقة الموقف الحكومي من مسألة التطبيع، لا سيما وأن البيان الحكومي حينها أعطى إشارات ملتبسة بهذا الشأن حينما إشار إلى إمكانية طرح هذا الموضوع بعد اكتمال مؤسسات الحكم الانتقالي في إشارة إلى المجلس التشريعي، بعد تأكيدها في صدر البيان أنها غير مفوضة بذلك دستورياً، في وقت صمت رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى الإدلاء بأية تصريحات عقب محادثاته مع بومبيو، فيما أشارت تسريبات وفق تقارير دبلوماسية إلى أن المحادثات بين الرجلين مضت إلى ما وراء البحث في المبدأ المتوافق عله بين الطرفين، إلى التفاوض حاول المكاسب التي ستتحق جراء ذلك فيما بإعادة تركيب معادلة الفترة الانتقالية الراهنة وهياكلها وفق توازنات قوة جديدة مدعومة دولياً برافعة التطبيع.
وأبلغ مصدر دبلوماسي رفيع “إيلاف”، بأن مشاركة القائم بالأعمال في واشنطن في حفل التوقيع يأتي بالضرورة بتوجيه من رئاسة وزارة الخارجية بالخرطوم بناءاً على توجيه سياسي من قيادة الدولة، فيما لا يزال غير واضح من هو صاحب هذا التوجيه.
بيد أن تصريحين متناقضين للسفير السوداني في واشنطن ونائبته أضاف المزيد من الغموض حول طبيعة المشاركة، فقد أبلغ الدكتور نورالدين ساتي سفير السودان لدى الولايات المتحدة فقد أبلغ فضائية “سكاي نيوز عربية” الخميس عقب تقديم أوراقه للرئيس دونالد ترمب أن “وجودنا في حفل توقيع السلام في البيت الأبيض دليل على علاقاتنا القوية مع الدول المشاركة في هذا الحدث”. فيما نقلت صحيفة “السوداني” في وقت سابق عن نائبة رئيس البعثة السفيرة أميرة عقارب قولها إن حضورها “حفل توقيع سلام إسرائيل والإمارات والبحرين كان بروتوكولياً فقط مثل بقية الدول”، واضافت أن مشاركتها جاءت عقب تلقي السفارة السودانية في واشنطن “دعوة أُرسلت إلى جميع سفراء الدول المعتمدة لدى أمريكا وحضره كُل السفراء”. مُشيرةً إلى أنهُ كان من المُفترض أن يحضر الحفل السفير د. نور الدين ساتي ولكنهُ لم يكن قدّم أوراق اعتماده بعد. وأردفت: كان حُضورنا بروتوكولياً فقط مثل بقية كل الدول.
وتضع هذه المشاركة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك في حرج سياسي بالإشارة إلى موقف حكومته المعلن بهذا الخصوص استناداً على اتفاق مشترك صادر عن قوى الحرية والتغيير، وتعني هذة المشاركة الرسمية في احتفال التطبيع واحد من احتمالين، إما أنها تمت بموافقة مشتركة بينه ورئيس المجلس السيادي على هذه الخطوة، أو أنها فرضت من جانب الفريق البرهان المتحمس للحاق بركاب التطبيع منذ مبادرته المنفردة بلقاء نتنياهو في عنتبي في فبراير الماضي، وفي كلتا الحالتين فإن رئيس الحكومة يجد نفسه مطالب بتوضيح موقفه للرأي العام، ولحلفائه في قوى الحرية والتغيير.
وكانت وزارة الخارجية أعلنت في بيان لها الثلاثاء “شرعنا في إعداد إستراتيجية تهدف لتقديم رؤية شاملة وموجهات لسياسة السودان الخارجية خلال الفترة الإنتقالية”. وأشارت إلى أن الرؤية تستهدي بشعارات الثورة المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة، وفق مضامين إعلان الحرية والتغيير والوثيقة الدستورية وبرامج الحكومة الانتقالية، على أن يتم ذلك في إطار برنامج زمني محدد وآليات للمتابعة والتنفيذ، وأكد البيان على عرض الجوانب الرئيسية من الاستراتيجية في مشاورات موسعة مع المختصين سواء كانوا رجال فكر أو أساتذة جامعات أو إعلاميين أو مراكز البحث، وذلك أن تُدشن رسميًا في أسبوع يُخصص للدبلوماسية السودانية.
الخرطوم/ إيلاف