عزمي عبد الرازق: وداعاً يا شيخ نورين
وداعاً يا شيخ نورين
كان قلبي مقبوضاً طوال ليالي خلت وأنا أستمع إليك بصوت المؤمن المحبر، تمنح روحك للقرآن فتدب فيه طلاوة عجيبة، وأنين كأنين النحل وسع حلقات الترتيل التي تشهد عليها أعمدة وجدران بيوت الله، وكنت قد شددت إليك الرحال قبل أيام قليلة في مسجد أبوبكر الصديق بضاحية بحري، قررت أن احتفظ لك بتسجيلات خاصة، كان الهاتف يرتجف تحت وقع السور، وهى تتصاعد مثل الأترجة، صليت بنا المغرب والعشاء، وتمنيت أن لا تنقطع، تمنيت في سري، وبدا ذلك المسجد ليلتها كما لو تنَزَلَتْ عليه السَّكِينَة، وغَشيَتنا فيه الرحمَة وحفتْنا المَلائكة، كنت دائماً تفعل ذلك يا شيخ نورين، تجمع الناس حولك في مجالس خير وذكر، تعلمهم (ألف لام ميم) يتسابقون في رمضان، زمراً محلقين وخاشعين، كان للحياة معنى، قبيل أن ترحل في هذا اليوم المبارك، خير يوم طلعت فيه الشمس، لتلقى ربك شهيدا بإذنه، ويُقالُ لك” اقرأ وارتَقِ ورتِّل كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها” .
لا شك أننا سنفتقدك وجمع الشيوخ القراء الذين اختارهم الله معك، ليمتحننا فيهم، ونحن في حزن كبير؛ يذكرنا موتك أو رحلتكم الدعوية الأخيرة بمعركة اليمامة، حينها يا شيخ نورين وأنت العارف بكتاب الله، كان شعار الصحابة : “يا أصحاب سورة البقرة يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال”. وقد استشهد في تلك المعركة ألف ومائتا شهيد، كان منهم 70 من القراء، حتى قال الفاروق رضي الله عنه: “إن القتل استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشي أن يستحر بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن. وإنى أرى بجمعه” .
كم نحبك وكم سنفتقدك، وسنفتقد صوتك الأواه المنيب، وكم كانت أمنيتي الوحيدة هى ما أسررت بها إليك لو سمعتني، فيا لفداحة الفقد، وعظم المصاب، مصابنا الجلل، وهى فداحة غيبتك عنا مرة واحدة وأخيرة، كما هى فجائع حوادث المرور في بلادنا، حين أودى مصير مشابه بالشيخ محمد سيد حاج وعبد اللطيف العوض، ليذكرنا موتك بهما، يا شيخ نورين، يا طيب القلب والسريرة، كان خلقك القرآن وكان هو أخر ما تنفسته، فنسألك يالله أن تتغمده بواسع رحمتك تحت الأرض، وأن تستره يوم العرض، ولا تخزه يوم يبعثون “يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلّا من أتى الله بقلبٍ سليم” .
عزمي عبد الرازق