رأي ومقالات

صديق محمد عثمان: جبريل ابراهيم

– امس الثلاثاء الموافق ١٧ نوفمبر ٢٠٢٠ وجه الدكتور جبريل ابراهيم زعيم حركة العدل والمساواة الموقعة على ما بات يعرف بسلام جوبا خطابا سياسيا من منبر وكالة السودان للانباء كاول خطاب له عقب عودته الى البلاد بموجب ذلك الاتفاق.
– وكان مما قاله زعيم العدل والمساواة ان حركته ستعمل مع الحكومة الانتقالية على معالجة الضائقة المعيشية التي تعيشها البلاد واستخدم في هذا جملا وعبارات من شاكلة ( من غير المقبول ان نرى حرائرنا يقفن في صفوف الخبز ) وقال ايضا باننا بلد غني ومن العيب ان نتسول غذاءنا.
– وفي شأن السلام والوفاق السياسي قال د جبريل بان السودان بحاجة الى وفاق سياسي عاجل وانه يمكننا بل يجب علينا ان نعالج خلافاتنا الوطنية بانفسنا بعيدا عن الاجندات الخارجية، وانتقد عمل لجنة التمكين بقوله ليس المطلوب احلال تمكين مكان تمكين سابق وانه غير مقبول ان يكون الخصم قاضيا وحكما.
– غني عن القول ان د جبريل لا يملك عصا سحرية لمعالجة ازمة الاقتصاد السودان وظواهرها في الضائقة المعيشية ولا ينبغي له ادعاء ذلك وهو ما لم يفعله، وربما اختلف معه في قوله بانه سيتعاون مع الحكومة الانتقالية لحل الضائقة المعيشية لانني اعتقد بان الازمة الاقتصادية هي عرض لمرض غياب المشروع السياسي الوطني وان الاقتصاد هو عملية تمويل المشروع السياسي الوطني فاذا غاب المشروع فمن الطبيعي ان يغيب الاقتصاد وتحل محله الازمة والضائقة، ولكنه لبس بدعا من السياسيين الذين يعتلون ظهر المواطن ثم يطلقون شعارات رفع المعاناة عن الجماهير وليس فوق ظهر الجماهير معاناة اثقل من السياسيين العاطلين عن المشروع الوطني فان صدقوا في مساعيهم لرفع (المعاناة عن الجماهير) فاولى بهم ان يرفعوا ثقلهم عنها !!
– لكن اللافت ان فلول كيانات في تحالف الحيرة والتغبيش تلقت خطاب د جبريل ابراهيم بسخط شديد اخرج اضغانهم فلم يستنكفوا ان يقوموا على ذات اللغة والمفردات التي كانت تستخدمها الانقاذ في حربها ضده والكيانات المسلحة الاخرى معه من شاكلة ( تجار الحروب) وغيرها فما الذي اغضب انصار قحت في خطاب جبريل؟!
– حسنا جاء خطاب جبريل في ذات اليوم الذي نشرت فيه صحيفة الديمقراطي حوارا مع الفريق ياسر العطا رئيس لجنة التمكين كان العنوان البارز فيه دعوته الى حل اللجنة ووصف عملها بالانتقامي !! كما ان خطاب جبريل وحديثه عن الوفاق الوطني وعدم احلال تمكين مكان تمكين جاء بعد يومين من خطاب الفريق محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالساحة الخضراء في احتفالات السلام التي غابت عنها سلطة قحت التنفيذية وحضرها السيد ابراهبم الشيخ عن حزب الموتمر السوداني والذي هتفت بوجهه الجماهير فاضطر الفريق حميدتي الى التصدي لهتافات الجماهير وانفق وقتا من كلمته في الدفاع عن ابراهيم الشيخ باعتباره من المعتدلين في قحت وكان لافتا قوله بان الصفوف قد تمايزت واشارته الى ان ابراهيم الشيخ سبق وان تعرض للضرب في اطار دفاعه عن عملية السلام .
– اذن فقد بات واضحا اننا انتهينا الى ما ننتهى اليه كل مرة .. تسقط حكومة بثورة شعبية متعددة المشارب والمنطلقات فينهض تيار يساري علماني صغير متطرف فيستغل فورة الثورة فينفث في الفضاء لغة وثقافة شديدة التطرف ضد كل شيء وبلا مرجعية ولا سند من عرف او كريم اخلاق ويجاهد في حشد الطاقة التي وفرتها الثورة لانجاز ما عجز عن انجازه سلما ودعوة، ولكن لان طبيعة تعريف اليسار والعلمانيين للانجاز نفسه تعريف مخاتل لانه يعرف استهداف الاخر واقصاؤه والنيل منه كانجاز ، فان طاقة الثورة العاتية سرعان ما تدرك خطل هذا التعريف.
– في العام ١٩٨٥ انفرد التجمع الوطني باحتكار تشكيل الحكومة التنفيذية الانتقالية برئاسة الدكتور الجزولي دفع الله ولكن الحكومة سرعان ما اكتشفت ان برنامج التجمع الذي يسيطر عليه اليسار السوداني يقتصر على ( المطالبة بتسليم جعفر نميري والغاء اتفاقية الدفاع المشترك وحل جهاز الامن وعزل كل الذين شاركوا في مايو تحت شعار السدنة ) وهي كما تلاحظ عزيزي القاري كلها (مطالب) يطالب بها ناشطون من جهة ما ان تنفذها لهم وليست مشروعات لكيان يمتلك السلطة، كما انها كلها مطالب سالبة تسعى وراء تعطيل الاخرين ومطاردتهم وليس فيها شيء موجب ولا سياسات بديلة مطلقة متحررة من عقدة الاخر والتوجس منه والانشغال بمقدرته على المنافسة .
– والثورة في لحظة نجاحها هي جماع ارادة الغضب والاستنكار والرفض لسياسات حكومة الوقت ولنجاحها في اسقاط الحكومة لابد لها من توافق عناصرها وتياراتها المختلفة التي تنطلق في غضبتها على الحكومة من منطلقات مختلفة بطبيعة الحال، وبالتالي فان انجاز اسقاط الحكومة يحدث بارادة توافقية وهذا يترتب عليه ان نجاح ما بعد الثورة يرتبط ارتباطا وثيقا بمدى ادراك عناصر وتيارات الثورة لطبيعة الشرعية التوافقية التي انجزت الثورة. ولكن الواقع ان هذا التوافق نفسه يسهم فيه بقدر كبير الشعور ( الانتهازي) اللا ارادي لتيارات الثورة بحاجتها الى تقديم تنازلات عن اهدافها الخاصة مقابل تجميع ارادات التيارات الاخرى لمواجهة خصم هو السلطة المراد اسقاطها. وهذا الشعور ( الانتهازي ) يكتسب صفة الانتهازية اذا ارتد عنه اصحابه بعد نجاح الثورة وزوال الخصم، وعلى النقيض من ذلك فقد يكتسب هذا الشعور صفة الحكمة اذا رسخ عليه اصحابه وادركوا انه استثمار لجزء من اهدافهم المطلقة مقابل تهيئة المناخ لعمل سياسي دووب لا يحقق الاهداف الذاتية المطلقة ولكنه يضع اصحابها على طريق تحقيقها.
– بالعودة الى اخينا جبريل ابراهيم فقد قفز الى ذهني مباشرة مشهدان وانا اقرا الحملة الشعواء التي تعرض لها من قطاعات محددة عقب خطابه المشار اليه سابقا، المشهد الاول خطاب الرئيس البشير بتاريخ ١٢/ ١٢/ ١٩٩٩ والذي اكمل فيه اجراءات المفاصلة مع الحركة الاسلامية والذي تقاطرت بعده جموع من الاسلاميين الى منزله بين مشفق من الخطاب وبين فرحان جزل به وكان من بين الاخيرين شيخ من شيوخ الحركة الاسلامية يومها افقده الفرح بالخطاب وقاره فرفع سبابته مبشرا وهو يقول ( هييييع ود عمي الراجل الضكر) وهي عبارة اصابت الذين حضروها وشاهدوا خروجها المسرحي بالدهشة لانها افلحت في لحظة وامضة في حشد مخزون من المواجد الذاتية كما انها حفرت اخدودا لمسار ضيق شديد الضيق لتطلعات المستقبل للتيار المناصر للرئيس البشير في قرارته تلك وهو المسار الذي سلكته الانقاذ بعد ذلك وهي تستشعر انها تسير داخل خندق في ارض معركة تتطاير فوقها الحمم ويغطي سماءها دخان كثيف يحجب الرؤيا .
– اما المشهد الاخر فهو مشهد تلك اللافتة الكبيرة التي علقت على منصة اعتصام القيادة العامة والتي تقرا ( حميدتي الراجل الضكران الخوف الكيزان) ومن عجب ان العبارة كتبت تحت صورة الفريق اول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع حينها، بينما كتب اعلى صدرها الايمن عبارة السودان الجديد !! وقد تناوب للحديث على تلك المنصة التي علقت فيها تلك اللافتة عدد غير محدود من قادة ما يسمى بقوى الحرية والتغيير التي كانت تدعي حينها تمثيلها للثورة دون ان يستشعر اي منهم حرجا في ذلك. اذن فقد خرجت سلطة الانقاذ ودخلت جماعة الحرية والتغيير تستظل بدات السيف !! ولا عزاء للثوار الحقيقيين وطالبي التغيير، فالثورة عند البعض تعني سقوط السلطة في يده لا في يد الجماهير.
– قفز المشهدان الى ذهني وانا اقرا مساهمات سياسيين واعلاميين ذوي توجهات يسارية وعلمانية في الحملة على خطاب الدكتور جبريل ابراهيم والتي تمحورت كلها في الهجوم على دعوته للوفاق الوطني على اعتبار انها طوق نجاة يلقي به زعيم العدل والمساواة لاخوانه الاسلاميين السابقين!! وقد هالني ما اسمع لضحالته وقصر نظره؛ هل صحيح ان اخوان جبريل ابراهيم من الاسلاميين السابقين في كرب عظيم وبحاجة ماسة الى طوق نجاة يرميه اليهم زعيم العدل والمساواة ؟! ان كان المقصود بالاسلاميين هنا التوجه الاسلامي ومعتقدات غالب اهل السودان فقد وجد العلمانيون المتطرفون في حكومة حمدوك انفسهم في مواجهة متعجلة مع كياناتهم المختلفة بمجرد ان بدا محمد الامين التوم والقراي وغيرهم في الحديث عن مادة القران في منهج التربية والتعليم الابتدائي او مادة تاريخ الثورة المهدية في المنهج المدرسي، اما ان كان المقصود بالاسلاميين اهل الانقاذ فلينظر هولاء السادة الى سجون حكومة حمدوك كم من اهل الانقاذ الحقيقيين يقبع فيها؟ ولكن الاهم من ذلك فلينظروا الى سياسات حكومتهم التي جلست على الكرسي وقلبت الصفحة التالية من ذات الدفتر الذي كانت تقرا منه الانقاذ.
– لقد اخطا د جبريل خطا فادحا لانه لم يدخل حاملا كاسه ويرفعه بوجه الراقصين في حفل المجون السياسي الذي نشاهده منذ اغسطس ٢٠١٩، اخطا زعيم العدل والمساواة لانه قرا الواقع بعين مختلفة عن جماعة هذا الحفل ولا يهم مقدار موافقته للغالبية العظمى من جمهور الذين استمعوا لخطابه واستبشروا بانه يتحدث بلسانهم في دعوته للوفاق الوطني ومناشدته لتشمير السواعد للخروج من الضائقة المعيشية التي تطحن الغالبية العظمى من الشعب. كان المطلوب من د جبريل بحسب هولاء السادة ان يعود حاملا قمصان افرنجي وكرتونات كرملة ويوزعها عليهم حينها كنا سنسمع هتاف ( د جبريل الراجل الضكران).
– الولد الجاي حقايب سفروا تقال
– تقال من جنس كتاب ومجلة
– الحكمة النضم إياهو الكان
– الحكمة الولد اتوضا وصلَ
– عادة البلد الدخلت فيهم سكنت ..
– سكنت ماب تتخلا

صديق محمد عثمان