ما هو مجلس العملة المقترح لحل مشكلة انهيار سعر الصرف المتفاقم في السودان ؟
مجلس العملة ونظم سعر الصرف الأخري:
ذكرت في بوست سابق انه بعد ان تدهور سعر الصرف ووصل الِي 350 جنيه للدولار , ذهب بروفيسور ستيف هانكي, المراقب لانهيار العملات والتضخم الجامح حول العالم, وأستاذ الاقتصاد بجامعة جون هوبكنز, الِي ان الحل الوحيد لمشكلة انهيار سعر الصرف المتفاقم في السودان هو تبني مجلس عملة – علي غرار ما كان عليه الحال في 1957-1960.
وسأل الكثير من الاصدقاء الفيسبوكيين عن ماهية مجلس العملة ( Currency Board). ادناه تناول مختصر للنظام.
مجلس العملة هو نظام نقدي يحافظ على سعر صرف ثابت للعملة الأجنبية .
هذا النظام ملزم للحكومة و يضمن بقوة القانون للمواطنين والمستثمرين الأجانب تحويل عملاتهم المحلية الِي دولارات بسعر ثابت – بافتراض ربط العملة المحلية بالدولار وليس اليورو أو أي عملة اخري.
وهذا يعني ان المجلس, وهو الجهة الوحيدة المخول لها اصدار اإدارة العملة, لن يطبع جنيها واحدا ما لم يوفر نظيره من العملة الأجنبية.
وهذا يجعل المجلس اقرب الِي نظام الذهب حيث يحتفظ البنك المركزي باحتياطي من الذهب يعادل نسبة عالية عن العملة التي يطبعها.
وهذا يعني ان حجم الكتلة النقدية المحلية لا تنمو رب رب بـل تنمو في تناسب مع احتياطي العملات الأجنبية والذهب.
اهم مبررات نظام المجلس هو تحقيق استقرار العملة لان تناقص قيمتها العمودي يربك الإنتاج والتجارة ويضعف الاستثمار يغري بالمضاربة وهروب راس المال. وبالتالي فان الاستقرار في قيمة النقد الذي يحققه المجلس يحفز الانتاج والاستثمار والنمو وتوفير فرص العمل.
من ناحية اخري فان المجلس يحرم صانع السياسة من مرونة التعامل مع طوارئ ميزان المدفوعات وتقلبات دورة الإنتاج ولكنه يمكن ان يكون حل مؤقت لفترة – قد تطول أو تقصر حسب نمو رشد صانع السياسة ومأسسة القرار – في حال انكسار النظام النقدي وعجز العملة الوطنية عن القيام بوظائفها التقليدية.
نظام المجلس مطبق في عشرات الدول ولكن من الواضح انه يصعب علي حكومة السودان التحول الِي نظام مجلس العملة بسلاسة ولكن يمكن التوجه نحوه تدريجيا بطرق مختلفة مثل الدولرة المقننة – بديلا عن دولرة الامر الواقع الزاحفة – وهي ان أحسن تصميمها وتوفرت مصداقيتها كفيلة باجتذاب المليارات من راس المال السوداني المبركن في الخارج .
هناك صيغ متعددة لنظم سعر الصرف في اقصي طرفيها يوجد مجلس العملة وفي الطرف الاخر التعويم الحر الذي تنتويه الحكومة. ومن ضمن الصيغ الوسيطة بينهما, بداية من المجلس ونهاية بالتعويم الحر نجد أنظمة وتـرتيبات الربط الثابت وأسعار الصرف المربوطة ضمن نطاقات تقلب أفقية, ونظام الربط الزاحف واسعار الصرف المربوطة ضمن نطاقات تقلب زاحفة, والتعويم الموجه وأخيرا التعويم الحر الذي تتجه نحوه الحكومة رغم انها ستدعي زورا انه تعويم موجه رغم انها لا تملك لا دركسون ولا ريموت كوتنرول.
لاحظ ان مجلس العملة, الذي يقترحه الخبير المتمرس هانكي, هو العكس بل النقيض المطلق, لتعويم الجنيه الذي تنتويه الحكومة في حماقة انتحارية.
وحتى لو تحفظت الحكومة علي الحل بمجلس عملة الا ان ما لا شك فيه هو ان الخيار الافضل هو مقاربته والسير في اتجاهه بتبني نظام اقرب اليه وان كان اقل صرامة. ولكن للأسف الحكومة تسير في اتجاه معاكس ونقيض لمجلس العملة بتطرف وهو اتجاه التعويم.
أنا شخصيا اقترحت نظام صرف الربط الزاحف كخطوة اولي قابلة للانتقال لاحقا بما انه يحقق استقرار مشروط في قيمة سعر الصرف ويوفر مرونة لصانع القرار ويعفي الحكومة من مشقة الالتزام بتوفير عملات اجنبية تساوي نسبة عاالية مما طبعته وما ستطبعه من عملة محلية.
لو فاتك البوست السابق, نردد ونعيد ان بروفيسور ستيف هانكي هو أيضا زميل أول ومدير مشروع العملات المضطربة في معهد كاتو في واشنطن والمدير المشارك لمعهد جامعة جونز هوبكنز للاقتصاد التطبيقي والصحة العالمية ودراسة الأعمال .
ويعرف هانكي بعمله في اصلاح العملة في بلدان الأسواق الناشئة مثل ألبانيا ، الأرجنتين ، بلغاريا ، البوسنة والهرسك ، الإكوادور ، إستونيا ، إندونيسيا ، جامايكا ، كازاخستان ، ليتوانيا ، الجبل الأسود ، روسيا ، فنزويلا ، ويوغوسلافيا. وكان أحد كبار الاقتصاديين في مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس رونالد ريغان وعمل مستشارًا لرؤساء دول في جميع أنحاء آسيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا والشرق الأوسط. وهو معروف أيضًا بعمله الرائد في مجالس إدارة العملات ، والدولرة ، والتضخم المفرط ، وتسعير المياه والطلب عليها ، وتحليل تكلفة الفوائد ، والخصخصة ، وغيرها من الموضوعات في الاقتصاد التطبيقي.
د. معتصم أقرع