“سد النهضة”… عقد من المفاوضات حول قواعد التشغيل وقرن على “اتفاقات” لم تجد نفعا
يقترب الموعد الذي حددته إثيوبيا لتنفيذ الملء الثاني لسد النهضة، وهو موسم الأمطار، بنهاية حزيران/ يونيو المقبل، ضاربة عرض الحائط بكل المطالبات التي تقدمت بها مصر والسودان، وهما المتضرر الأكبر من النقص في المياه، الذي سيحدثه هذا الملء.
القاهرة – سبوتنيك. “سد الألفية” أو “قيامة إثيوبيا”، هكذا يحلو لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أن يطلق على هذا المشروع الأضخم من نوعه على مستوى القارة السوداء، متهما من أسماهم بـ “المنافسين”، ويقصد هنا القاهرة والخرطوم، بـ “إلقاء الحجر الأخير”، الذي يعرقل مسيرة بلاه.
صرح عملاق
المفاوضات أفضت إلى مفاوضات، 10 سنوات من التفاوض، بلا نتيجة تذكر، حول ما تريده القاهرة والخرطوم، وما “لا تستمع إليه” أديس أبابا؛ وهو الاستخدام الأمثل لمياه نهر النيل، حسب الاتفاقيات الدولية، والتوافق على آليه لإدارة وتشغيل هذا الصرح العملاق، لكي يكون مفيدا لإثيوبيا، ولا يسبب الضرر للآخرين.
تتهم مصر والسودان إثيوبيا، بالتنصل من اتفاقاتها الدولية؛ وترد إثيوبيا بأن مصر والسودان يحاولان التدخل في سيادتها، عبر استدعاء اتفاقات ثنائية “غير عادلة من الحقبة الاستعمارية”.
وتتمسك القاهرة والخرطوم باتفاقية وقعت زمن الانتداب البريطاني، في أديس أبابا، عام 1902؛ التي بموجبها اتفقت بريطانيا مع ملك إثيوبيا، منليك الثاني، على ترسيم الحدود بين بلاه والسودان.
اتفاق ملزم
وبموجب الاتفاقية، اعترفت لندن بسيادة إثيوبيا على إقليم “بني شنقول” (حيث يقع مشروع سد النهضة حاليا)؛ وفي المقابل تعهد الإمبراطور الإثيوبي، بألا تقوم بلاه بإنشاء، أو السماح بأعمال بناء من شأنها الحد من تدفق المياه؛ وذلك على نهر النيل الأزرق (الذي ينبع من إثيوبيا) أو بحيرة “تانا”، أو نهر السوباط، إلا بعد الاتفاق مع حكومتي بريطانيا والسودان.
ومع تعقد الموقف وتوقف المفاوضات، تزداد مخاطر الملء الثاني للسد، خاصة على السودان؛ حيث سيؤدي النقص في المياه إلى عجز السدود السودانية عن توليد الكهرباء، وسيبقى خطر تعرض السودان لفيضان قائما، حال حدث أي خطأ خلال عملية الملء، أو تعرضت أية أجزاء من سد النهضة إلى الانهيار.
ورغم أن السودان هو البلد الأكثر “عرضة إلى الخطر”، بسبب سد النهضة، فإنه يبقى هو الوسيط الأمثل لحل النزاع بين مصر وإثيوبيا؛ وذلك حسب ورقة بحثية لمركز “كارنيغي” الأمريكي للشرق الأوسط، للباحث المصري، شريف محي الدين.
تقول الورقة، “هناك عدة عوامل تؤهل السودان للتوسط بين مصر وإثيوبيا، أولها أن السودان لن يكون في منأى عن التداعيات في حال نشوب نزاع بين الدولتين المجاورتين له، بل سيتحمل المواطنون السودانيون العبء الأكبر لهذا النزاع؛ ومن المرجح أن يتحول إلى ساحة قتال، ولأن السودان الأكثر تعرضا لخطر الفيضانات”.
وتعتبر الورقة أن نجاح السودان في وساطته، بين القاهرة وأديس أبابا، سيعلي من مكانته الإقليمية والدولية؛ خاصة “في ظل جهود الحكومة الحالية للابتعاد عن الماضي الذي كان السودان فيه دولة منبوذة”، حسب تعبير الباحث.
وفي حديث مع وكالة “سبوتنيك”، اعتبر محي الدين، أن مواقف الدول الثلاث من قضية السد، لم تخل من مبالغات، أدت إلى تعقيد الموقف في عديد من مراحل التفاوض؛ حيث أن “أزمة سد النهضة مرت بتغيرات عديدة، منذ عشر سنوات هي عمر السد”، موضحا أن “الموقف المصري حاليا هو أفضل موقف اتخذته القاهرة في هذه القضية، خلال 10 سنوات؛ ولو كانت اتخذت هذا الموقف منذ عشر سنوات، لأصبح الوضع مختلفا كليا الآن”.
وذكر قائلا:
في البداية، كانت هناك مبالغة في الموقف الأول للقاهرة بالاعتراض التام على بناء سد، والتهديد بعدم السماح بالمساس بمياه النيل. وهذه مبالغة أدت إلى خسائر كبيرة لمصر، أما حاليا فمصر اعترفت بوجود السد وتختلف مع إثيوبيا حول قواعد التشغيل، وليس على وجود السد.
سيادة وطنية
أما الموقف الإثيوبي، فيرى محي الدين، أنه كان وما زال مبالغ فيه، “وأثيوبيا تتعامل مع سد النهضة على أنه قضية سيادة وطنية، ومشروع قومي، ومياه النيل [الأزرق] تخصها وحدها”، معتقدا أن الموقف الإثيوبي، يضرب بعرض الحائط، ليس فقط الاتفاقات الخاصة بمياه النيل، وإنما مبادئ القانون الدولي نفسه، “التي تؤكد، إنه طالما هناك نهر عابر للحدود، فإن أي أعمال تؤثر على هذه المياه يجب إشراك الدول الأخرى فيها”.
وقال موضحا، “إثيوبيا تحاول توظيف قضية السد لمعالجة مشاكلها الداخلية، عبر تصوير مصر كعدو خارجي يرفض تنمية أثيوبيا ونهضتها. ويتعاملون [الإثيوبيون]، وكأن السد سيوحد جبهتهم الداخلية، دون الاكتراث بمصير مصر والسودان”. فيما تعاني “إثيوبيا فعلا من أزمة في الكهرباء، وتحتاج إلى السد؛ لكن يجب الوصول إلى اتفاق مع مصر والسودان”.
العربية نت