منحة شهرية للعاملين.. “10” ترليونات جنيه تثير مخاوف زيادة التضخم
تعتزم الحكومة وضع زيادة جديدة على أجور العاملين بمؤسسات القطاع العام، بمنحة قدرت بمبلغ “10” مليار جنيه، “10 ترليون جنيه”، واعتماد المبلغ على شكل منحة شهرية غير خاضعة للضرائب، وهو ما يثير قلق ومخاوف المختصين من ارتفاع حتمي لمعدل التضخم المرتفع ـصلًا.
وفي العام الماضي زادت الدولة أجور العاملين بنسبة 568%، وسرعان ما أدى ذلك لارتفاع معدلات التضخم بصورة مخيفة، والآن بعد تلك التجربة قرر مجلس الوزراء تقديم منحة شهرية قيمتها 10 مليارات جنيه لكل العاملين بالدولة، غير خاضعة للضرائب، تُخصص النسبة الأعلى للدرجات الأدنى، لمقابلة الظروف الاقتصادية الحالية اعتباراً من يوليو 2021م، غير أن مسؤولين في القطاع الاقتصادي ومحللين اقتصاديين يرون أن المنحة هذه ستخلق مزيداً من التضخم وستزيد من حجم المعاناة التي أثرت بشكل كبير على معيشة المواطنين، لكن بعض التساؤلات الملحة تطرح نفسها ماهي مصادر المنحة..؟ وما مدى استدامتها..؟ وكيف تكون انعكاساتها على العاملين والمعنيين بها في الدولة.
منحة شهرية للعاملين
ومؤخرًا عقد مجلس الوزراء اجتماعاً مغلقاً استعرض فيه الأوضاع العامة، وسبل مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها البلاد، وأصدر المجلس خلال اجتماعه مجموعة من القرارات المرتبطة بأولويات الحكومة الانتقالية الخمس المُعلنة، وضمن هذه القرارات في المجال الاقتصادي، والتي شملت التأكيد على استمرار الدعم الحكومي للدواء وغاز الطبخ والكهرباء والدقيق، والبدء الفوري في حملات فرض الرقابة على الأسواق وضبط الأسعار، مع مُصادرة وتسليم الذهب المُهرّب والعملات المُصادرة لبنك السودان المركزي، والبدء فوراً في إدخال مليون أسرة تحت مظلة التأمين الصحي بتمويل من وزارة المالية وديوان الزكاة، إضافة إلى تقديم منحة شهرية قيمتها 10 مليار جنيه لكل العاملين بالدولة، غير خاضعة للضرائب، تُخصص النسبة الأعلى للدرجات الأدنى، وذلك لمقابلة الظروف الاقتصادية الحالية اعتباراً من يوليو 2021م، كما أمن الأجتماع على البدء الفوري في تفعيل الجمعيات التعاونية الإنتاجية والاستهلاكية، ومراجعة الهيكل الراتبي لإزالة تشوهاته، وتطبيق الهيكل الراتبي الجديد ببداية السنة المالية الجديدة 2022م.
إرضاء الشارع
فيما يعتقد عضو اللجنة التأسيسية للتحالف الاقتصادي، حسام الدين حسن، أن تكون المنحة بذات الأثر بعد زيادة الأجور في العام الماضي بنسبة 568% وهي المزيد من التضخم وكانت قد تحدثت عنه وزيرة المالية هبة محمد علي بحيث أنتجت تشوهات هيكلية وبالتالي هم الآن غير قادرين على دفع الأجور ولجأوا لطباعة العملة، فبالتالي إذا كانت هذه الـ10 مليارات وهي 10 ترليون بالقديم شهرياً قد تكون مصيبة لكن إذا عملت على تغطية الـ6 أشهر القادمة بمعدل 2 ترليون جنيه غير خاضعة الضريبة هذا معناها زيادة في التضخم وبالتالي سيتجهون بها إلى السوق وستخلق طلباً عالياً علاوة على السياسات بعد ارتفاع التضخم والتحرير والجمارك، وبالتالي سيصبح أثرها التضخمي كبيرًا جدًا، وعن مصادر المنحة قال: لم نعرف عنها شيئاً والغرب لا يمكن أن يعطيك مبالغ وأنت تقدمها مرتبات للاستهلاك، وأعتقد أن الحكومة ليست حريصة على المحافظة على التضخم لكن حريصة على إرضاء الشارع وهذا نفس نهج النظام السابق، وتوقع أن يكون هذا ما تسير عليه الحكومة، واعتبر هذا النهج تخبطاً والتفافاً حول المعارك الحقيقية التي تناولها في المؤتمر الاقتصادي فيما يتعلق بدعم الإنتاج وتغيير العملة ودخول الشركات الحكومية في مجال الإنتاج والاستيراد لضبط الاضطراب الذي سيحدث في السلع الأساسية والتي سترفع عنها الجمارك والتي ستصبح جماركها مخفضة أو صفرية وبالتالي سيؤثر ذلك على تجار السلع، وأشار إلى أن معظم الحلول موجودة في موقع المؤتمر الاقتصادي وبقدر ما تأخرت الحكومة في تنفيذ توصيات المؤتمر الاقتصادي ستفاقم من مشكلاتها، وأعرب عن آمله في أن تكون الفترة الانتقالية متسقة اجتماعياً واقتصادياً وذات اتساع سياسي.
تبرير لطباعة العملة
يقول المحلل الاقتصادي والأكاديمي، بروفسير عصام الدين عبد الوهاب بوب، لابد أولاً من تعريف ماذا نقصد بتقديم منحة شهرية قيمتها 10 مليارات جنيه لكل العاملين بالدولة، غير خاضعة للضرائب هذه تُخصص النسبة الأعلى فيها للدرجات الأدنى، عدة تساؤلات طرحها بروف بوب هل هي منحة أم علاوة دائمة تضاف للرواتب..؟ وتعجب قائلاً هذا يعني أنها علاوة غلاء معيشة أي دعم للعاملين، وماذا عن باقي الشعب السوداني..؟ وهل تشكل شريحة العاملين في الدولة القسم الأكبر من الشعب الذي يحتاج لدعم استهلاكه الضروري من السلع، وقال بروف بوب إن المبلغ في حد ذاته لن يكون كبيراً وبالتالي لا يغطي العجز الهائل في حجم الدخل للموظف واحتياجاته اليومية، واعتبر أن هذا ليس دعماً وإنما حقنة مخدرة تعطيهم المبرر لطباعة مزيد من الأموال وضخها لكتلة نقدية هائلة.
مشاريع لخفض المعاناة
بحسب ما يراه المحلل الاقتصادي، محمد النيل، فإن الدولة لديها مصادر دخل متعددة في الداخل وأهمها الجمارك وضرائب القيمة المضافة وزائداً على ذلك الأموال الضخمة المستردة عبر لجنة التفكيك من رموز نظام الحكم السابق، ويعتقد أنها أموال طائلة إذا أحسنت الدولة إدارتها سوف توفي بالوعود التى اطلقتها الحكومة الحالية بعد الاجتماع الأخير.
ويضيف: عادة عندما يتم زيادة المرتبات ينتج عنه زيادة في التضخم، وتابع: إذا لم يلي ذلك زيادة في الإنتاج فلن يكون لتلك فائدة ملموسة على حياة الناس، لكنه يرى أنه من الأفضل ضخ تلك الأموال فى إنشاء مشاريع إنمائية تخلق مزيداً من فرص العمل وزيادة الانتاج التي تساهم فى خفض المعاناة المعيشية.
تحليل
بالمقابل يرى المحلل الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان محجوب، أن منحة الحكومة تساوي حوالي عشرين مليون دولار تقريباً وهذا مبلغ تستطيع الحكومة توفيره من المنح المقدمة لها من شركاء السودان ومن الأمم المتحدة غير أن المبلغ يساوي حوالي 25% من حجم المرتبات الحالية إذن متوسط المنحة حوالي 25%، وزاد: بما أن القرار الصادر من مجلس الوزراء تضمن بندا ينص على أن تكون الزيادة أكبر للدرجات الدنيا فغالباً تتراوح الزيادة في المرتب بين 15% إلى 50%، ويعتبر أن هذا مبلغ بسيطاً مقارنة بحجم التضخم البالغ 400% تقريباً، وبالتالي لن يكون متماشياً مع الزيادة الكبيرة في الأسعار التي تسبب فيها انهيار سعر الصرف للجنيه السوداني.
مرتب دون الاحتياجات
يقول الباحث الاقتصادي هيثم محمد فتحي، إن المنحة تأتي في وقت يعيش فيه المواطن السوداني أوضاعاً معيشية صعبة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية بسبب التحولات السياسية والاقتصادية التي يشهدها السودان، مضيفاً بأن الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع والخدمات وسعر الصرف، جعلت مرتب العامل لا يغطي 5% تقريباً من تكلفة الحياة المعيشية، مبيناً أن المنحة للعاملين في الدولة ستحل مشكلة نحو 7 ملايين سوداني، من العاملين ومن يعولونهم، من جملة 40 مليون عدد سكان البلاد، ويرى دكتور هيثم في حديثه لـ”نبض الثورة” أنه كان يفترض التفكير بشكل كلي لحل مشكلة اقتصادية تواجه كل مواطني البلاد، لافتًا إلى أن المنحة الحالية تعد غير حقيقية في ظل ارتفاع الأسعار، وطالب بضرورة معالجة الخلل الهيكلي في الاقتصاد السوداني، من ارتفاع معدلات التضخم وعجز في الموازنة، وقال نحتاج أن ندرس كل الجوانب الاقتصادية بشكل متكامل لأنها تحتاج إلى توحيد الهيكل الراتبي، ومعالجة التشوهات والترهل الكبير في الوظائف الحكومية، كما نحتاج إلى موارد حقيقية، ويقول إن وزارة المالية ستجد صعوبة في استدامتها في ظل بطء وانكماش الاقتصاد، موضحاً أن عجز الموارد الحالية يستلزم تخفيض الضرائب، وتقليص الإنفاق العام في الدولة، بما فيه الفصل الأول (المرتبات)، وليس زيادتها.
الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة