هشام الشواني: صورة قاتمة

يقول البعض من المهم أن تبلور لجان المقاومة رؤية سياسية وبرنامج يقدم كترجمة لما يطلبه الشارع. قلت: لا يمكن أن يحدث ذلك للأسباب الآتية:
١- لجان المقاومة شكل أفقي شبكي غير محدد، بلا نهاية ولا بداية، شكل تنظيمي يمكنك أن تدخله أو تخرج منه في أي وقت وكل حين، شكل يمكن أن ينقسم على نفسه كالأميبيا، الطبيعة الأفقية الشبكية الأميبية هذه لن تصنع قيادة، جوهريا هي تشكلات ضد فكرة القيادة أصلا.
٢- ظاهرة الخروج في الشارع ظاهرة أوسع من ظاهرة لجان المقاومة نفسها، أكثر شبكية منها؛ بالتالي ومهما اجتهد البعض لنقل الناشطين في اللجان للتفكير السياسي سيجدون أنفسهم وفي لمح البصر خارج طريق الشارع، سيشعرون بالتناقض معه فيصمتون. فظاهرة الشارع هي محصلة علاقات شبكية أوسع تحددها الميديا الحديثة، وهي في عمقها نتاج من هيكل اجتماعي واقتصادي خلق فئات شبابية ضخمة في المدن، لا يستوعبها النظام الانتاجي والتوزيعي. ورغم ذلك هي خاضعة لثقافة ليبرالية عولمية تضع لها خطاب الحقوق في المقدمة بلا تفسير لما يحدث؛ هؤلاء هم المادة الخام للثورة الملونة واحتجاجات قوس قزح الحالية.
٣- السياسة نفسها صارت مهنة وحرفة، بمعنى أن التنظير فيها يحتاج لمؤهلات علمية وأكاديمية وإدارية، وهذه المهارات تتوفر إلا في نخبة برجوازية جزء كبير منها صار خاضع لثقافة ليبرالية غير وطنية، هؤلاء لا يمكن الاعتماد عليهم في إدارة الدولة وإلا فرطوا فيها وفي سيادتها الوطنية، هؤلاء متحالفون مع الشرط الاجتماعي والثقافي الذي صنع اللجان وصنع الشارع وبالتالي هم غير حريصين على المواجهة ودعم ما يمسك الدولة السودانية من الانهيار. هؤلاء تجدهم يدورون في فلك اللجان والشارع وهم كاذبون فمصالحهم متحققة ومضمونه في كل الحالات.
بالتالي لن يحدث جديد ولن نرى تقدم في السياسة الوطنية على المستوى القريب، وبالضبط هذا معنى المخاطر والاستهداف على الدولة الوطنية والثقافة الوطنية والإسلامية والمحلية، هذه الظاهرة التي نسميها ظاهرة (قوى التحلل والتفكك) تنبئ عن مستقبل مظلم لا يخرج عن سيناريوهين:-
١- حكم عسكري يضبط هذا التفكك، حكم يهاجم قوى اللادولة، اللاسياسة، اللاوطنية، اللاتفكير. وهذا سيناريو خطير نرفضه لسبب واحد هو:
إن تحققه يعني موت السياسة، وبالتالي اللجوء للدفاع بقوة الدولة، وهذا الخيار غير ممكن على المدى الطويل لأن الدولة نفسها ضعيفة، وغير سليم لأن لحظة الانهيار ستأتي مع السقوط مباشرة. يجب ألا نواجه قوى التفكك والتحلل بخط دفاعنا الأخير. يجب أن نهاجم ونتحرك للأمام.
٢- الانهيار والتفكك التام، لدويلات صغيرة، وشتات سوداني في كل مكان.
هذه الصورة قاتمة بالتأكيد، وهي ناتجة من ظروف اجتماعية واقتصادية قبل أن تنعكس في مخطط سياسي أو تدخل خارجي، بالتالي فما نقوله ليس نظرية للمؤامرة، لأن المؤامرة هي النظام كله والشروط التاريخيةكلها.
هل يمكننا إذن الحديث عن حل؟
نعم يمكننا دوما الحديث عن حلول، وكلمات الحل المفتاحية هي: (السياسة والحوار والتفاهم) في أي لحظة نرى فيها ما يمكن تسميته بسياسة عقلانية جادة، وحوار فعال وعميق وجاد، وتفاهم يقود لتوافق في حدود معقولة. في أي لحظة نرى هذه الأشياء سنجد حينها الحل مباشرة وهنا فدور المثقفين والسياسيين الوطنيين مهم، دور مواجهة الشروط الثقافية الليبرالية مهم، دور بعث قيم التضامن والتعاون مهم كذلك.
هشام الشواني






*حال وجذب*
” الحال: نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم”
الجُنيْد
” الجذب: هو غياب الحس بالكلية لترادف أنوار المحبة والعشق”
أحمد بن عجيبة الحَسَني
الحال عند الصوفية :معنًى يَرِدُ على القلب بدون تكلّف ولا اصطناع، تفقد النفس فيه خصائصها الأنانية من إثرة وطمع وحقد وغضب.
هل ما نراه الآن في السودان هي *حال ثورية*؟
هؤلاء الشباب تراكمت عندهم عوامل الثورة و بواعث الرفض حتى أثمرت جيلاً فقد الثقة في السلطة والنظام وكل قديم . يعيشون في حالة هياج ثوري ، تنتهي مسيرة فيتشوقون لللتي تليها ، لا يشغلون أنفسهم بالنتائج والمآلات لكن همهم المواصلة وعدم الإنقطاع.
أعدادهم؟. العدد والنسبة تفيد عند حدوث إنتخابات ، وهذا ليس أوانها. الفاعلية هي الرهان، وقد كسبوه.
يشفق الناس على أهل الأحوال و أهل الأحوال يرون أنفسهم في أحسن حال، وكذا هؤلاء الثوار.
جيلٌ تجاوزت أحلامه الواقع ، يرى في الوضع القائم أغلالاً تكبل سعيه لبلوغ تلك الأحلام .
الأماني والأحلام عادة لا ترتبط بالواقع، أو هي تتسامى فوق الواقع . لتعيش الحلم فلا تفتح حواراً أو نقاشاً مع الواقع . السياسية هي “فن الممكن” فالسؤال عن الممكن يفتح الباب للحوار والسياسة لكنه يقتل الحلم . أغلقوا باب الحوار وسدوا دروب السياسة حتى لا يموت حلمهم .
أرجئوا السؤال عن البرنامج حتى لا يُفتَحَ نقاشٌ مع الواقع ويثير تساؤلات عن الممكن ، ليستمر الزخم الثوري.
الثوار يرون في السلطة أصل الداء ومكمن الوباء ، يصُبُون غضبهم على كل من ينال نصيباً منها. ليكسب أي تنطيم سياسي قوة الشارع فعليه ألّا يقرب السلطة ولا يتعاطى مع السياسة ، ولو إلى حين ، فليكتفي بالحشد العاطفي ويتلبّس المد الثوري ولو تملقاً . لن تطيق الأحزاب السودانية الصبر على ذلك، إذ تراودها السلطة ولا تريد خسارة الشارع . التملق والتزلق هو السبيل . خسر ويخسر من يفتح قنوات إتصال أو حوارا، لذا ستظل مغلقة.
العقلانية: ومتى كانت الأحلام تقاس بالعقل؟ و قد قِيلَ أنه إذا حضر العقل، فُقِدَ الجذب.
إذا دامت الحال صارت مقاماً ، و المقام يُنَالُ ببذل الجهد.
فهل تستمر *حال الثورة*؟. وإذا اصطدمت بالواقع، إلى أي مقامٍ تؤول؟ إلى *مقام الفوضى* أم *مقام الدولة* ؟. أريدها الثانية وأراها الأولى ولا حول ولا قوة إلا بالله.