رأي ومقالات

القرآن كتاب الحياة

والقرآن كتاب الحياة التي أراد الله للإنسان أن يحياها . فالحياة الطيبة التي تجعل الإنسان سعيداً إنما تحصل بالتناغم بين الإنسان ونفسه ، والإنسان ومجتمعه ، والإنسان وبيئته . ولن يحصل ذلك إلا إذا كانت معرفته مصدرها من عليم خبير بالأنفس وسنن المجتمعات وسنن الطبائع والأكوان . ولئن كان بعض الناس يرضى لنفسه ولمجتمعه ولحضارته حياة بهيمية هي حياة التكاثر من الشهوات والإستجابة للغرائز، فليست تلكم هي الحياة الطيبة التي تسعد بها روح الإنسان . فالله خلق الروح متعالية لا تسعد إلا بالسمو . ولا يتحقق السمو إلا بوضع الأمور مواضعها من الحق. وفعل ذلك أي وضع الأمور في نصابها الحقيقي ، هو الخير، وثمرة ذلك هو الإنسجام والإتساق الذي هو عين الحسن والجمال . ونحن من تجاربنا في الحياة نعلم أن الحياة لا تتبعض فهي نسيج واحد متكامل متفاعل إذا اشتكى منه عضو تجاوب معه سائر الجسد بالسهر والحمى . والله سبحانه وتعالى يريد للمجتمع الصالح أن يكون كذلك وللأمة الشاهدة أن تكون كذلك.
ولن يتحقق ذلك إلا بالتحقق بمعاني القرآن فهي هادية الإنسان لمعرفة ربه مالك الملك الممسك بأزمة الأمور كلها ومقاليدها . وهو العليم الذي لا تخفى عليه خافية في أقطار الأرض أو في خبايا النفوس . وهو المتصرف في الأكوان فلا يكون شيء إلا بأمره أو إذنه . ولا تسقط ورقة ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا بعلمه . وهوصاحب الإسم الأعظم الذي يتجلى في الحق مبيناً ظاهراً واضحا . وهو الرب الأعظم المتولي أمور عباده جميعا جلها ودقها . وهو صاحب الأسماء الحسنى والصفات الأسنى التي تجذبنا نحو السمو فلا نزال في ترقي مستدام ولا وصول، وكيف يكون وصول إلى حيث لا حيث. وإذا عرف الإنسان ربه عرف نفسه ،فإذا ذكر الإنسان ربه ذكر نفسه وإذا نسيه نسى نفسه (نسوا الله فأنساهم أنفسهم ) فما من حاجب للحق مثل تضخم الذات الإنسانية فإذا تضخمت ذات الإنسان لم ير غيره وإن لم ير الأغيار فكيف يميز نفسه ويعرفها حق معرفتها . ومعرفة الإنسان لعبادة الله ترده إلى مكانه الحق بين الناس ومقامه الصحيح في الأكوان . والقرآن هو الدليل لمعرفة الله ومخلوقاته وسننه في ما خلق وصنع . وبمعرفة طبائع الأكوان يتعرف الإنسان كيف يمكن له أن يضاعف من خيراتها ، ويكثر من ثمراتها . فهي مسخره له بما علم من سننها وبما أحسن عمل فى تسخير تلكم السنن لتوافق مرادات الحق والخير والجمال. فالقرآن هو دليل الخالق على الأكوان ، ظواهرها ومظاهرها ،سننها وطبائعها ” إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) فمخلوقات الله وسننه دالة على الخالق الذي خلقها وهى في انسجامها واتساقها دالة على وحدانية الخالق . وهي من بعد دلالتها على وحدانية فعل الخالق دالة على صفاته التي كلها صفات حق وخير وجمال . والعين التي تبصر بذلك في الطبيعة المجبولة لا تغفل عن رؤية معانيها في حكمة الخالق المدبر ” سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق”. فالقرآن هو كتاب الله المسطور لمعرفة آيات الله المبسوطة في الطبائع وفي الأنفس والآفاق . ولكن كثير من الناس يغفلون عن ذلك لأنهم لا يتفكرون ليولدوا المعاني المتكاثرة ولا يتدبرون ليروا معقبات الأعمال الصالحة . ويكتفون بالقراءة الصوتية للقرآن ، ويغفلون عن حقيقة أنه أنما أنزل القرآن لتحسين الحياة . وإنما أنزل للعمل به لتحقيق النمو بالحياة والإرتقاء بها إلى أعلى عليين . ولا ينال كمال ذلك إلا في الجنة ولكن واقع الحال بين الناس كما قال سيدي الحسن البصري “أنزل القرآن للعمل به فجعلوا تلاوته عملاً” وما ذلكم بحق التلاوة وأيم الله ،أنما حق التلاوة أن يتلوها العمل الصالح الذى ينتفع به الناس وتنصلح به أحوال الطبائع والأكوان.

أمين حسن عمر
من كتاب الترابي حياة الأفكار

‫3 تعليقات

  1. دعك يا خليل من الكيزان اعمل انت بالقران ودعهم لربهم يحاسبهم
    يكفي انهم يدعون له ويجتهدون .اما الشيوعي والبعثي وبني علمان فلايريدون القران اصلا ولا يدعون الناس له فكيف يطبقونه

    1. ولكن الكيزان لم يدعوني وشأني وإنما نصبوا أنفسهم على حكاما بقوة السلاح عن طريق الإنقلاب العسكري .. فكيف تطلب مني أن أدعهم وشأنهم !؟