السعر التركيزي للقمح .. مأزق الحكومة والمزارعين
منذ إعلان الحكومة للسعر التركيزي للقمح سادت حالة من التذمُّر وعدم الرضا وسط المزارعين بولايات الإنتاج، وبرز كذلك من جانب المزارعين اختيار التعبير عن الرفض بواسطة الاحتجاجات وتتريس الطُرق تعبيراً عن عدم القبول بأي سياسة تفرضها الحكومة على المنتجين، كما أفادت تصريحات بعض المزارعين بمشروع الجزيرة بأنهم قد واجهوا تحديات كبيرة متمثلة في عدم توفير سماد اليوريا، فضلاً عن شرائه من السوق بأسعار أعلى، وكذلك الرسوم الضريبية ومن ثم تحديث السعر التركيزي لجوال القمح دون المراعاة لتكلفة الإنتاج، ومن الملاحظ تغيَّبت الدولة متمثلة في وزارة الزراعة والبنك الزراعي، عن القيام بدورهما بشراء القمح بدلاً من جعله تحت تلاعب التجار والسماسرة، وما صرَّح به معظم المزارعين أنهم في حالة من الاستياء نسبة لعدم التزام الدولة بشراء القمح، كما أعلنت عنه، ويرى كثيرون أنهم ما عادوا يفكِّرون في زراعة القمح الموسم القادم وذلك لتكلفته العالية.
أزمة قائمة
وسبق أن كانت اللجنة المفوَّضة من قبل المزارعين بمشروع الجزيرة والمناقل رسمت صورة قاتمة لمخرجات مؤتمر إبراهيم عبدالله، الذي انعقد في يناير الماضي، وذهبت توصياته للمجلس السيادي، وبرزت خلاله مشكلة حقيقية تواجه المزارعين في السعر التركيزي للقمح، كما اجتمعت اللجنة بعضو مجلس السيادة د. سلمى عبدالجبار، وتسلَّمت توصياتها، ومن جانبها وعدت بعرضها على الجهات المختصة للبت فيها، ويرى مزارعون أنه مرَّ أكثر من أسبوعين ولم تظهر نتائج بعد، ويقول بعضهم إنهم يرفضون أسلوب التصعيد بإغلاق الطريق القومي مراعاة منهم بما تمر به البلاد من أزمات اقتصادية والتي ظل فيها مزارع الجزيرة يمارس مهنة الزراعة في ظل ظروف استثنائية.
كلمة للمزارعين
في وقت وصف فيه مزارع بالقسم الشمالي بمشروع الحزيرة، إبراهيم عبدالفتاح، بأن ارتفاع تكاليف الإنتاج متفاوتة من ولاية لأخرى، وقال: إن السعر التركيزي لشراء جوال القمح غير مجزي في ظل انخفاض سعر العملة الوطنية، وبحسب حديثه إذا استمرت الحكومة في هذه الحالة سوف نزرع في حدود الاكتفاء الذاتي، ونوَّه إلى أن المحصول أصبح للأسف الشديد عرضة للتجار والسماسرة في ظل غياب الحكومة متمثلة في البنك الزراعي، وأوضح أنه لا ترغب الدولة في استلام القمح بالسعر الذي أعلنته دون توضيح أي أسباب لذلك.
قرار مُتسرِّع
ووصف المحلل الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان، قرار شراء القمح بسعر مدعوم أزمة تنفيذ، وأن قرار شراء القمح من المزارعين بضعف السعر العالمي كان قراراً مُتسرِّعاً، مشيراً إلى أنه لم يراع المتغيِّرات المتمثلة في خروج الحكومة تماماً من عملية دعم الخبز، و عدم توفير القمح للمطاحن، ومن عملية استيراد القمح، وأضاف قائلاً: باتت الحكومة فعلياً خارج صناعة الخبز بشكل كامل وهذا يعني أنها لا تعرف ماذا تفعل بالقمح الذي ترغب في شرائه من المزارعين، وأكَّد أن الحكومة لم يرد في موازنتها أيِّ بند عن دعم شراء القمح وهي بالتالي لا تستطيع تمويل الشراء والبيع بثلثي السعر للمطاحن وتتحمَّل فارق السعر من دون تعديل الموازنة.
رسوم جمركية
وأوضح د. الفاتح، أن البنك الزراعي لا يستطيع شراء القمح دون توفير الحكومة لأموال الشراء، ويتحمُّل تكلفة الفرق بين سعر الشراء وسعر البيع للمطاحن ويتحمَّل المصروفات الإدارية، وتساءل هل دعم مزارعي القمح أهم من دعم مزارعي الذرة والدخن؟ وطالب الحكومة بفرض جمارك عالية على القمح المستورد، وبالتالي يمكنها دعم مزارعي القمح المحليين من دون تعرُّض الحكومة للخسارة مع تحوُّل الدعم المالي للذرة والدخن بتحويل قيمة جمارك القمح لدعم الذرة والدخن وجعلهما الأقل تكلفة للمستهلك، وتوقع من خلال ذلك أنه يمكن تدريجياً استعادة الريادة للأغذية الوطنية على حساب الأخرى المستوردة.
الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة