رأي ومقالات

اليسار واجهاض عملية التطور الديمقراطي في السودان

يتفق المنصفون من أهل السياسة و الحصافة بأنه ما من حزب أضر بقضية التطور الأجتماعي والديمقراطي في السودان مثل الحزب الشيوعي وحركة اليسار عموما التي تؤمن في صدر أيديلوجيتها بأن التغيير نحو الأشتراكية يتحقق ثورة وعنوة لا تطورا ديمقراطيا متدرجا…ويجنح الأستاذ أحمد سليمان المحامي في شهادته التاريخية بعد أوبته وتوبته بأن الحزب الشيوعي يخلو سجله الوطني تماما من أي مواقف تاريخية مشرفة ونبيلة يفخر بها أمام الشعب بل يتحمل كل نتائج الأخفاق السياسي والوطني الذي أعاق مسيرة الشعب السوداني… أبتداءا من معارضته لأستقلال السودان وأنتهاءا بوأد الديمقراطية الثالثة إذ زينت له أضغاث أحلامه أنه سيدخل الخرطوم فاتحا علي ظهر دبابات الحركة الشعبية بعد أن فشل في معركة التنافس الديمقراطي…فقد أشتط الحزب الشيوعي واليسار السوداني في تسفيه الديمقراطية وتيئيس الناس منها وتثبيط همم المؤمنين بها ووصلت بهم الخيانة الي التآمر ضدها إذ هرعت كوادر الحزب الشيوعي للألتحاق بالحركة الشعبية وظلت كوادرها بالداخل تعمل في تفتيت الجبهة الداخلية وتقديم المعلومات العسكرية لحركة التمرد لكسر شوكة القوات المسلحة وعمد الحزب الشيوعي الي تحريك النقابات المطلبية وإعلان الأضرابات في المرافق الحيوية لتركيع الحكومة الديمقراطية وأضعاف الروح المعنوية للقوات المسلحة بأفشاء أسرارها وخططها العسكرية ونقدها جزافيا مقابل تمجيد حركة التمرد في الصحف السيارة..وقد كانت صحيفة الميدان لسان حال الحزب الشيوعي هي الصحيفة الوحيدة التي تعترف بالحركة وتنشر أخبارها منسوبة الي الحركة الشعبية لتحرير السودان بدلا عن حركة التمرد وهو الأسم الذي ظل يستخدمه الأعلام السوداني لنزع الشرعية عن حركة التمرد..وموقف الحزب الشيوعي وحركة اليسار من التآمر علي الديمقراطية موقف قديم عبر عنه الحزب في أنقلاب مايو 1969 وهو أنقلاب ظل الحزب ينكر نسبته إليه الي أن أعترف به مؤخرا الأستاذ كمال الجزولي المحامي أحد قادة الحزب الشيوعي قبل أسابيع قلائل في مناكفته الشهيرة مع الصادق المهدي إذ أعلن عن تحمل الحزب الشيوعي للنتائج السياسية والمسئولية الأخلاقية لأنقلاب مايو داعيا الصادق المهدي للأعتراف بأنقلاب عبود..ورد عليه أمام الأنصار في تلك الندوة في أن الحزب الشيوعي كان أحد أهم أسباب تقويض تجربة الديمقراطية الثالثة في السودان التي سفهها وصد عنها وتآمر عليها مفضلا مشروع الحركة الشعبية العسكري الذي يستهدف تصفية ما يسميه السودان القديم وأبادة العرب المزيفين كما وصفهم المنفستو الماركسي للحركة وأقامة دولة السودان الجديد علي أسس أفريقانية علمانية..
توقع اليسار السوداني أن تقع ثمرة السلطة في يد الحركة الشعبية بعد نجاحهم في هز شجرة الديمقراطية..ولكن خاب تقديرهم إذ وقعت السلطة لقمة سائغة جراء غبائهم وتهورهم في يد الجبهة الأسلامية التي قطعت الطريق علي المشروع اليساري الذي أتخذ الحركة الشعبية مطية لتحقيق أهدافه السياسية التي عجز عن أنجازها بالوسائل الشريفة التي يقتضيها التنافس الديمقراطي الحر…وكما قال الدكتور عبدالله علي أبراهيم فقد أستصرخ الحزب الشيوعي واليسار الجزافي المجتمع الدولي لأسترداد الديمقراطية التي تآمروا علي أسقاطها..
لن نجد أفضل من كلمات الأستاذ حسن تاج السر عضو سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي منذ عام 1971 وهو يصف الحالة المتردية للحزب وعقيدته الستالينية التي تآمرت علي وأد الديمقراطيات وأشاعة العنف..يقول الأستاذ حسن تاج السر في شهادته بأن الحزب الشيوعي عبارة عن :
“عقيدة ايمانية .. عبادة فرد .. شخصنة الحزب في سكرتيره العام .. تفشي الكسل الذهني بين مثقفيه .. معاداة المبادرة .. سيادة أساليب الهيمنة والتشرذم والفتك بالخصوم وتدميرهم عن طريق تشويه السمعة وفبركة التهم .. وتسريب الاختلاقات والأقاويل عن القادة الغير مرغوب فيهم للحط من شأنهم وقتل شخصياتهم … والإنتشاء باخبار السقوط والإرتداد والإبعاد من القيادة .. افتقاد الحق والعدل داخل الحزب .. وأصبحت القيادة نهباَ للكذب والتآمر، وتحول الحزب الي قطيع مسلوب الارادة وانطمست معالم الحزب كمؤسسة ديمقراطية”.
هذه الشهادة التي أوردناها للأستاذ تاج السر عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي والمنشورة في موقع نقاش الحزب في الشبكة الدولية للمعلومات..توضح بجلاء درجة الأنحطاط السياسي والأيديلوجي الذي وصلت اليه حال الحزب..والحقيقة المستخلصة من هذه الشهادة أن الحزب الذي لا يستطيع أصلاح كيانه وتجديد برامجه وأهدافه غير جدير بقيادة عملية الأصلاح الديمقراطي في المجتمع ..وبالتالي يصبح منزوع الشرعية السياسية الي حين أستكمال برامج أصلاحه وتعريف هويته الجديدة..وللقارئ أن يتخيل النتيجة المتوقعة لحزب يعاني من التفلت والفوضي التنظيمة والغيبوبة الفكرية وفقدان الهوية السياسية فيصبح نامصة ومطية لحركة التمرد في السودان…النتيجة المحققة هي الكارثة السياسية التي يعاني منها السودان الآن والقائمة علي ترويج نظرية المركز والهامش وحشد تخوم السودان وأطرافه علي أسس و شعارات جهوية وعنصرية للأنقضاض علي المركز الذي بحكم زعمهم يسيطر علي السلطة والثروة في السودان..
إن دعم الحزب الشيوعي لمشروع حركة التمرد العسكري أفتضح أمره منذ ميلاد الحركة إذ أعترف التيجاني الطيب في ندوة مغلقة في واشنطون سربها الرفاق بأنه هو شخصيا قد ساهم في كتابة وصياغة مانفستو الحركة الشعبية والتي عرفت فيه نفسها بأنها حركة ماركيسية لينينية تسعي لتحقيق النموذج الأشتراكي في السودان..مما يشي بأن أيمان الحزب الشيوعي وحركة اليسار عموما بالتحول الديمقراطي لم تكن قناعة أصيلة في يوم من الأيام لأدراكها المسبق بأنها لن تجد موطئ قدم في سوق التنافس الديمقراطي.. وقد دللت علي ذلك الأنتخابات الديمقراطية الأخيرة في السودان التي منحت الحزب الشيوعي ثلاثة مقاعد فقط..وقد حقق اليسار هذه النتيجة عندما كان يتمتع ببعض البريق السياسي والدعم الأشتراكي الدولي قبل أنهيار الأتحاد السوفيتي…فما بالك به الآن وقد ذهب صولجان عزه وأنطفأ بريق أيديلوجيته…لذلك أختارت حركة اليسار السوداني أن تأتي للسلطة محمولة علي ظهر الحركة الشعبية ….فعمل اليسار السوداني نامصة للحركة الشعبية يزجج لها حواجبها ويجمل لها وجهها ويبرر لها مواقفها وأنتهاكاتها لحقوق الأنسان…ويقوم بأعباء العلاقات العامة وتزييف المعلومات فأبتدع فرية الرق والأضطهاد الديني والتطهير العرقي والأبادة الجماعية..وهرع اليسار في هجرته الجماعية للغرب الرأسمالي الي أحتكار منظمات حقوق الأنسان وأستغلالها لتحقيق أهدافه الأيديلوجية الضيقة..وقامت كوادر الحزب الشيوعي في الشتات بممارسة هوايتها القميئة في التآمر علي أبناء الوطن الشرفاء وشهدنا في كندا علي وجه الخصوص نشاط الكوادر الشيوعية في التبليغ عن السودانيين وتحريض السلطات الكندية علي كل من لا يشاطرهم الأيمان بمقدساتهم الفكرية ويخالفهم في وسائل المعارضة السياسية غير الشريفة التي أنحدروا بها الي درك سحيق فقامت السلطات الكندية بأعتقال كل من أرشد عليه الوشاة والتحقيق معهم وحرمت بعضهم من حق اللجوء السياسي ولي شخصيا قريب كان أحد ضحايا هذه المؤامرة الشيوعية..…

الرشيد بحراوي