ليتعافى السودان .. إما أن يفوتوا أو يموتوا
● تقول والدة هذا الطفل : اشتريتُ لإبني سمكةً ، ففرح جداً بصديقته الجديدة وأحبها كثيراً ، وذهبتُ إلى فراشه ليلاً لأجد أنه قام بإخراجها من حوض الماء لتنام معه في الفراش من شدة حُبه لها!!!
● عندما بلغ الخنوع والفساد والانتكاس والارتكاس بمجتمع بني إسرائيل درجة أن قالوا اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون .. كتب الله عليهم التيه ٤٠ سنة .. مات فيها كل ذلك الجيل بمن فيهم موسى وهارون عليهما السلام … فأجيال الخنوع والهزيمة لا يمكنها تحقيق النصر .. حتى ولو قادهم الرسل أولي العزم ، وضمِن الله لهم ذلك النصر!!!
● المؤكد يقيناً بأن القوى السياسية السودانية أو النادي السياسي كما يُسمِّيه المهندس الفذ غاندي المعتصم (بكل شخوصه وأفكاره ومفاهيمه وأحزابه وكياناته وناشطيه وتجاربه وأشواقه والذين يدورون في فلكه من عسكريين أو مدنيين) والذي استولدته قوى الاستعمار القديم والحديث من حمأة الخنوع والاستتباع ، والذي لا يعدو أن يكون حصيلة خزعبلات وهرطقات وانتهازية عائلات .. لم يجلب (في كل عهوده) إلا الثراء لنفسه والشقاء لبلاده ، ولم يبقى له اليوم سوى أن يتقاعد أو يموت.
● أعتقد بصحة ما توصَّل إليه الشيوعيون أواخر الستينات ومطلع السبعينات (من حيث التنظير لا التطبيق) حين استخلصوا من بعد مايو ١٩٦٩م ضرورة أن تنشأ في السودان *ديمقراطية مُوجَّهة* تقضي على الراديكالية الرجعية تماماً ، ولا تتيح المجال إلا للقوى الحديثة .. فأطلقوا على حزبهم حينها لقب الحزب الطليعي باعتباره رأس الرمح لهذه القوى الحديثة (ولا شك أن الحزب الشيوعي السوداني نفسه هو أحد أقدم أعمدة الراديكالية الرجعية المُستَلبة والمُستَتبَعة في السودان بكل المقاييس الفكرية والفلسفية والتاريخية والعملية والدوغمائية).
● ورغم حوجة المجتمع السوداني لبعض التغييرات الجذرية في بعض المفاهيم لتنقله من دولة القبيلة والهرطقة والحاكورة إلى دولة المؤسسات والقانون والمواطنة .. غير أن هذا التغيير يجب أن يتم من خلال إجراءات ديمقراطية أساسها التراضي الشعبي وليس بإجراءات ثورية أو إملاءات خارجية ، ومن المحال أن يتم ذلك بذات القوى والعناصر التي صعدت على أساس المفاهيم الرجعية ، وأوصلت البلاد وشعبها لهذا الدَّرك من الحضيض ، فهناك ضرورةٌ حتميةٌ تستوجب ديمقراطيةً موجهةً بالقانون وإرادة الشعب لاجتثاث جيلٍ بأكمله من وجه الحياة العامة بأسرها ، ليغادرنا بكل جمال زمانه المكذوب وبكل حقيقة أثقاله من الفشل والأحقاد وضحالة الأفق والإفتقار للابتكار والإبداع والعجز عن مواكبة العصر والزمان .. وهذا يحتاج فهماً عميقاً لا يقتصر على النُّخب .. بل يتعداهم إلى عامة المجتمع حتى يكتسب العنفوان الديمقراطي اللازم .. ومن الصعوبة تحقيق هذا الكسب في زمنٍ يقل عن أربعين بني إسرائيل إلا أن تُحقِّقه حربٌ راديكالية كهذه التي نخوضها اليوم …
● عندما يُحسِن البعض الظن بالنادي السياسي (من العسكريين والمدنيين) وأبناء جيلهم الذين ظلوا يسوسون السودان منذ الاستقلال وحتى اليوم .. رغم ما ارتكبوه من خطايا في حق هذه البلاد وأهلها .. قد يرون أنهم أحبُّوا السودان وشعبه من صميم قلوبهم ، ولكن الواقع والنتائج والحقائق الماثلة والدامغة تؤكد بأنهم كانوا (ولازالوا) في مقام الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم وهم يحسَبون أنهم يُحسِنون صنعاً … فهو حُبٌّ مشابهٌ لحُبِّ ذاك الطفل للسمكة التي قدم لها عناق الموت ، فمن الحبِّ ما قتل ، وليس بالحُب وحده تحيا الأوطان ، فالحُكمُ له مُتطلباتٌ تتجاوز الحب والمشاعر الدفَّاقة ، ولئن كان حُبّ هؤلاء اليوم لبلادهم صادقاً كما قد يظن غيرنا ، فقد آن أوان تسليمهم الأمانة لأهلها (الشعب) ومغادرتهم الحياة العامة ليحفظ لهم التاريخ وشعبهم موقفاً وطنياً واحداً لا مزايدة عليه ، فالسادة أعضاء السيادي وشركائهم السابقين الذين أوصلونا معاً لهذه الكارثة الماحقة يستحيل التعويل عليهم أو على بعضهم أو على أحدهم في انتشال البلد من الأتون الذي أسقطونا فيه.
● في ٣ أبريل ٢٠٢٣م اقترح السيد البرهان على الملأ: (كلنا نمشي ويجي ناس جديدة) ، ولو أنهم فعلوا يومذاك لكان السودان اليوم بألف خير (وبيننا وبينهم يوم تُبلى السرائر) ، وحيث أن قحت والدعم السريع (مشوا) بثمنٍ فاحش التكلفة ، وبينما لايزال السودانيون ينتظرون استكمال (المشي) بمغادرة من ابتدر الاقتراح .. إذا بتكتيك الإبرة يستخرج للسودانيين (حبوبة عشة) من القمقم .. وهي التي بلغ يوماً من خواء عقلها وخطل رأيها أنها لم تستنكف أن تتسوَّل شعبها (السندوتشات والشربات) لاستضافة بضع عشرات من المحجورين صحياً بسبب كورونا .. ومن يدري ، فلربما لن تبرح الأيام حتى يفاجئنا تكتيك الإبرة باستعادة حميدتي من القبر .. ولهف نفسي على بلادٍ لا تأمن بوائق حاكميها.
هداكم الله وأصلح حالكم
اللواء (م) مازن محمد اسماعيل