رأي ومقالات

الحمام في الشعر العربي

الحمام من الطيور المنتشرة في جميع أرجاء العالم، وهو أول وسيلة بريد طائر عرفتها البشرية، وبه طباع مدهشة وعادات سامية تشجع الناس على تربيته والاعتناء به ومن ذلك الحنين إلى الوطن على بعد المسافات كما يتميز بالإخلاص وغير ذلك الكثير وقد تبارى الشعراء في ذكر الحمام في قصائدهم ولهم في ذلك قصص كثيرة.

ومن ذلك أبيات رائعة لعوف بن محلم الخزاعي لها قصة جميلة روتها مراجع تاريخية، ومنها وفيات الأعيان لابن خلكان، وعوف هذا من الأدباء الفهماء الندماء الشعراء الفصحاء، صاحب أخبار ونوادر اختصه الأمير طاهر بن الحسين والي خرسان لمسامرته، لا يسافر إلا وهو معه يكون عديله وزميله، فبقي معه ثلاثين سنة لا يفارقه، وكلما استأذنه في الانصراف الى أهله ووطنه لم يأذن له، ثم مات طاهر فظن أنه قد تخلص، وأنه يستطيع العودة الى وطنه فقربه ابنه عبدالله بن طاهر واستبقاه عنده وأنزله منزلته من أبيه، وأغدق عليه الأموال والهدايا حتى أثرى، فتلطف بجهده ان يأذن له بالعودة فاتفق أن خرج عبدالله بن طاهر الى خراسان فلما شارف الري سمع صوت عندليب يغرد بأحسن تغريد فأعجبه وقال يا ابن محلم، هل سمعت بأشجى من هذا؟ قال: لا والله، قال اقسمت عليك إلا عارضت قول «أبو كبير الهذلي»:ألا يا حمام الأيك إلفك حاضروغصنك مياد ففيم تنوح

فتلكأ قليلا وذكر من كبر سنه، فأقسم عليه فتنفس الصعداء وزفر زفرة حزن ثم قال:

أفي كل عام غربة ونزوح

اما للنوى من ونية فتريح

لقد طلح البين المشت ركائبي

فهل أرين البين وهو طريح

وأرقني بالري نوح حمامةفنحت وذو البث الغريب ينوح

على أنها ناحت ولم تذر دمعة

ونحت وأسراب الدموع سفوح

وناحت وفرخاها بحيث تراهما

ومن دون أفراخي مهامة قيح

فاستعبر عبدالله وجرت دموعه ورق له رقة شديدة فأعطاه ثلاثين ألف درهم وأذن له بالعودة إلى وطنه واهله فعاد بعد ان أمضى سنين طويلة في غربته، ودمتم سالمين.

مشعل السيد – الأنباء الكويتية
849 pic20231225215738247