عادل عسوم: قصة التفاحة المقرومة
التُفّاح؛ هذه الفاكهة المشتهاة، لعلها تنأى عن واقع العديد منّا في هذا السودان الذي يغلب دومه ونبقه على التفاح والعنب
وان نسيت فلا أخالني انسى طُرفة حكاها لي صديقي الدكتور الزين أحمد خير، الله يديهو العافية…
قال:
كانت الحصة قواعد، وأستاذنا المعروف بسخريته منكبٌّ على كتاب النحو الواضح يقرأ…
وعندما مرّ على ذكر التفاح ورصفائه من الكرز والرمان والمشمش؛ رفع رأسه وأشار الينا بيده بعد أن أسند نضارته المتحكرة على ارنبة أنفه الضخم وقال:
-طبعا الحاجات دي ما اظنكم حتشوفوها الاّ في الجنة…
ثم انكبّ مرة أخرى على الكتاب يواصل القراءة، معيدا اجلاس نضارته على ارنبة أنفه الضخم…
لكن حالي -بحمدالله- كان أفضل من حال صديقي الزين، إذ إعتاد الوالد رحمه الله جلب شيئ من التفاح من مكان عمله، إذ يأتي به بعض الأطباء الإنجليز والمصريون ممن كان يعمل معهم في مستشفى كسلا العام في الستينات، فنشأتُ محباََ للتفاح، ثم اصبحت محبا لعصير التفاح حبا جما…
بل وصل الأمر إلى أكتشفاف عصير سوداني قح يشبه في قوامه وطعمه عصير التفاح!…
جيبو أضانكم جاي:
إنه عصير الكركدي الأبيض!
(أصبروا شوية)…
بالطبع فإن الكركدي يكون ابيضا قبيل مرحلة النضج واتشاحه باللون الأحمر القاني، بل علمت انه -أي الكركدي الأبيض- فصيلة أخرى من فصائل الكردي، ويباع بسعر أعلى من سعر الكركديه الأحمر…
هذا الكركدي الأبيض أضفت إليه قليلا من عصير العرديب، فإذا بي أحصل على عصير يشبه عصير التفاح شكلا ولونا وطعما!…
ايوة والله…
وعندما يخلو البيت من العرديب فإنني استعيض عنه بالآبري (الحلومر)، أيوة الحلومر العدييييل دا، وذلك لاكساب العصير دُكنة فيتحول لون العصير الناتج وقوامه من اللون الزيتي إلى لون وطعم عصير التفاح الحقيقي!…
أعود للتفاح:
لقد كان لحبي للتفاح بصمة واضحة على ثقافتي السودانية، فالمعلوم اننا جُلُّنا -ان لم نكن كلنا كسودانيين- مالكية المذهب، وقد كنا (نوكياب) الثقافة الموبايلية قبل أن تكتسحنا موديلات السامسونق الجلاكسي، لكنني -من حيث لا أدري-خالفت قومي في الشق الثاني، لأجد نفسي محبا للآي فون!…
وقد تعززت صلتي بالآي فون أكثر عندما تسلمت من الشركة التي أعمل فيها هنا في المملكة جهاز موبايل آي فون من صنع شركة أبِل ماكنتوش، لكون إحدى الشركات التي نمثلها في السوق السعودي-وهي شركة دريقر الألمانية- ضمّنت هاتف الآي فون برنامجا لتشغيل أجهزة خاصة ب ال(gas detection systems)،
وقد كان موبايلا أنيقا جدا يعمل باللمس وتعلوه (تفاحة مقرومة)…
يومها وجدت اهتمامي يزداد أكثر بتلك التفاحة المقرومة!…
شرعت أتابع أصدارات هواتف الآيفون أبو تفاحة مقرومة دا إلى أن وصلت إلى الأصدار الأخير الذي أضافت اليه الشركة حرف (S) تخليدا لصاحبها الذي رحل عن الدنيا قبل أعوام، وذلك بعد صراع مرير مع سرطان البنكرياس، انه الملياردير استيف جوبز، وهو أمريكي من أب سوري اسمه عبدالفتاح جون جندلي، وأم أوربية، التقيا في ولاية كاليفورنيا فأنجباه هو وشقيقته الروائية الأمريكية الشهيرة منى سيمسون…
ومن المحزن حقا أن استيف وشقيقته لم يتعرفا إلى بعضيهما ويلتقيان الاّ بعد سنوات عديدة من طفولتيهما!…
والسبب في ذلك هو الفقر!
فقد اضطر الوالدان الى دفع الطفلين إلى اسرتين مختلفتين ليُتبنيا فنشآ بعيدان عن بعضيهما…
أمر آخر يشدُّ المرء إلى قراءة سيرة استيف هذا:
بالرغم من نبوغه التقني المذهل الذي نعلمه عنه الاّ أن استيف جوبز يعدُّ أحد (مرافيد) جامعة ريد في بورتلاند بولاية أوريجون! …وكمان من السنة الأولى!
تصدقوا الكلام دا؟!
أما قصة تفاحته المقرومة؛ يفيد موقع شركة ابل بأن التفاحة ترمز إلى السوق العالمي لمنتجات الشركة…
وال(قرمة) ماهي الاّ حصة المتنافسين مع الشركة في هذا السوق!…
لكن شقيقة استيف جوبز أسرَّت إلى احد محرري مجلة النيوزويك بعد رحيل شقيقها بأن الحقيقة تختلف عن ذلك!
قالت شقيقته سيمسون بأن شقيقها استيف جوبز حكى لها بأنه خلال سني دراسته الأولى سقطت من حقيبته المدرسية المهترئة تفاحة كان قد قضم جزءا منها وابقى البقية لتكون افطارا له، فأضحك ذلك زملاءه التلاميذ، وأصبح سقوط التفاحة المقرومة سببا للتندر عليه زمانا…
هذه التفاحة وملابساتها بقيت في ذاكرة استيف جوبز لسنوات الى أن استلهم منها شعارا و(logo) لشركته!…
شفتوا كيف؟!
أها تفاحة استيف جوبز دي النصيحة لي الله استدعت في خاطري تفاحا آخر لسوانا:
تفاحة نيوتن الشهيرة
تفاحات طاقة قماش ال(تيترون) اليابانية التلاتة…
شرعت أنقّب في اضابير ثقافتنا بحثا تفاحٍ لنا كما للناس تفاح، فإذا بي أسعد جدا عندما وجدت ذكرا للتفاح في ثقافتنا، لكن سعادتي لم تدم طويلا، فالتفاح هناك يحيلك إلى الفيزياء وبرمجيات الاتصالات والنسيج، أما تفاحنا فيتموضع لدى شعرائنا ومغنيينا في أجسادنا!
-تفاحتان في الخدود…
وتفاحتان في الصدر…
وتفاحة لا نحب ان نراها الا مندرعة في حلاقيم بعضنا.
ذاك تفاحهم …
وهذا تفاحنا…
عادل عسوم
adilassoom@gmail.com