كيف يحكم السودان لا من يحكم السودان: أمال عاوزين ديمقراطية وانتخابات ليه؟
أجد بين اوراقي رسائل قصيرة أعلق فيها على مكتوب ممن أحسن الظن بي وطلب رأياً مني حول فكرته. وهذه تعليق على رسالة من عرض عليّ مشروعاً للخلاص مما نحن فيه من بلاء اشرككم فيه. وربما غمض جزء أو آخر منه.
شكرا واثق على اطلاعي على شاغلك المؤرق. وأنت البركة. أرجو أن تقبل مني هذه الملاحظات على سلبيتها الإيجابية:
وددت لو أحطنا بالظاهرة الانقلابية من شقيها المدني والعسكري لأنه، متى احتججنا على الجيش، صار الانقلاب عسكرياً ومتى احتججنا على الأحزاب صار مدنياً. أنا صادر هنا عن تحلينا في الحزب الشيوعي من أن الانقلاب حالة طبقية المدنيون والعسكريون فيها مجرد وظائف لا فضاءات منقطعة عن بعضها البعض.
هناك مقارنة تنعقد دائماً بين أوضاعنا من حيث منزلة الجيش وأوضاع سوريا واليمن وليبيا. واختلفت مع هذه المقارنة لأننا ما زلنا نملك جيشاً مهما يكن حاله في حين أن أياً من تلك الدولة لم تملك جيشاً مهنياً موحداً حين نشأ النزاع.
عبارة “كيف يحكم السودان لا من يحكمه” تخفي سقماً في الصفوة حيال الصراع conflict. فنحن نطابق بين الصراع والفشل. فالصراع عندنا ليس لتحليل قواه ومشروعاته، بل لإطلاق صفارات الإنذار وإعلان القيامة السياسة. فالديمقراطية، بعد استباب إطارها، أكبر منشأة للصراع حول من يحكم لينهض بكيف يحكم. هذه هي الديمقراطية الليبرالية. وقد ساءت سمعتها عندنا لمجرد أنها تقوم به بما تقوم به كل ديمقراطية.
وكذلك الصراع في الفترة الانتقالية. كل ما كان ينقصنا هو الاعتراف بأن ما واجهنا في انتقالية ديسمبر (وكذلك في أكتوبر وأبريل) ثورة مضادة مما اصطدمت بمثلها كل ثورة. ليس المصطلح مما شاع فينا وجنحنا لمصطلح الدولة العميقة باستحياء. وبدلاً من مواجهة هذه الثورة المضادة في تكتيكاتها وتطويقها نلجأ للشكوى المرة منها بما يجعل منها “مؤامرة” لا مشروعاً سياسياً لقوى تتربص بالثورة لأنها سيدة مشروع مناوئ ومنافس.
لو سألتني لربما كنا بحاجة، بجانب هذه المشروعات للم الشمل، إلى مؤتمر أكاديمي يصفي تركة التفكير الذي تراكم خلال العقود الماضية منذ الاستقلال تراكماً صار حاجباً دون أن نرى عوجة رقبتنا. مثلا: وجدت نفسي أجادل نظرية صارت لها منزلة العقيدة من أن الانقلابات هي ما يوحي به المدني للعسكري الغشيم أو طيش حنتوب. ووظيفة هذه العقيدة التي لا غيرها أن تتغايظ بها جماعات الصفوة: انتو عملتو انقلاب ما أنتو عملتو قبلنا. والأمر أيسر من هذا. نريد بمثل هذا المؤتمر أن نصفي تركة الفكر الخطأ الذي لا نريد أن نلج به فضاءنا الجديد وننتظر نتيجة أفضل.
نستكمل ما تبقى بالكلام.
عبد الله علي إبراهيم