الضياع بين الخُلع والطَّلاق!
تساءلتُ في آخرِ مقالي الذي بعنوان: (لماذَا الخُلع ليسَ كالطَّلاقِ ثلاثًا؟!): لماذَا المرأةُ في سنِّ السِّتين عامًا تخلعُ زوجَهَا؟ كذلك السُّؤال: لماذَا تهدمُ الشَّابَّةُ العروسةُ بيتهَا مبكِّرًا، وتصرُّ على خلع عريسَها الشَّاب لأتفهِ الأسباب؟!
أعتقدُ جازمًا أنَّ هاتين الحالتين من الخُلع، إنَّما تعودان لأسبابٍ غيرِ مبرَّرةٍ في غالبِهَا، فالمرأةُ التي عاشتْ مع زوجِهَا أكثرَ من أربعينَ عامًا، أنجبتْ -على الأقلِّ- خمسةً من الأبناءِ والبناتِ، وكانتْ معه على الحُلْوة والمُرَّة، وبينهما فضلٌ كبيرٌ تقاسماه، وإنْ لم يجمعهمَا حبٌّ قلبيٌّ عميقٌ، لكنْ كانَ بينهما من الأُلفةِ والمعايشةِ والصَّبرِ على بعضِ ما أوصلهمَا إلى هذَا العُمرِ المديدِ، فأيُّ مبرِّرٍ يجعلُها تخلعُهُ؟!
البعضُ منهنَّ -القليلُ جدًّا- قدْ يكونُ عندهنَّ مبرِّرٌ مقبولٌ، كأنْ تقول بأنَّها لمْ تعدْ تريدُ أنْ تكسبَ إثمًا ببقائِهَا معُهُ بكونِهَا لمْ تعدْ تسايرُهُ في المتطلَّباتِ الزَّوجيَّةِ الهرمونيَّةِ، إلَّا أنَّ الكثيرَ منهنَّ -أي اللائِي يخلعنَ أزواجَهنَّ- إنَّما هو من بابِ التخلُّص من الارتباطِ، وفي الوقت نفسه أوجدت البديلَ عنهُ بصحبةِ شُلَّةٍ من النِّساء المسبِّبات للخُلع والمخبِّبات للزَّوجاتِ على أزواجِهنَّ، فرباطُ الزَّوجيةِ ميثاقٌ غليظٌ -كما أطلق عليهِ ذلكَ اللهُ سبحانه وتعالى-، والتَّساهل في حلِّ ذلك الميثاقِ من الرَّجلِ بالطَّلاقِ، ومن الزَّوجةِ بالخُلعِ يترتَّب عليهِ أثرٌ سلبيٌّ على الأُسرةِ والأبناءِ والبناتِ، لذلك فإنَّ في مثلِ هذا الوضعِ أنْ تكونَ للمرأةِ صديقاتهَا لا بأسَ مع مسايرةِ حياةِ الزَّوجِ وبقائه، لا التخلُّص منه بالخُلع، وكذلك الزَّوج يجبُ عليه أنْ يراعي زوجتَهُ التي عاشتْ معه عمرَهَا كلَّه، وألَّا ينصرفَ عنها، ويقضي الوقتَ كلَّه مع أصحابِهِ، أو يطلِّقها من أجلِ نزوةِ امرأةٍ أُخْرَى، وكما قلتُ سابقًا إنَّ أمرًا كهذَا يحتاجُ إلى إجراءِ بحوثٍ اجتماعيَّةٍ لمعرفةِ المزيدِ من الأسبابِ.
أمَّا الأكثرُ استغرابًا، ويحتاجُ إلى الدِّراسةِ والبحثِ، فهو ظاهرةُ الزَّوجاتِ حديثاتِ عهدٍ بالزَّواجِ، واللائِي لم يمضِ على زواجهنَّ سنةٌ، أو سنتان، ثمَّ تطلبُ الخُلع من زوجِهَا، وبما فيها من الوقاحةِ تتفاخرُ بين صديقاتِهَا بأنَّها خلعتْ زوجَهَا، ويفاخرُ البعضُ كذلك بإقامةِ احتفالٍ بمناسبة خلعهَا أو طلاقهَا، وإنْ بحثنَا عن الأسبابِ خلفَ ذلك الخُلع من الصَّغيرة فلا يوجدُ أسبابٌ سوى العنجهيَّةِ، وسوءِ التَّربيةِ، وعدم تحمُّل المسؤوليَّة، وبطانةِ الصَّديقاتِ، وبطرنةِ المعيشةِ، وأنَّ لديها مصدرًا ماديًّا تستغنِي به عنه، ولربَّما كان خلعهَا استجابةً لتحريضاتٍ من الأفكارِ السَّائدةِ في وسائلِ التَّواصلِ الاجتماعيِّ المتعدِّدة والتي تقدِّمها بناتٌ حُرمنَ من الاستقرارِ الأُسريِّ والحياةِ الزَّوجيَّةِ، ولعلَّ هناك أسبابًا أُخْرَى متعدِّدة تحتاجُ لمزيدٍ من إلقاءِ الضُّوء عليها.إن خلع الصغيرات وطلاقهن هو الأكثر انتشاراً، والأوسع حدوثاً في المجتمع، ولعله أحد الأسباب الرئيسة لعزوف الشباب عن الزواج، وهذا وذاك يحتاج إلى مقال مستقل -بإذن الله- لمعرفة أسباب هذا العزوف من الشباب عن الزواج.
أ.د صالح عبدالعزيز الكريم – جريدة المدينة