رأي ومقالات

عائشة الماجدي: (رحيل محمد)


حاولت مرات ومرات أن أكتب وأُعزي الفريق البرهان في وفاة فلذة كبده لكني أتحسس بأن الوجع والألم يفوق حد المِداد وإن كان مِداد هذا المقال قطراته من حُزن وفراق …

تأكد لي أن الثبات في هذا الموقف يحتاج رجل من مواصفات خاصة قوي الشكيمة وصبور وله طاقة فوق الإحتمال وإنطبقت في هذا الظرف في الفريق البرهان …

عندما أنظر إلى رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان وأتعاطى مجريات الأحداث أجد أن الرجل تعرض لضغط أكبر من حمل الإنسان الطبيعي سوا أتفقنا أو أختلفنا معه
تحمل كل المصائب في خمسة سنين عِجاف لو كان الرجل جبل لهُلك خمسة سنين كلها مترادفة إنتكاسة وراء إنتكاسة ومصيبة فوق مصيبة مجموعة من الحُفر والحّفِر داخلياً وخارجياً تقف في طريق الجنرال ..

عندما جانا نبأ الحادث الأليم لإبن الفريق البرهان كُنا نتمني له دوام الصحة والعافية لأن بلدنا السودان يمر بمنعطف خطير ومؤامرة أخطر وعملاء أوسخ والرجل يقيف بين كل هذه النيران وتتلفحه من كل إتجاه يمسك بعصاة جيشه حتي يتبين له الخيط الأبيض من الأسود وحاله كحال كل والد قلبه يُحِن لولده الذي يصارع المرض في العناية المكثفة ووقتها الرجل مطالب بقلب القائد والوالد في آن واحد …

كنت متعجبة حقيقة من مقدرة الرجل على إمتصاص الألم وكمية الجلد والثبات كيف كان البرهان يسافر ويقابل مسؤولين ويجهز تشوين لجيشه ويفطُر مع جنوده ويهلل ويحضن مصابين بيته الكبير ( الجيش )

كيف تحمل البرهان هذا البعد وإبنه بين الحياة والموت كحال وجع أي والد تجاه ولده وقلبه يتلهف في أي زمن رنين هاتفه بخبر رحيل أو سوء حاله او حسن الظن وتعافي !
لم أستطيع إكمال الفيديو المشؤوم الذي حمل لنا كيفية إنزال الفريق البرهان وإمساكه لكفن إبنه داخل ( ود الأحد ) وكيف إستطاع أن يتمالك نفسه وهو يغطي جسد إبنه أمامه ( بالكوريك ) الرجل يغرف التراب وينزل به على جسد شاب غضّ نحيل أي كلمات تعبر عن ذلك وأي وجع يفوق هذا الحد !.

لحظات يكسوها الحزن والقهر وتُبللها دموع الفجيعة وذكريات شاب أنضر أراد الحياة ولكن الموازين تأتي والأقدار تُكتب…

الخيارات صعبة بين إنك قائد لجيش كله أبناءك تواري ثراهم بين حين وأخر وبين أن تواري فلذة كبدك وتنزله لقبره أنت مطالب عند البعض بأن لا تمايز في الإحساس والوجع كقائد وكوالد ولكن يبقي عندنا أن ندعو أن يهون الله عليك هذا المُصاب الجلل والفقد العظيم والكبير ..

وأنا أشهد الله كل ما قرأت في الميديا أو إلتقاني في قروبات الواتس الفسيحة يبكي ( محمد ) بحرقة ونواح ودا حالنا كسودانيين تؤلمنا (حرقة الحشا ) ويُبكينا موت الشباب ويوجعنا غيم الوليدات الذي يرحل من غير هُطول كُنا نحسب ( محمد ) وإخوته وابل يهطُل علي السودان بتميز يُذكر وإنجاز يصفق له لكن يبقي الموت مصير الأولين والآخرين…

المقام مقام عزاء وفقد ومؤاساة لا مقام إستهتار وتهكم وكل من به ذرة إنسانية ينظر إلى محمد وكأنه إبنه وأن الوجع واحد حتي وإن افترقت الطرق ولكن في المُصاب تبقي واحدة…
تعازينا الحارة إلى السيد الفريق البرهان وإلى عموم أهل ( محمد ) داخل البلاد وخارجها صادق المؤاساة والتعازي…

عائشة الماجدي