رأي ومقالات

أسبوعان في بورتسودان

ليلة الأحد الموافق الثاني عشر من مايو الجاري، حطت بنا رحلة طائرة “بدر” في مطار بورتسودان قادمين من القاهرة، ونحن ثلة من الصحفيين والصحفيات قَدِمتا للمشاركة في ورشة عن الإعلام ينظمها مركز جمال عنقرة للخدمات الصحفية ويرعاها نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي، تحت شعار “نحو دور رائد للصحافة والإعلام في السودان”.

لم تكن وطأة إطارات الطائرة لأرض المطار سلسة، كان هبوطاً غير ناعم، لكنه على كل حال لم يكن أخشن من بقية تجاربنا خلال عام مضى، قضاه أغلبنا بين نازح وراحل ولاجئ .. وبرغم أن الليل قد انتصف حين وصولنا، إلا أن درجة الحرارة كانت عند الثلاثين، مع درجة رطوبة لا تخطئها عدسات النظارات !!

وبرغم أن العهد لم يطل بي من هذه المدينة، فقد كنت فيها قبل نحو أربعة أشهر، إلا أنني كنت مشغولاً برصد المتغيرات من خلال المَشاهد التي تبدو للعيان وبالتفرس فيمن حولي، من المستقبلين والقادمين، أتأمل الحركة والوجوه التي كان البِشرُ يملؤها، وقد حرص “الأمير” جمال عنقرة أن يكون على رأس المستقبلين برغم ما أصاب حباله الصوتية من رَهَق، يعاونه فريق من الشباب المميزين الذين أكرموا وفادتنا، وأنجزوا إجراءات الجوازات واستلام العفش بيسر.

كانت ورشة الإعلام التي انعقدت يومي 12 و 13 مايو، حدثاً حرّك الساحة الإعلامية في العاصمة المؤقتة، بورتسودان، بعد أن كانت راكدة، فقد شارك فيها بالحضور والنقاش نحواً من مائتي صحفي وإعلامي وناشط، جاء نحو ثلاثين منهم من الخارج، وقد حرص أغلب المشاركين من الداخل أن يُسمِع صوته من خلال فرص النقاش التي أتيحت عقب تقديم الأوراق، حتى ولو كان ما يود قوله ليس في صلب الموضوع الذي تناولته الورقة المحددة.

وبمثل ما كان برنامج الورشة مزدحماً بالأوراق، كان البرنامج المصاحب للورشة كثيفاً، أُتيح لنا من خلاله مقابلة عدد من الوزراء والمسؤولين، بمن في ذلك بعض الولاة الذين تصادف وجودهم في بورتسودان، وقد شكل ذلك كله، فرصة للإعلاميين أن يُحدثوا رصيدهم من المعرفة بأحوال البلاد والعباد من المصادر الرسمية، ويتزودوا بقدر وافر من الرؤى التي من شأنها أن تعينهم في معالجة الملفات التي ظلوا يتابعونها منذ اندلاع الحرب.

سألني كثيرون عن رأيي الخاص في الورشة، وقد كنت قلت بعضه في حينه من خلال تصريحات للوسائط والفضائيات التي غطت فعاليات الورشة، وما يمكن أن أضيفه هنا، هو أن الورشة أثبتت أمرين هامين: أولهما الغياب شبه الكامل لمؤسسات الإعلام الرسمي عن الساحة، وهو غياب لا يكاد المرء يجد له مبرراً مقبولاً برغم إدراكي التام للظروف المحيطة بهذا القطاع، وثانيهما إهتمام المسؤولين في الدولة، وخاصة الوزراء و الولاة، بالإعلام الوطني واستعدادهم للتعاطي الإيجابي معه، إذ أن لديهم ما يقولونه، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى مبادرات في هذا المجال يقودها السيد وزير الثقافة والإعلام بنفسه، وما من شك في أنه إن فعل سيجد الإعلاميين بجانبه.

أما عن مركزعنقرة، وصاحبه الأستاذ “الأمير” جمال عز الدين النورعنقرة، فيكفيهم إنجازاً أن تمكنوا، بمجهود خاص، أن ينفذوا هذا البرنامج الكبير، في أوضاع غير طبيعية تعيشها البلاد .. ورأيي في قول مَن تساءل: ولماذا مركز عنقرة هو مَن يُنظم هذا النشاط؟، هو أنه لا حجر على أصحاب المبادرات البناءة، ولم يكن مطلوباً من الأستاذ جمال أن ينوب عن الدولة في القيام بواجبها، برغم أنه ناب عنها – مشكوراً – في جانب كبير مما قام به، ولعل الحجارة التي ألقتها الورشة في شواطئ بورتسودان، تكون سبباً في تحريك المياه غير المتحركة فتنهض الدولة وإعلامها للقيام بواجب الساعة.

ولعلّ مما يجدر ذكره، على هامش الحدث المهم، أن برنامج الرحلة والورشة أتاح لعدد كبير من الزملاء الصحفيين والصحفيات، ولي شخصياً، تجديد التواصل المباشر، وتبادل المعلومات الرؤى، واسترجاع الذكريات الجميلة في بلاط صاحبة الجلالة، ما كان لذلك أن يحدث لولا رحلة بورتسودان، فشكراً للمنظمين وشكراً للرعاة والمشرفين، وشكراً لكل مسؤول أتاح لنا من وقته، وأغدق لينا من كرم ضيافته.

(في الحلقة القادمة أتحدث عن انطباعاتي عن الحياة في مدينة بورتسودان)

العبيد أحمد مروح