رأي ومقالات

حسن الترابي الأثر الذي لن يمحى في يومنا ولا غدنا

حسن الترابي الأثر الذي لن يمحى في يومنا ولا غدنا
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
” جوزيه ساراماغوا ” الكاتب الروائي البرتغالي ، أعطى ما يزيد على ثلاثين مؤلفا في الرواية والشعر والمقاربة والمسرح ، بيعت كتبه نحوا من أربعين ملايين نسخة وترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة ، وحاز على جائزة نوبل للآداب عام 1998م .
أديب فارع الذكاء ، أو هكذا ذهبت بوصفه ” جمانة حداد ” الكاتبة الصحفية اللبنانية ، أشارت في حواراها المبدع معه ، أنه كيف ظل ” ساراماغوا ” مفتونا بمواطنه الشاعر الراحل ” فرناندو بيسوا ” فتونا مسيطرا ، حتى زاره في إحدي شخصياته الروائية ” ريكاردو ريس ” في روايته ” سنة موت ريكاردو ريس ” ..
سألته ” جمانة حداد ” كيف تقدم ” بيسوا ” الميت في كتابك كشخص حقيقي وعلى قيد الحياة ، ويقول لنا أن : ” الجدار الذي يفصل الأحياء في ما بينهم ليس أقل سماكة من الجدار الذي يفصل الأحياء عن الأموات ” .
هل كان ذلك الكتاب طريقتك في إختراق الجدار بينك وبين بيسوا ؟
قال :
الأموات ” الحقيقيون ” لا يمكن أن يموتوا إذا ظللنا نفكر بهم .
فذاكرتنا متصلة بهم ، وأعمالهم بقيت لدينا ، مثل كل ما فعلوه وتركوه وراءهم .
فإذا توقفنا عن الهجس بفكرة أنهم ماتوا ، سوف نستطيع أن نهزم الكثير من العوائق التي نبنيها بين الأحياء والأموات ، وسنتمكن من العيش معهم من خلال الذاكرة .
ولست أعني فقط ذكريات الماضي ، أي كل ما كان قيد الوجود يوما ورحل ، بل أيضا ذكريات المستقبل ، أي الأمور التي نقوم بها وتترك أثرا لا يمحى في غدنا .
وأنا أقرأ ما قاله ” ساراماغوا ” في إجابته تلك ، لسؤال ” جمانة حداد ” ..
إسقط في يدي ذلك المعنى ، في تلك الشخصية ، لا الفارعة الذكاء فحسب ، بل ملك الذكاءات المتعددة في الفكر الناقد ، وأسلوبية التكلم والخطاب ، والكتابة الحاذقة .
هو وحده من الناس ليس غيره الدكتور حسن عبدالله الترابي – رحمه الله وغفر له – الذي رحل عن دنيانا ولم يرحل ، مات ولم يمت في حيواتنا .
اليوم يفكر المفكرون ، لا أنصاره ومريدوه فحسب ، بل المختلفون معه ، والمخاصمون له ، تجد الدكتور حسن عبدالله الترابي هو الشيخ المحيط بهم أينما ذهبت افكارهم ، لطالما يسكنهم ، في تلافيف الذاكرة ويلمسونه في كل فضاءات ذواتهم .
الترابي ترك بصمته المميزة ، التي لا يمكن أن يتعامى عنها راء .
وضع الترابي حتى أسس الرسم للرسام والنحات في ” حوار الدين والفن ” .
وشق للمرأة طريقا عامرا بالحياة في رسالته ” المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع ” ..
ولأن هدف الدكتور الشيخ حسن عبدالله الترابي هو أن لا يترك الذين يأتون إلى هذه الحياة في العتمة كان كتابه ” الإيمان وأثره في الحياة ” وكتابه ” الصلاة عماد الدين ” و ” التفسير التوحيدي ” وغيرها من الكتب الرصينة التي ذهبت في إتجاهات الإحياء والتجديد .
في كل فصل مدرسي ، وقاعة تدريس جامعي ، تجد له تلاميذ وتلميذات وتوقيع أسمه المنير على كراساتهم المعرفية .
جاهد بما له من ملكات مبدعة خلاقة أن يحول دون أن يقع الناس في الهاوية .
الترابي يزور حيواتنا ، مخترقا كل الجدر الفاصلة ، فلا أحد من المشتغلين بالإنتاج الذهني أن يتخيل فكرة من الأفكار ، أو ، يصوغ قولا من الأقوال دون تحوم في في مخيلته ، صورة الشيخ حسن عبدالله الترابي بتناغم إيقاعات حركته المهابة لحظة الكلام والمشي وسكونه الصنو للوقار .
__________
* تنبيه :
هذا المنشور مجتزأ من مقال مطول لم أنشره حتى الآن ، على أمل نشره كامل النص في وقت لاحق بإذن الله .