رأي ومقالات

ميدان بلا جنود

لم تعد حكاية بلادنا تجد طريقها الطبيعي الى المنابر التي تستحقها، ولا باتت تخرج من افواه تعرف وجعها وتفاصيل دموعها. صارت قصتنا تتشظى في اروقة بعيدة وتروى عبر غيرنا، تحملها اصوات لا تشبه اهلها، وتصل الى العالم محمولة على سرديات مصنوعة بعناية. وبين ما يحدث على الارض وما يروى في الخارج، تتبدد الحقيقة وتضيع الملامح، بينما تتقدم روايات جاهزة تصوغها جهات تعرف بدقة ما تريد زرعه في الاذهان، وكيف تريد اعادة تشكيل الصورة بما يخدم اجندتها.

وفي هذا المشهد فقد تابعت بالامس استضافة الاتحاد الاوروبي لخالد سلك، وهو يقدم مرافعته كممثل وناطق رسمي باسم المليشيا وقوى العار المدنية التي تساندها. وقد ارتدى في مرافعته ثوبا سياسيا ناعما، ووزع الاتهامات باناقة مصنوعة، والبسنا جميعا ثوب الحركة الاسلامية بعد ان قدم سردا تاريخيا عنها، وادان الجيش وقياداته الحالية، وترك للمليشيا مساحة من التجميل السياسي، مقدما نفسه كقائد سياسي ووزير سابق ومناصر مدني ضد الحرب، بطريقة اراد لها ان تلامس مشاعر الحاضرين.

وبرغم لغته الانجليزية المكسرة، وحركات يديه التي حاول فيها تقليد حمدوك، وعدم انسجام افكاره وضعف استخدامه للمفردات، وبالرغم من انفعالاته وعدم هدوء نفسه، فان كل ذلك لم يشتت انتباه الحاضرين. فقد غلب على المشهد تقديمه الرسمي الذي اضفى على وجوده وزنا اكبر من ادائه، وجعل القاعة تنصت الى سرديته الزائفة لكنها مرتبة بعناية، بلا توقف عند عيوب الخطاب ولا ثغرات التقديم. ولم يكن ذلك صدفة، فالمشهد برمته يعكس جهدا منظما بذلته المليشيا وربيبها السياسي لتأهيل جناحها المدني، والارتقاء بخطابه وصقله في اتجاه يخدم سرديتهما في الخارج، ويضمن وجود اصوات ووجوه قادرة على التأثير في دوائر القرار.
وهكذا وجدنا انفسنا امام ميدانا تتحرك فيه جهات بثقة واصرار وقدرات على الاتصال، بينما نقف نحن بلا جنود حقيقيين، بلا اصوات مدربة، وبلا حضور في المسارات التي تمهد لصنع القرارات الدولية.

ولان العالم يبني احكامه على السرديات قبل الحقائق، ولان من يروي الحكاية هو من يحدد معناها، فان ضرورة تشكيل فريق سياسي كاريزمي ووطني مؤهل من الشباب السودانيين لم تعد خيارا، بل حاجة عاجلة تفرضها اللحظة. فريق يحصل على التدريب المطلوب، ويتزود بالمعلومات الدقيقة، ويذهب الى كل دوائر صنع الافكار السياسية والعملية الممهدة لصنع القرار والمواقف الدولية للدول ، واعني الاتحاد الاوروبي والكونغرس والمنظمات الدولية والاتحادات الدولية ومراكز الابحاث السياسية العالمية ودهاليز صناعة السياسات والتحالفات ، ليقدم رواية بلادنا كما يجب ان تقدم، بذكاء واتقان وقدرة على التأثير.

فريق شبابي عاصر تاريخ شعبه الحديث، ويعرف اللغة التي يفهمها العالم، وقادر على صناعة خطاب قوي لا يخفت امام السرديات المزيفة، ويستطيع تحويل صوت بلادنا من هامش عابر الى حضور فاعل في كل مسار من مسارات صناعة القرار. بثقة ووعي وهدوء، يقدمون قصة بلادنا بلا صراخ، بل بمهارة لاننا نحن اصحاب الحق بلا جدال.

والحقيقة ان الغياب عن هذا الميدان يفتح الباب لغيرنا ليكتبوا تاريخ بلادنا بالنيابة عنا. وكل يوم نتأخر فيه يرسخ رواية اخرى لا تشبهنا ولا تشبه بلادنا. فالمليشيا تنجح عندما يتبنى الآخرون رؤى جناحها المدني، وعندها لا يكون لنا صوت سوى التعامل بردود الافعال بعد ان نتلقى الضربة الاولى في دهاليز صناعة المواقف المؤثرة والممهدة لصناعة القرارات والمواقف الدولية. ولان العالم لن ينتظر الحقيقة بل سيأخذ ما يصل اليه، فمن واجبنا ان نكون نحن من يقدمها اليه. فاما ان نروي قصتنا بانفسنا، او سيكتبها غيرنا. وهذه هي المعركة التي لا تعرف الانتظار ولا تحتمل الغياب.

بقلم / فاروق فريد