إبراهيم شقلاوي يكتب: يوم في الرياض لخصته تغريدة

زيارة الرئيس عبد الفتاح البرهان بالأمس إلى الرياض ولقاؤه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تمثل محطة مهمة، تتجاوز البعد الدبلوماسي التقليدي إلى الدلالات الجيوسياسية، التي لا تنفصل عن التفاعلات الإقليمية والرهانات المؤجلة خلال الفترة الماضية.
يوم واحد كان كافيًا ليكشف عن انتقال الملف السوداني من دائرة الإهتمام إلى قلب الحسابات الاستراتيجية السعودية، في هذا المقال نحاول تناول أبعاد الزيارة ومقدماتها والأجواء التي أحاطت بها والنتائج المرجوة منها.
أبرز ما يلفت في الزيارة هو مستوى التمثيل السعودي وطبيعته. فأن يقودها ولي العهد، بصفته رئيسًا لمجلس الوزراء، وبحضور وزراء الدفاع والخارجية والمالية ومستشار الأمن الوطني، يعني أن السودان بات ملفًا سياديًا بامتياز في الرياض، لا مجرد قضية، تُدار عبر القنوات التقليدية.
هذا التكوين يكشف عن مقاربة شاملة ترى الأزمة السودانية كمنظومة مترابطة: أمنية، وعسكرية، وسياسية، واقتصادية. حضور وزير الدفاع يضع الترتيبات الأمنية والعسكرية في صدارة النقاش، ووجود وزير الخارجية يؤطر المسار التفاوضي وعلاقته بالمجتمع الدولي، بينما يشي حضور مستشار الأمن الوطني بأن تقديرات المخاطر والسيناريوهات كانت حاضرة على الطاولة. أما وزير المالية، فوجوده رسالة واضحة بأن سلام السودان في الرؤية السعودية، لا يمكن أن يستقيم دون أفق اقتصادي يعالج جذور الانهيار واعادة الاعمار ويمنح أي تسوية قابلية للاستدامة.
دلالة أخرى لا تقل أهمية تكمن في مكان اللقاء، الذي عُقد في مكتب ولي العهد بقصر اليمامة، هذا الاختيار يعكس أسلوبًا سعوديًا يميل إلى العمل التنفيذي الهادئ، حيث تُناقش التفاصيل الصعبة بعيدًا عن الأضواء.
في تقاليد صنع القرار السعودي، يُستخدم هذا الإطار عادةً عندما تكون هناك تصورات جاهزة أو مسارات قيد الاختبار، وليس لمجرد المجاملات السياسية. وهو ما يعزز فرضية أن الزيارة كانت جلسة عمل حقيقية، هدفها قياس مدى إلتقاء الرؤى والأفكار أكثر من التركيز على المظهر الإعلامي.
في الجانب السوداني، جاءت الزيارة بعد تسريبات حول خارطة طريق سعودية تم الدفع بهآ و جرى تداولها في أروقة السلطات السودانية، عقب زيارة سرية لم يُعلن عنها قام بها وفد سعودي رفيع برئاسة نائب وزير الخارجية المهندس وليد الخريجي إلى بورتسودان مطلع الأسبوع، حاملاً أيضًا الدعوة للرئيس البرهان لزيارة الرياض.
يبدو أن التفاعل السوداني مع خارطة الطريق هذه كان إيجابيًا، مع تحفظات قليلة تتصل بالخصوصية الداخلية والاعتبارات السيادية. في هذا السياق يمكن قراءة زيارة البرهان بوصفها «إجابة سياسية» على المقترح السعودي: لا رفضًا يعطل المبادرة، ولا قبولًا غير مشروط، بل محاولة لإعادة صياغتها بما يتلاءم مع الواقع السوداني وتعقيداته.
هذا السلوك يعكس قدرًا من النضج السياسي، وإدراكًا بأن المبادرات الإقليمية لا تنجح إلا إذا أعيد تكييفها من الداخل، لا إسقاطها من الخارج.
سياسيًا تكشف الزيارة عن إعادة تموضع سعودي محسوب في الملف السوداني. المملكة بما تملكه من رصيد موثوقية داخل السودان، تسعى إلى لعب دور فاعل ومتوازن، يتجاوز الوساطة التقليدية إلى الشراكة في صياغة الحل. اللغة التي استخدمتها وكالة الأنباء السعودية، بالتركيز على “استعراض المستجدات وتداعياتها والجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار” ، تعكس هذا التحول، فالسعودية لا تقدم نفسها كطرف محايد يقف على مسافة واحدة، بل كفاعل يرى نفسه جزءًا من معادلة الاستقرار.
نجاح الزيارة لخصته تغريدة للرئيس البرهان على منصة “إكس”، والتي جاءت مباشرة عقب اللقاء، في توقيت محسوب ولغة ذكية : “تشرفت اليوم بزيارة البلد الشقيق، أرض الخير، المملكة العربية السعودية. شكرًا على حفاوة الاستقبال. شكرًا أخي الكريم، ابن الأكرمين سمو الأمير محمد بن سلمان”. هذه الصياغة، بما تحمله من دفء لغوي وارتفاع ملحوظ في نبرة الامتنان، تتجاوز المجاملة الدبلوماسية إلى أداء وظيفة سياسية واعية.
فالتغريدة تُعد إعلانًا مبكرًا عن نجاح الزيارة، و في بعدها الداخلي، رسالة تطمين موجهة للرأي العام السوداني، تهدف إلى تعزيز الثقة في قيادة المملكة العربية السعودية، وتقديمها كشريك موثوق في البحث عن إستعادة الأمن والاستقرار.
أما خارجيًا فتعكس التغريدة إعادة تموضع محسوبة للخرطوم داخل شبكة تحالفات أكثر استقرارًا، وتبعث بإشارة واضحة إلى أن قناة الرياض باتت مسارًا مفضلًا لإدارة ملف الحرب والسلام. وهذا هو #وجه_الحقيقة.
دمتم بخير وعافية.
الثلاثاء 16 ديسمبر 2025م Shglawi55@gmail.com






