سبع ساعات داخل ميناء سواكن.. إفراج مؤقت
عبور الصحفيين بوابة الموانيء البحرية دون جوازات وتأشيرة خروج تعد من المهام الصحفية الصعبة، ناهيك عن دخولها بكاميرا وإجراء تحقيق صحفي.. فالأمر عادة معقد ويحتاج إلى إتصالات، ومكاتبات، وأذونات، وتصديقات.. لكن للحق، المسئولين بهيئة الموانيء البحرية ببورتسودان لم يوصدوا امامي بوابة ميناء «عثمان دقنة» بسواكن ، بل تفهموا مهمتي فرحبوا بدخول «الرأي العام» لزيارة الميناء للوقوف ميدانياً على حركة وإجراءات المغتربين القادمين من المملكة العربية السعودية ودول الخليج عبر ميناء جدة، خاصة الاجراءات المتعلقة بالإفراج المؤقت.. بل ان الزيارة فاقت كل توقعاتي إذ سمح لي الصعود والتجول داخل إحدى بواخر الركاب العملاقة التي تتكون من «9» طوابق، وهي أشبه بالعمارة العائمة.. فلنبدأ الابحار داخل ميناء سواكن..
التربتك
سبع ساعات كاملة قضيتها داخل ميناء (عثمان دقنة) بسواكن بهدف الوقوف على الإجراءات المتعلقة بسيارات الإفراج المؤقت للمغتربين السودانيين القادمين من المملكة العربية السعودية ، ودول الخليج، بجانب المغتربين العاديين الذين يأتون بدون سيارات.. قبل توجهي لبورتسودان ظهر الثلاثاء الماضي، التقيت بعدد من العاملين بالخارج ممن قدموا بسياراتهم فسألتهم عن إجراءات الإفراج المؤقت بميناء سواكن، معظمهم أشاد بسرعة الإجراءات وتبسيطها عكس ما كان يحدث في السابق، بجانب محدودية الرسوم المفروضة من عدة جهات داخل الميناء.. والبعض شكا من إشكالات تتمثل في حجز العربة بالميناء وعدم السماح بدخولها، أو عدم السماح لابنه الطالب بالسودان بامتلاك عربة إفراج مؤقت.. وبعد وصولي ميناء سواكن ومقابلتي للمسئولين إتضح ان ذلك يعود لعدم الإلمام المسبق للمغترب بلائحة الجمارك وشروط الإفراج المؤقت التي تحدد موديل، ونوع العربة، والاوراق والشروط الخاصة بالافراج المؤقت، وذلك يعود لعدم إلمام بعض المغتربين او عدم إطلاعهم على الشروط، وكما قال لي احد المغتربين من داخل صالة الإفراج المؤقت ان تلك مهمة سفاراتنا بالخارج، لتنوير المغتربين بهذه الاجراءات قبل شروعهم فيها.
ومعروف ان سيارات المغتربين تدخل البلاد عبر نظام (العبور الجمركي المؤقت) المعروف باسم (التربتك)، وهو نظام عالمي لتسهيل نقل الافراد بين الدول بدون دفع الرسوم الجمركية لمركباتهم وملحقاتها عدا البضائع المحمولة عليها، ويتم ذلك عبر دفتر أصفر اللون يسمى (دفتر المرور الجمركي) (التربتك) ، يصدر من الوكالات بالدول العربية، وفي السودان يصدر من شركة المهاجر العالمية، وهي شركة وطنية تعمل كضامن لسيارات العاملين بالخارج التي تدخل البلاد عبر نظام التربتك، وذلك بالاتفاق مع إدارة الجمارك، بحيث ان السيارة إذا لم تخرج في مواعيدها المقررة تتحمل الشركة الضامنة رسوم جماركها.. وكما قال لي «أبو عبيدة مبارك الحاج»، مدير التربتك ان الضمان يشمل اية مركبة حاملة لدفتر الاتحاد الدولي للسيارات «FIA»، ومقره جنيف ، وهو موحد اللون والشكل بكل العالم – أصفر اللون – وبناء على الضمان أصدرت إدارة الجمارك لائحة الافراج المؤقت كخدمة للعاملين بالخارج الذين يرغبون في تمضية إجازاتهم بالسودان بصحبة سياراتهم. حيث حددت لائحة الإفراج المؤقت الأشخاص المسموح لهم بالافراج المؤقت، بشرط ان تكون العربة مسجلة في بلد الإغتراب المرخصة فيه وباسم صاحبها الذي يجب ان يكون هو مالك السيارة، او مفوضاً من مالكها وان يظل في السودان لمدة «3» شهور قابلة للتجديد لثلاثة شهور أخرى، ولا يسمح ببيع السيارة قبل سداد الرسوم الجمركية، كما لا يجوز قيادة سيارة الافراج المؤقت داخل السودان إلا بواسطة صاحبها فقط ولا يحق للمفوض ذلك، وان تكون العربة مؤمنة تأميناً شاملاً، وهذا يحدث داخل الميناء ومطابقة لمواصفات المرور، فمثلاً السيارات المظللة القادمة من الخارج تعتبر مخالفة وفقا لقوانين ولوائح المرور السوداني، ولذلك يجب إزالة التظليل داخل الميناء قبل دخول السيارة الى البلاد. ويجب ان تبقى السيارة بالخارج مدة مماثلة للفترة التي قضتها داخل البلاد، حتى يسمح لها بالعودة للسودان مرة أخرى.
ويمنح دفتر التربتك للمغتربين مقابل رسوم زهيدة، وحديثاً سمحت الجمارك لابناء العاملين بالخارج الذين يدرسون بالجامعات السودانية بإحضار سيارات إفراج مؤقت معهم بشرط أن يكون لديه جواز حامل إقامة سارية المفعول بالخارج، وان يكون حاملاً لدفتر المرور الجمركي.
وجدة.. رحمة
عند دخولي ميناء «عثمان دقنة» بسواكن صباح الاربعاء الماضي الموافق «19» أغسطس 2009 صادفت وصول باخرتين قادمتين من ميناء جدة، هما :(وجدة) و (رحمة)، الأولى رست في مربط ميناء سواكن حوالي الحادية عشرة والنصف، والثانية بعدها بحوالي ساعتين.. الباخرة (وجدة) ترفع العلم السعودي، وتتبع لشركة سوباط للملاحة ، طولها (143) متراً، سعتها (973) راكباً بالطاقم، كانت تحمل (49) من السودانيين المرحلين من المملكة ، تابعتهم حتى داخل صالة الوصول، حيث اصطفوا أمام أحد رجال الامن لأخذ بياناتهم من واقع وثائق السفر الإضطرارية التي بحوزتهم معظمهم لا يحمل أمتعة، سألت عدداً منهم عن سبب ترحيلهم، فاتضح انهم بلا إقامات. أما الباخرة الثانية، (رحمة) فهي تتبع لشركة نماء للملاحة السعودية.. ووكيلها في السودان شركة( سونا) للملاحة دخلت الميناء في الواحدة والنصف بعد الظهر تحمل «36» عربة افراج مؤقت و«337» راكباً تجولت داخلها طابقاً طابقاً، حيث انها تحتوي على «9» طوابق ولذلك يوجد بها مصعد كهربائي، صعدت حتى الطابق الثامن وقابلت قبطانها «محمد حسن سعيد احمد» وهو مصري من أسوان.. الباخرة عملاقة وفاخرة ومهيأة بكل اساليب الراحة، قال لي مرافقي «عصام عبد المنعم» ضابط إداري أول الباخرة، ان حمولة رحمة «959» راكباً بجانب افراد الطاقم البالغ عددهم «68» تحتوي على «9» طوابق، و «650» سريراً منهم «220» اولى ممتازة و «430» سرير أولى، بجانب «400» كرسي «بولما»، وبها قاعة سينما، و «2» كافتيريا، طول الباخرة «148» متراً ، تقطع المسافة بين ميناءي سواكن وجدة خلال «12» ساعة وهي من البواخر التي أنقذت الحجاج الذين كانوا يتكدسون بميناء جدة العام الماضي لتعطل باخرة باعبود الناقلة لهم، بجانب البواخر مودة، ومحبة ومسرة، حيث نقلت حوالي «6» آلاف حاج من جدة إلى سواكن.. طلبت من قبطان الباخرة زيارة غرفة القيادة (الكابينة) فسمح لي، فصعدنا للطابق التاسع لم استوعب شرح أحد ضباط الباخرة لاجهزتها الملاحية المعقدة، فهي تعمل بالكمبيوتر، لم أتعرف سوى على الصندوق الأسود وهو يشبه ذلك الخاص بالطائرات إلا أنه اكبر حجماً.
أرقام وإحصاءات
مواسم دخول سيارات المغتربين بسياراتهم عبر نظام الإفراج المؤقت تنشط في الاعياد وآخر رمضان إبتداء من «5» ذي الحجة حتى «9» منه، وايضا خلال الفترة من «20- 29» رمضان.. وإستنادا إلى الاحصائيات التي قدمها لي «إبراهيم عبد العظيم الشكري» ، مدير مكتب جهاز شئون العاملين بالخارج، بميناء سواكن، فإن عدد سيارات الإفراج المؤقت الخاصة بالمغتربين السودانيين ، والواردة لميناء عثمان دقنة من ميناء جدة خلال الفترة من يناير حتى أغسطس 2009بلغت «7975» عربة، والصادر منها خلال نفس الفترة «2632» عربة، وذلك عبر شركات (باعبود – سوباط – الثريا – سونا).. بينما بلغ عدد المغتربين الذين دخلوا البلاد عبر ميناء عثمان دقنة خلال الفترة من أول يناير حتي 19/8/2009(43334) مغترباً، «عمر ميرغني جبارة» مدير شركة المهاجر العالمية فرع سواكن وهي الشركة الضامنة للمغتربين قال لي ونحن نتجول داخل الميناء وسط القادمين من جدة: لدينا «41» متابعاً لتخليص اجراءات سيارات الافراج المؤقت حيث يقومون باستقبال المغتربين اصحاب السيارات وإرشاد أسرهم للصالات المخصصة لهم وتوزع عليهم كتيبات تعريفية للإجراءات وكل متابع يقوم باجراءات تخليص عربة أو عربتين.. وقال: هناك وكالات بجدة همها الأول والأخير شحن السيارة وأخذ عمولتها بدون تنوير المغترب بالاجراءات ، مما يتسبب في تأخير بعض إجراءات المغتربين.
تبسيط الاجراءات
اثناء تجوالي داخل الميناء وقفت على التقنية العالية التي تتبعها شرطة الجمارك لانهاء الافراجات المؤقتة بالسرعة المطلوبة، مقدم «عثمان فتحي» رئيس قسم الافراج المؤقت أشار لربط الشبكة بالميناء مع الرئاسة مباشرة، وإجراءات التفتيش للأمتعة تم تبسيطها وتعمل جميع الجهات داخل الميناء كوحدة واحدة لتخليص العربات، والتعاون بين ضباط الجمارك وصف الضباط كان له اثر واضح في سرعة ودقة اداء العمل، واحيانا نستقبل (100-150) عربة في يوم واحد ونقوم باجراءاتها لتخرج في نفس اليوم.
وكشف العربة الواحدة لا يستغرق سوى (5-10) دقائق ، إلا إذا كانت أوراق العربة غير مكتملة، فيكون هناك بعض التأخير، وهو أمر خارج عن إرادتنا ، ولسنا سبباً فيه.. بينما أكد لي العقيد صلاح محمود عبد الكريم .. مدير فرع الصالات بميناء سواكن، والذي كان يرتدي كمامة تحوطاً من انفلونزا الخنازير ، قال ان فحص الأمتعة يتم بالسرعة المطلوبة رغم حجم الامتعة الكبير.. بينما أوضح «محمد نور محمود» رئيس الهيئة النقابية لعمال الصالة، وجود «300» عامل بالميناء لخدمة الركاب، ونفى أن يكون هناك إستغلال منهم لركاب البواخر، فالتعرفة معروفة وموجودة على اللوحات داخل الميناء، وهي في حدود «7 – 10- 15» جنيهات، وايام الحج والاعياد نتقاضى اجرة ترحيل أقل، وأحيانا نساعد المسافرين من كبار السن بالمجان.. اما سيارات الإفراج المؤقت فإن العمال يقومون بانزال الامتعة من العربة وبعد فحصها بواسطة الجمارك نقوم باعادتها للعربة وتربيطها بالحبال جيداً والأجر بالتراضي مع صاحب العربة، وهناك «600» عربة صغيرة لنقل أمتعة الركاب ، خدمة مجانية من هيئة الموانيء البحرية.
مع المغتربين
عدد من المغتربين العائدين من المملكة السعودية التقيتهم قرب سياراتهم (إفراج مؤقت) عقب خروجهما من الباخرة «وجدة» مباشر وأثناء اجراءات تخليصها… عبد الرحيم محمد علي أحمد قادم من الرياض، وصف إجراءات تخليص سيارته بالممتازة، مشيراً انه لم يكن يتوقع إنجازها بهذه السرعة.. وافقه على ذلك المغترب وليد علي إدريس، مضيفاً ان الاجراءات سريعة، ومنظمة ومنسابة لم تستغرق سوى ساعتين منذ خروج العربة من الباخرة حتى مغادرتها الميناء.
أما المستشار المغترب عبد الله عبد الرحمن زاكي الدين.. ويعمل بالرياض قال لي وهو يقف أمام امتعته بعد أنتهاء ضابط الجمارك من فحصها داخل المظلة المخصصة لسيارات الافراج المؤقت:
عملية إنزال العفش من السيارة اجراء متخلف لا يحدث في كل الموانيء البحرية بالعالم، ويفترض وجود جهاز للكشف «اسكنر» للقيام بهذه المهمة.. ويتساءل:
لماذا لا تتم الاجراءات الخاصة بالعربة من جدة وتحويل بياناتها لميناء سواكن عبر الشبكة؟.. كما يفترض وجود نظام لتعرفة عمال الشحن، ولم اكتشف وجود التعرفة الا بعد فراغي وهذا اعتبره قصوراً من المتابعين- يقصد الموظفين الذين يقومون بتخليص اجراءات الافراج المؤقت نيابة عن أصحاب العربات- فيفترض ان يعلموا المغتربين بمثل هذه الأمور فور نزولهم من الباخرة:
إلا ان «عز الدين محجوب عبد الله الماحي» كبير المتابعين ينفى ذلك ويقول ان هناك «14» متابعاً بالشركة الضامنة «المهاجر» يتابعون عملية الافراج المؤقت ويبصَّرون صاحب العربة بالاجراءات ويقوم نيابة عنه بسداد الرسوم المقررة والتي تبلغ في مجملها «450» ريالاً سعودياً تفاصيلها كالآتي:
«200» ريال، للمالية بولاية البحر الاحمر «80» ريالاً لمحلية سواكن «150» ريالاً إذن تسليم الشركة الناقلة – «20» ريالاً رسوم صالة الموانيء البحرية «50» جنيهاً سودانياً رسوم ملاحظة جمارك.
التــاج عثمـــان :الراي العام
والله إلا تكون مشيت ميناء تاني غير البنسافر بيهو دا ياراجل قل الحق أو اصمت