تحقيقات وتقارير

لقاء الحكومة والتجمع.. الأجندة الخفية

(قد يجمع اللّه الشتيتين بعدما.. يظنان كل الظنّ ألاّ تلاقيا)، هذا البيت من الشعر جسده اجتماع إلتأم أمس الأول لطرفي اتفاق القاهرة المؤتمر الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي بعد انقطاع أو فلنقل – قطيعة – دامت لثلاث سنوات من عُمر الاتفاق الذي يبلغ خمس سنوات. وبالرغم من صعوبة الخروج في ذلك الجو الممطر إلاّ أنّ الأطراف الرئيسية للإتفاق كانت حريصة للوصول إلى دار أبو جلابية، حيث وصل الفريق عبد الرحمن سعيد نائب رئيس التجمع والأستاذ حاتم السر الناطق الرسمي باسم التجمع والمهندس محمد فائق عضو التجمع وآخرون، ووصل من جانب المؤتمر الوطني المهندس الحاج عطا المنان بعد انتظار ليس بالكثير مُخالفاً كل التوقعات التي ذهبت، إلاّ أنّه لن يتمكّن من الحضور بسبب الأمطار، وكان حضوراً من أحزاب التجمع في الاجتماع السيد الأمين حمودة عن الحزب القومي وعوض الباري عن الجبهة الوطنية الثورية، وتغيّب د. الشفيع خضر ممثل الحزب الشيوعي لأسبابٍ صحيةٍ وفاروق أبو عيسى نسبةً لتواجده خارج البلاد.
أجندة اللقاء الأساسية في الجلسة التي فضّل الجانبان أن يطلقا عليها (إجرائية)، هي تحريك السكون الذي ظلت فيه اتفاقية القاهرة، وذلك بعد أن أجرى السيد محمد عثمان الميرغني قبل سفره إلى القاهرة مشاورات واسعة مع قيادات فصائل التجمع. وأوضح المهندس محمد فائق ممثل الحزب الاتحادي في هيئة قيادة التجمع في حديثه لـ «الرأي العام»، أنّ كل الفصائل التي إلتقاها السيد الميرغني أجمعت على أن الوسيلة المثلى لتحريك سكون الاتفاقية هو تنشيط اللجنة المشتركة واللجان الفرعية التي نص عليها الاتفاق لتنفيذ البنود التي لم تُنفذ، واستبعد فائق أن يكون في تلك الجلسة إبعاد لأي فصيل أو شخص بعينه. فيما اعتبر د. يحيى مكوار عضو القطاع السياسي بالاتحادي أنّ اللجنة التي اجتمعت مع الحكومة من جانب التجمع تم تعديلها بشخصيات مهادنة غير تلك الشخصيات التي وصفها بالمصادمة لتمرير أجندة أخرى غير اتفاق القاهرة، وقال لـ «الرأي العام»: قد تكون للأمر علاقة بما صدر من المهندس الحاج عطا المنان من تصريحات أكّد فيها أنّ المؤتمر الوطني يمضي في خطوات حثيثة مع الحزب الاتحادي لدخول الانتخابات المقبلة في تحالف، وأشار في تصريحاته أن السيد محمد عثمان الميرغني أمّن في لقائه مع الرئيس عمر البشير على ترشيحه (البشير) لرئاسة الجمهورية من قِبل الاتحادي. في ذات الوقت الذي تمضي فيه قيادات لبناء تيار لخوض الانتخابات ضد المؤتمر الوطني، وأبدى استغرابه لأن يكون الأستاذ حاتم السر الذي اعتبره من الشخصيات المصادمة للمؤتمر الوطني، في مثل هذه اللجنة، وأشار إلى أن القطاع السياسي طلب عقد اجتماع تفسيري لهذه المواقف التي وصفها بالمتناقضة، وقال إن السيد الميرغني سافر وهو على موقفه الرافض لأي تقارب مع الوطني. ويتفق مع مكوار الأستاذ محمد وداعة وهو احد أعضاء اللجنة (المستبدلة) حينما قال إن اللجنة التي اجتمعت مع الحكومة ليست هي ذات اللجنة المفوضة بالحوار في اتفاق القاهرة، وأضاف: قد يكون هذا الاجتماع لأي شئ آخر غير الحديث حول اتفاق القاهرة.
وبالرغم من حديث الميرغني في الافطار الذي نظمه بمنزله أمس بالقاهرة الذي قطع فيه الطريق أمام أية إتفاقات ثنائية، إلا أن هنالك مراقبين ينظرون للقاء للجلسة الإجرائية للجنة المشتركة، بوصفها نافذة لتحالفات انتخابية مقبلة، ويقولون إن التجمع الآن يعتبر نواةً خصبةً لهذه التحالفات، ويرى المراقبون أن هذه التحالفات ستكون خاضعة لموازنات مختلفة ستحددها خارطة العملية الانتخابية نفسها، أي أنها من الصعوبة بمكان أن يعلن عنها أي حزب في الوقت الراهن.
الأستاذ حاتم السر الناطق الرسمي باسم الاتحادي حينما سأله الصحافيون في مؤتمر صحفي لحزبه عن رؤية الاتحادي في مسألة التحالفات، قال إنّ هذا الأمر سابق لأوانه – وهذا الرد هو الغالب لكثير من الأحزاب – ولكن حاتم السر عليه حينما ذكر له الصحافيون أن هنالك تكهنات بتحالف قادم بين حزبه والحركة الشعبية، قال إن هنالك تحالفا قائما بين الحركة الشعبية والحزب الاتحادي تحت منظومة التجمع الوطني، وأشار الى ان التجمع يريد أن تتسع مظلة تحالفاته. بمعنى أنه حتى الوقت الراهن، أو على أقل تقدير في ظاهر الحال أن الحزب الاتحادي إن قدر له التحالف مع حزب سياسي، فإن الحركة الشعبية هي الأقرب بحكم عضويتها في التجمع، ذلك بجانب الود الكبير الذي جمع في وقت سابق زعيم الحزب الاتحادي السيد الميرغني، والراحل د. جون قرنق ولم تنقطع هذه العلاقة عقب رحيل قرنق ولكنها ليست بذات القوة. ويقول مراقبون إن دخول حزب الأمة القومي في خط العلاقة الحميمية مع الحركة الشعبية ربما ينتج عنها أحد الأمرين أولهما عودة حزب الأمة لمنظومة التجمع الوطني عبر بوابة الحركة، وهذا الاتجاه قد يكون الأضعف – بحسب المراقبين – أما الثاني ربما يتحفظ المؤتمر الوطني من تحركات الأمة ليخلق صيغة تحالفية مع الاتحادي عبر بوابة اتفاق القاهرة وهو الأقرب، لأنّه وبالرغم من حديث سابق للسيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة بشئ من الغزل عن مقترح الراحل الحاج مضوي حينما عرض عليه تكوين جبهة عريضة من حزبي الأمة والاتحادي، الا أن القراءات النفسية لزعيمي الحزبين والسياسية لقواعدهما تستبعد حدوث هذا الأمر إلا بمعجزة.
وتصبح قراءة التحالفات المقبلة خاضعة لأمرين مهمين، تحالفات على أساس سياسي وفي هذه الحالة يكون فيها التجمع سيد الموقف بفصائله المتنوعة بما فيها الحركة الشعبية وحركة تحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي وقد تدخل فيها حركة عبد الواحد محمد نور التي يقال إنها عضو في التجمع، أو تكون تحالفات على أساس جهوي يضم حزبى المؤتمر الوطني والاتحادي الأصل.
وبالعودة للأجندة المعلنة لاجتماع اللجنة المشتركة بين الحكومة والتجمع، يجد القارئ لاحداثيات الجلسة الإجرائية أن الطرفين قدما تنازلات للقفز فوق عقبة الاتهامات من الجانبين بالتقصير في تنفيذ بنود الاتفاق، فقد قال حاتم السر للصحافيين عقب الاجتماع، قرر الجانبان تجاوز الاتهامات المتبادلة ليبدآن من حيثما وقف الاتفاق قبل ثلاث سنوات كسباً للزمن، لافتاً في هذا الشأن التوجه السائد لإجازة قوانين التحول الديمقراطي والاستعداد للانتخابات، ومن جانب الحكومة فقد بدأت عبر ممثلها المهندس الحاج عطا المنان الحديث عن تقويم الاتفاق وتفعيل اللجان الفرعية للنظر في البنود العالقة من اتفاق القاهرة، وهذا مؤشرٌ جديد يعبر عن تليين مواقف الجانبين.
ضياء الدين عباس :الراي العام