حوارات ولقاءات

مبارك الفاضل في حوار فوق العادة (1-2) : هناك بنود سرية في اتفاق التراضي الوطني و من مصلحة المؤتمر عدم توحيد حزب الأمة

[ALIGN=JUSTIFY]السوداني – حوار: سعاد عبد الله
هناك بنود سرية في اتفاق التراضي الوطني
من مصلحة المؤتمر عدم توحيد حزب الأمة
بحكم نشأته في أسرة المهدي انخرط مبارك الفاضل في العمل السياسي باكراً، مما أهله لتقلد مناصب دستورية وتنفيذية في حقبات حكم مختلفة ساعدته في خلق علاقات دولية واقليمية متعددة.. كما ربطته علاقة متميزة مع الإسلاميين منذ تحالف الجبهة الوطنية في سبعينيات القرن الماضي، وناضل في سبيل التحاقهم بحكومة الديمقراطية الثالثة ولاحقاً آثر الانفصال عن حزبه الأم من أجل المشاركة في حكومة الإنقاذ التي منحته منصباً رفيعاً كمساعد لرئيس الجمهورية، ولكنها فشلت في كبح جماحه السياسي ولم تستطع عليه صبراً فاقالته من منصبه ومن ثم طاله الاعتقال بتهمة قيادة محاولة تخريبية للاطاحة بالنظام.
ويعتبر مبارك الفاضل المهدي شخصية مثيرة للجدل بنظر معارضيه مع اعترافهم بأنه يتمتع بالدهاء والحنكة والجرأة والطموح الذي يجنح للمغامرة.
(السوداني) حاورته حول العديد من القضايا الراهنة:-
* بعد انسلاخكم من حزب الأمة الأم وعقب خروجكم من المشاركة في الحكومة لاحت مساعٍ حثيثة لرأب الصدع داخل الكيان وتم قطع شوط في اتجاه الوحدة.. وفجأة حدث تدهور مدهش نسف المساعي بتوقيع اتفاق التراضي كيف حدث ذلك؟
طبعاً نحن كنا كمجموعة تتكون من شباب حزب الأمة وشيوخ الأنصار لدينا مبادرة لرأب الصدع داخل أروقة الحزب وظلت هذه المبادرة مستمرة لأكثر من سنتين، نحن من جانبنا أيدينا مرونة وتجاوباً، لكن الطرف الثاني كان متشدداً ورافضاً للاتفاق، وبتصاعد الضغوط بصورة كبيرة حدث تحول في موقف الطرف الآخر ووافق السيد الصادق على عقد اجتماع في منزله، عقدت الاجتماع لجنة رأب الصدع في مايو 2007م وفي هذا الاجتماع حدث تحول وحضره حوالي (250) شخصاً من الأنصار والقيادات ومعظم الحضور كان من الذين كانوا قد جمدوا نشاطهم والذين خرجوا عن حزب الأمة القومي، وحضر من قواعد حزب الأمة الإصلاح والتجديد حوالي 40 عضوا بمشاركة شخصي.
هذا الاجتماع خاطبته لجنة رأب الصدع برئاسة الأستاذ كامل شوقي رئيس مجلس الشورى في حزب الأمة القومي وخبير الغابات المعروف، وخاطبه السيد علي يعقوب الحلو رئيس مجلس الحل والعقد في هيئة شؤون الأنصار والرئيس المناوب وخاطبه السيد الصادق وأنا.
في هذا الاجتماع لأول مرة الصادق عمل تحولاً في موقعه وأكد موافقته على التوجه نحو الوحدة ودعا لتكوين آلية لبحث التفاصيل واقترح عمل ورشة لدراسة التفاصيل ووضع سقف أعلى للوحدة وسقف أدنى للتنسيق السياسي بين الحزبين.
أنا شخصياً وافقت على هذا المقترح وأمنت على السقف الأعلى الخاص بالوحدة واعتبرت انه تم الاتفاق عليها من حيث المبدأ، لكن بسبب كثرة أسفار الصادق تأخر انعقاد اللجنة إلى ان تم اعتقالي في 13/ يوليو 2007.
* هل تعتقد ان اعتقالك قصد به قطع الطريق أمام العودة للتوحد؟
بالطبع اعتقالي قصد به قطع الطريق نحو الوحدة، وعند خروجي من المعتقل نهاية عام 2007 نشطت اللجنة مرة أخرى وعقدت اجتماعاً في مارس 2008 وسبق عقده اجتماع رعته اللجنة مثل الإصلاح فيه بروفيسور يونس عبد الله مختار نائب رئيس الحزب وثلاثة آخرين من القيادات، عبد الجليل الباشا الأمين العام للحزب وحمد عوض الكريم مساعد الرئيس وكوادر مخضرمة في الأمة وعقد اجتماع مطول قبل الورشة تحت رعاية اللجنة وتم الاتفاق على توصيات ترفع للورشة على ان يتم اجتماع آخر قبل الورشة.
لكن الصادق طلب تأجيل الاجتماع إلى ما بعد انعقاد الورشة لاعتقاده ان الورشة يمكن ان تقدم قضايا فكرية متعلقة بالانقسامات.
* هل تطرق الاجتماع لعملية الدمج بين الحزبين؟
في يوم 9/4/2008 حدث اجتماع بين الصادق واللجنة في الاجتماع تم اتفاق على تفاصيل اتمام الدمج بين الحزبين وطلب الصادق من اللجنة موافاته كتابة بنقاط الاتفاق قبل سفره في اليوم التالي حتى يتمكن عقب عودته من الاجتماع لصياغة الاتفاق النهائي، وفعلاً وافته اللجنة بالمطلوب، وعند عودته مطلع مايو من رحلة شملت تشاد، حدد الصادق موعداً للاجتماع بهدف الصياغة النهائية للاتفاق.
كانت المفاجأة للجنة انه قبل انعقادها بيوم فوجئت بأن الصادق عقد مؤتمراً صحافياً ونقض فيه كل ما تم الاتفاق عليه، بل وقال انه لم يتفاوض مع أحزاب، بينما كان في الحقيقة يتفاوض مع لجنة حزبية ولديه اجتماع محدد سلفاً معها في اليوم التالي.
* وماذا كان رد فعل اللجنة على هذا السلوك؟
اللجنة اعتبرت هذه رسالة لها بعدم مواصلة اللقاءات واعتذرت عن الاجتماع باعتبار ان الصادق قد نفض يده من الاتفاق معها، ومن ثم بعد ذلك بحوالي أسبوعين تم التوقيع على اتفاق التراضي الوطني بين حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر الوطني.
إذن القارئ لمجريات الأحداث يرى ان الصادق اعتبر اتفاقه مع المؤتمر الوطني هو بديل لتوحيد الحزب، وهذا أمر منطقي.
* وهل اتفاق التراضي يعتبر كبديل لتوحيد الحزب؟
لأن حزب الأمة القومي يعاني أزمة وحل الأزمة مدخله هو توحيد الحزب من خلال بناء مؤسسات حقيقية وديمقراطية، وهذا يتعارض مع الوضع القائم الآن في حزبه، وهو ان الصادق حسبما وصفه الأستاذ عبد الوهاب الأفندي في مقال قال فيه: ان الصادق هو الحزب الآن وأن الحزب هو الصادق، أي ان الحزب كله مختصر في شخصيته ويدور في فلك مواقفه وتحركاته، وتقريباً كل أجهزة الحزب أجهزة صورية وهذا جزء من الخلاف بيننا.
* شخصيتكم الجريئة الطموحة هل كانت أحد أسباب الخلاف بينكم والصادق؟
الأسباب عديدة وأذكر ان السفير الأمريكي الأسبق في السودان كتب كتاباً عن السودان بعد سقوط فترة الديمقراطية الثالثة وأفرد باباً في الكتاب خصصه لحزب الأمة وقال فيه ان الحزب زاخر بعدد من الكوادر والقدرات والذكاء، لكن شخصية الصادق المهدي طاغية على كل هؤلاء مما يحولهم إلى حواريين وذكر أمثلة لهذه القيادات المتعلمة والقادرة أورد منهم أسم المرحوم د.عمر نورالدائم ود.بشير عمر ومبارك الفاضل، وختم الباب بأن هناك استثناء واحداً في تحول القيادات إلى حواريين هو مبارك الفاضل فهو الشخص الوحيد الذي واجه الصادق وبوسعه ان يقول له اخطأت إذا أخطأ.
* كانت العلاقة بين شخصكم والصادق حميمية وكنت بمثابة السند الذي يتوكأ عليه الصادق فكيف حدثت الفرقة بينكم؟
رغم حميمية العلاقة وتقاربنا كان موقفي دائماً موقف الناصح للصادق وليس موقف التابع وهذا الموقف ظل منذ تزامنا في العمل السياسي في العام 1977، أذكر انه عندما كان الصادق يهم بالذهاب لبورتسودان لمقابلة الرئيس نميري حينها انا حضرت من ليبيا واطلعني الصادق على الخطابات المتبادلة بينه وبين نميري وقال لي انه سيذهب في زيارة سرية لمقابلة نميري في مدينة بورتسودان وبقراءتي للخطابات لاحظت ان نميري كان يخاطب الصادق كمواطن عادي وليس كرئيس حزب أو كرئيس للجبهة الوطنية المعارضة لنظامه، وهذا يعني عدم الاعتراف به.. وحينئذ سألت الصادق عن ضمانات مفاوضة الخصم في عرينه وأنت متهم محكوم عليك بالإعدام كرئيس لجبهة وطنية معارضة ولديك قوات على الحدود، فقال لي الصادق لا توجد أي ضمانات فقط حسن النوايا!!
وقلت له هل تعرف الوسيط بينكما وكان وقتها الوسيط السيد فتح الرحمن البشير، فقال لي لا معرفة لي به، إلا من خلال هذه الوساطة، قلت له إذن لابد ان يتم تحويل الاجتماع إلى خارج السودان لأن القضية ليست شجاعة شخصية وانما قضية التزامات تجاه أشخاص آخرين، وقال لي سأحاول وتحدث مع فتح الرحمن وقال له لقد أعددنا العدة ولن نغير المكان وقال لي أنا التزمت إذا وافق نميري على النقاط سأقابله في أي مكان وهو حدد بورتسودان وأنا لن اتراجع.. فقلت له أنا لا اوافقك الرأي.. وقال لي أنا سأترك معك وصيتي في حالة ان حدث لي مكروه، فقلت له طالما انك لا تسمع نصحيتي لا شأن لي بوصاياك، وكنت حينها صغيراً في السن في بداية العشرينات من عمري، فهذا نموذج لنوع العلاقة بيني وبين الصادق فقد تعودت ان أسدي له النصح بصورة واضحة ومباشرة.
* ما الذي أدى إلى تأجيج الخلاف لهذه الدرجة؟
خلافي معه هو: هل يظل الحزب الصادق المهدي وبما لدى من علاقة حميمة معه اتعامل معه كحزب في شخصه، أم يكون حزب مؤسسات ويكون الصادق رئيسه؟
أخبرته ان لم يعد ممكناً إدارة الحزب بهذه الطريقة ولا بد من المؤسسية وانتقال الحزب للأجيال التي واجهت الإنقاذ وبرزت كوادر جديدة في الحزب.
إذن كان الخلاف حول تنظيم الحزب وكان حول التكتيكات السياسية ولكن لم يكن خلافاً حول قضايا مبدئية سياسية وانما قضايا تنظيمية.
* إذن بماذا تفسر خيار الصادق بالتحالف مع المؤتمر الوطني في الوقت الراهن؟
الصادق باختياره للتحالف مع المؤتمر الوطني بدلاً عن وحدة حزب الأمة، يعني انه اختار الاستمرار في ان يكون الحزب هو الصادق والصادق هو الحزب وهو النداء الذي وجهه له الأفندي بقوله أنك قتلت أهم حزب فمهما كانت قدراتك فقد قتلت في الحزب روح المؤسسية ومنعت بروز قيادات ورموز كما فعل السيد عبد الرحمن المهدي الذي أدار الحزب بمنهج سمح ببروز قيادات بدءاً بعبد الله خليل، إبراهيم أحمد، عبد الرحمن نقد الله، عبد الله الفاضل المهدي، محمد أحمد المحجوب، عبد الرحمن علي طه، الشنقيطي، د.عبد الحليم محمد.. الخ، كان الحزب زاخراً بقامات على مستوى الوطن الآن لا يوجد غير الصادق فقط.
* هل تتهم المؤتمر الوطني بأنه يقف حجر عثرة أمام توحد حزب الأمة من أجل مصلحته؟
طبعاً من مصلحة المؤتمر الوطني ان يكون أكبر الأحزاب السياسية ضعيفاً في مواجهته واستمرار اعتقالي لمدة خمسة شهور كان الهدف منه منع وحدة الحزب الكبير، والمؤتمر الوطني هو جهة مستفيدة وتوجد شبه فائدة له، لأنه كلما كان منافسوه ضعافاً كلما كان ذلك في مصلحته.
* اتفاق التراضي بين الوطني والأمة الذي وقع بالفعل هل بوسعه تحقيق الوفاق الوطني؟
أولاً التسمية للاتفاق بالتراضي غير مناسبة، والتراضي لفظ خاطئ لأن التراضي الوطني حدث منذ نهاية 1999 منذ ان غير المؤتمر الوطني نهجه وبدأ يقبل بالآخر ويقبل التحول نحو التعددية ففي اتفاق جيبوتي وافق على السلام والتعددية في مشاكوس 2002م، اتفاق جدة- القاهرة ثم أخيراً نيفاشا 2005 وضعت الأسس للتراضي الوطني وتم وضع السلاح والعودة للوطن وبدأ مسلسل الحوار والعمل المشترك لحل الخلافات، إذن كلمة تراضي وطني غير صحيحة لأنه تم اختيارها قبل ثماني سنوات من تراضي اليوم.. والمشكلة الآن اصبحت في التنفيذ والوصول إلى مشاركة حقيقية في البلد.
* هل تعتقد بوجود صفقة أو شبهة في اتفاق التراضي بين الحزبين؟
نعم توجد شبهات حول الاتفاق فقد تمت تسريبات من المؤتمر الوطني توضح ان الاتفاق به جوانب سرية منها:
1- استيعاب الكادر المحيط بالصادق في جهاز الأمن بعدد حوالي 50 فرداً.
2- التنسيق غير المباشر في الانتخابات.
3- امتناع حزب الأمة القومي من التحالف مع حزب المؤتمر الشعبي أو التحالف مع أي قوة حزبية أخرى ضد المؤتمر الوطني في الانتخابات.
4- تقديم التمويل اللازم للأمة مقابل ذلك.
هذه شبهات وتسريبات صادرة عن اتفاق سري بهذا المعنى سبق اتفاق التراضي في 20 مايو.
* وهل تشكك في وجود شبهة ضد الحركة الشعبية من اتفاق التراضي أيضاً؟
ما يعزز هذه الشبهات ان التراضي أيضاً فيه شبهة تحالف ضد الحركة الشعبية وهذا الأمر عبر عنه الصادق في منتدى الصحافة والسياسة الأخير بوضوح بقوله ذبحنا بقرة نيفاشا المقدسة.
إذن هذا التراضي اتفاق محوري وأصلاً الحوار بينهما بدأ بعد تجميد الحركة مشاركتها في الحكومة.
ثانياً: ان الخطاب الديني والعرقي الذي بدأ الصادق يروج له أجندة عرقية وأجندة دينية واستعداد العنصر العربي الإسلامي من جانب افريقانية الحركة الشعبية وعلمانيتها رغم ان هذه أشياء غير جديدة وطبيعي جداً للحركة الشعبية خاصة ان الجنوب افريقي وغير مسلم طبيعي ان تكون مواقف الحركة ضد الدولة الدينية لكن غير الطبيعي ان للصادق أطروحات شارك بها في صياغة الأجندة الوطنية في مواجهة الإنقاذ.
للصادق ورقة في إعلان نيروبي 1993 حول علاقة الدين بالسياسة تحدث فيها على ان القوانين الشاملة التطبيق يجب ان تكون متفقة مع كل الملل والتعددية الدينية، وانه في حالة وجود قوانين دينية ينبغي ان تخصص على الملل الخاصة بها.
أيضاً لديه ورقة حول قضية الانتماء العربي الإسلامي قال فيها ان الوعي انبثق في الشمال على أساس الثقافة العربية الإسلامية واعتقد دخول الجنوب فيها طوعاً أو كرهاً وبالتالي اقترح عودة السودانيين إلى منصة التكوين فلماذا الآن العودة للحديث عن الأجندة العرقية واستهداف العنصر العربي الافريقي.
أيضاً المدهش بروز خطاب جديد للصادق وغريب يتحدث فيه عن امبريالية صهيونية بالتعاون مع قوة داخلية مستهدفة السودان وهذا حديث المؤتمر الوطني الذي يواجه به مطالبة المعارضة بحقوقها ضده.
هذا تغيير للخطاب السياسي للصادق حيث كان يطالب بفضح أجندة المؤتمر الوطني العرقية ويطالب بالتدخل الأجنبي الحميد كل هذا يعزز انه مشروع تحالف محوري وليس وطنياً كما يسميه التراضي الوطني كيف يكون وطنياً وانت تتحدث عن ذبح بقرة نيفاشا؟
* اتفاقية نيفاشا أضحت واقعاً ملموساً على أرض الواقع محروسة بالمجتمع الدولي والاقليمي والاجماع الوطني فهل من الممكن ذبحها؟
نيفاشا تشكل أساس الشرعية الدستورية لأنها وضعت خارطة طريق للتحول الديمقراطي ودستور دائم وانهت أطول حرب في افريقيا ومنحت الجنوب حقوقه.
صحيح كلنا نقول ان نيفاشا كرست الوضع القائم في الشمال وهذا موضوع نحن متحفظون عليه، لكن لا يجب بهذا السبب ان نتنكر لأفضال نيفاشا بأنها وضعت الأساس الدستوري للتحول الديمقراطي والانتخابات على الأبواب وبعد مرور ثلاث سنوات يمكن انتظار السنة الرابعة والدفع في تنفيذ بنود نيفاشا التي تؤمن الحريات والتحول الديمقراطي والانتخابات الحرة النزيهة لا ان نذبح الاساس الدستوري للتحول الديمقراطي.[/ALIGN]