عبد الباقي الظافر

ساعة الصفر!!

[JUSTIFY]وقف سيد في الصف الطويل داخل المصرف الأنيق.. منذ سنوات طويلة لم يجرِ معاملة مصرفية.. اليوم الأخير لتبديل العملة جعله يتجه إلى المصرف المجاور.. كانت حمولته النقدية أربعة وأربعين جنيه لا غير.. الجمهور داخل البنك انشغل بمصير العقيد القذافي الذي كانت تتبع زنقته عبر قناة الجزيرة.. لكن سيد والرجل الذي يتقدمه في الصف وحارس المصرف شغلتهم أنفسهم.
سيد كانت قصته عظة وعبرة.. اغترب منذ صباه الباكر.. عاش في بحبوحة، وتزوج في كرنفال، وأعطاه الله من البنين والبنات.. لم يتحسب للعودة إلى الوطن.. ظن المغترب أن الخليج سيسعه إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.. كفيله الزين لم يكن يعقد أمراً إلا بعد أن يستشير مستشاره الأمين سيد.
مات الزين.. في اليوم السابع قرر ورثته ترحيل سيد إلى أهله.. عدّوه رمزاً من العهد السابق.. أخذوا عليه نصائحه التي جعلت والدهم مقتراً عليهم، ومنفقاً بغير اكتراث على الزول السوداني.. رأوا أن الزول تمكن من السيطرة على والدهم عبر السحر الأسود.. وعاد سيد إلى أهله لا يلوي على شيء غير مرّ الذكريات.
حارس المصرف أنفق عمره في خدمة الشرطة حتى باغته المعاش.. أقدار الله لم تجعل له خلفة من الذرية.. كاد أن يموت من الفاقة حتى أدرك هذه الوظيفة المتواضعة.. أكثر ما يحزنه أنه يرى كل يوم عباد الله المسرفين يغشون المصرف ويغادروه.. وحده المسؤول عن تأمين كل هذه الأموال، ولا يناله من البر في نهاية كل شهر إلا النذر القليل.
ثالثهم برعي كان يقبض بيديه على جوال يحوي حصاد السنين من العملة المكنوزة.. الحياة لم تبتسم لبرعي إلا بعد أن أصبح كهلاً.. ضيق ذات اليد جعله ينفر من المدرسة صغيراً، ويلجأ إلى سوق العمل.. جرب كل الحرف.. عمل في كل المجالات.. انتهي به المطاف طباخاً في إحدى البواخر التي تعمل بين جوبا وكوستي.. في هذه الباخرة أدركه الثراء.. كان واحداً من المواطنين الذين استفادوا من الحرب.. كان يتاجر في كل شيء، ويخاطر في كل وقت.. أكثر من مرة التقاه الموت، وكاد أن يخطفه.. تلك المغامرات جعلته يدرك القيمة الحقيقية للفلوس.. ومنها استمد حكمة أن الأموال مثل السر لا أحد يحفظها مثل صاحبها.
فجأة قرر سيد أن يستأثر بكيس النقود الذي يحمله رفيقه في الصف.. حدث نفسه هذه الثروة إن وزعت بعدالة ستعالج مشكلاته جميعها…. إن نجحت العملية الانقلابية ستعود إليه زوجته التي فرت من البيت بسبب الفقر.. يستطيع أن يسأل ابنته إن تأخرت في العودة مساء إلى المنزل.. وسيشترى ركشة لابنه الأكبر.. صوَّب سيد نظره مبتسماً تجاه الباب.. الحارس رد التحية بمثلها.
حدد سيد ساعة الصفر، ومسار الهروب.. لحظ أن موظف البنك يسأل كل زبون من بطاقته الشخصية.. في هذه اللحظة سترتخي قبضة صاحب المال.. عندها سيخطف الكنز.. في شهر رمضان هذا لن يطارده أحد غير الحارس، الذي منحه الأمان عبر تلك الابتسامة التي جعلتهما شركاء.
قبل ساعة الصفر بقليل فوجئ سيد بصاحب الكيس يناوله قبضة من المال.. ابتسم سيد قبل أن يستوعب عبارة (لو سمحت عد الربطة دي).
لم يتمكن سيد من خيانة الرجل الذي منحه تلك الثقة وفشل الانقلاب.[/JUSTIFY]

‫2 تعليقات

  1. هي قصة الحياة والعمر والموت.
    فسيد مصاب بأرتفاع الضغط و لديه القدم السكري.سيد وحارس المصرف وبرعي الطباخ كلهم يستعدون لرحلة النهاية ولا أحد منهم يستطيع أن يستمتع بتلك الفلوس الموجودة في الكيس، لقد عاشوا حياتهم واكتملت فصولها فقط عليهم بالهدوء حتى يرحلوا بهدواء و عليهم ان يتركوا ذكريات جميلة لمن خلفهم.
    لكن السؤال الكبير لماذا نرى مثل هذه الأمثلة وهم في محطة النهاية،ليس فقط يسرقون كيس النقود بل ويقتلون حارس البنك من أجل ماذا …؟

  2. انتو عبد الباقي ده بي جدو بطل سياسة و بقا قصاص !!

    يا زول أحسن ما تجن في بلدنا دي 🙂